3

:: لماذا تحيا الكومونة ::

   
 

التاريخ : 01/12/2012

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 2112

 


(كتبت كرد على مقال الرفيق علي الأسدي على موقع الحوار المتمدن:

"حوار ودي مع شيوعي كوموني")

 

 

 

1 – يساوي الرفيق علي الأسدي بين دعوة الرفيق فؤاد لشطب لينين وتلامذته من الفكر الماركسي التحرري وبين الدعوة لممارسة هذا الشطب بالقمع، بمنع قراءة أفكارهم وملاحقتها الخ.. الحقيقة أن ما فهمته من كلام الرفيق فؤاد محمد محمود مختلف تماما، هناك فرق كبير بين أن تقول للبروليتاريا وللمضطهدين أن تعاليم وممارسة هؤلاء ليست ولا يمكن أن تكون جزءا من الفكر الثوري التحرري في سبيل انعتاقهم وبين أن تقول في برنامجك أنك ستجرم وتمنع أفكار لينين وتروتسكي وستالين وتلاحق كل من يدافع عنها أو حتى يقرأها.. الحقيقة أن فكرة الإكراه نفسها كما أعتقد تتناقض بالمطلق مع فكرة انعتاق المضطهدين التي يعتبرها الشيوعيون التحرريون مركزية في تحليلهم وفهمهم للواقع.. الحرية هي الشيء الوحيد الذي لا يمكنك أن تفرضه بالإكراه على الآخرين، خلافا لما يدعيه الشيوعيون السلطويون عندما يزعمون أنهم يحررون الآخرين بإقامة ديكتاتوريتهم الخاصة.. في المجتمع المنظم والمدار ذاتيا أو مجالسيا ستوجد هنا أفكار سلطوية وآراء سلطوية، من السذاجة افتراض أن ما يسمى بالرأي العام أو رأي الأغلبية في أي مجتمع أو تجمع بشري لا يمكن أن يكون سلطويا أو استبداديا أو أن لا يتأثر بالديماغوجيا وآليات الخداع أو الإيهام المختلفة، الحقيقة أن العكس هو الصحيح غالبا، ومن المرفوض تماما القول بضرورة قمع تلك الأفكار السلطوية، هذا يتناقض مع شرط الحرية الأساسي الذي لا غنى عنه في مجتمع حر يتألف فقط من بشر أحرار ومتساوين، لكن المجتمع المدار ذاتيا عن طريق المجالس لن توجد فيه قوة قمع يمكن استخدامها ضد الآخر أو ضد الأقليات المنشقة أو أيضا ضد الأغلبية في كثير من الأحيان كما يجري حاليا.. وذلك خلافا للديكتاتورية التي يتحدث عنها الشيوعيون السلطويون، وكل السلطويين عموما، دينيين، علمانيين، ليبراليين، شموليين الخ الخ، لا يمكن للفكرة السلطوية في هذا المجتمع المدار والمنظم ذاتيا أن تتحول إلى ديكتاتورية لأن شرط قيام الأخيرة : أي وجود آليات ووسائل فرضها لن تكون موجودة، سيكون حتى على أكثر الناس سلطوية وكرها لحرية غيرهم أن يعيشوا كالآخرين لا اقل ولا أكثر، لن يفرض عليهم أحد أي شيء لكنهم هم أيضا، لسوء أو لحسن الحظ، لن يكونوا قادرين على أن يفرضوا آراءهم على الآخرين، لن يستغلهم أحد ولكن هم أيضا لن يكونوا قادرين على استغلال الآخرين.. الدفاع عن الثورة طبعا هو الحجة الأبرز هنا لتبرير ما تسمى بالديكتاتورية، لكن كما أكدت كل تجارب التاريخ ( روبسبير، لينين وتلامذته وغيرهم وغيرهم ) أن القمع يقتل الثورة، أن الديكتاتورية تقتل الثورة وليس العكس.. يكفي أن نتذكر هنا شعار الأممية الأولى الذي كان يقول أن تحرير العمال سيكون نتيجة نضالهم الذاتي ولا يمكن أن يكون من خلال بناء ديكتاتورية جديدة لنخبة نصبت نفسها وصية عليهم.. في مقالة لستالين عن الأناركية كتبها أثناء الثورة الروسية الأولى وترجمت مؤخرا على موقع الحوار المتمدن ينتهي ستالين في محاولته الرد على رفض الأناركيين لفكرة ديكتاتورية البروليتاريا بأن ديكتاتورية البروليتاريا ليست إلا كومونة باريس، لكن ما أقامه لينين وتروتسكي ومن ثم ستالين لم يكن كومونة ولا "دولة سوفييتية" بل دولة شمولية، ديكتاتورية البيروقراطية الحزبية التي اندمجت لاحقا بالبيروقراطية الدولتية الأمنية العسكرية لتشكل طبقة مالكة حاكمة مستغلة جديدة ثم اختزلت في فترة لاحقة أو "تطورت" إلى ديكتاتورية الزعيم أو الفرد.. الكومونة تنظيم أفقي قاعدي طوعي وحر لا توجد فيه بيروقراطية دائمة ولا امتيازات لفئة من العمال أو أي طبقة أخرى، ولا جهاز قمع موجه ضد المنتجين أنفسهم... هذا يختلف تماما بل ويتناقض مع الدولة الشمولية للينين وتروتسكي وستالين

 

2 – يمكن للمرء أن يلاحظ، مرة أخرى للأسف، الطريقة السلطوية في مواجهة الواقع والحقائق.. دائما يتحدث السلطويون عند مواجهة الحقائق التي لا تعجبهم أو تدينهم عن كل شيء إلا عن تلك الحقائق، أما التكتيكات المفضلة في مواجهة تلك الحقائق بهدف إنكارها أو قلبها فهي الحديث عن العدو، ونظرية المؤامرة، ونظرية الأقل شرا أو الاختيار الإجباري بين سيئين.. هكذا تحاول القوى السلطوية تبرير نظريتها عن أن قمع المجتمع ضروري وأنها تقمعه لصالحه، وهكذا تحاول تبرير ممارساتها ضد المجتمع أو جرائمها ضد المجتمع بأنها كانت تحميه من نفسه الخ.. بالمناسبة هذه الحجج لا تتغير حسب إيديولوجية "النظام" أو الطبقات الحاكمة سواء أكانت بيروقراطية تحكم رأسمالية دولة أو نخبة دولتية برجوازية تحكم دولة ليبرالية أو عسكرية تحكم نظاما أوليغاركيا الخ الخ ( مرسي اليوم يستخدم نفس حجج نظام مبارك ).. حتى أن الحجج التي تساق لتبرير معسكرات العمل العبودي في الغولاغ وعمليات التطهير الستالينية الواسعة التي طالت مئات الآلاف وربما أكثر في منتصف الثلاثينيات تكاد تتطابق مثلا مع حجج الرأسمالية البيضاء الأمريكية للقضاء على سكان الأمريكيتين الأصليين : بناء مجتمع أكثر تطورا، ومثلها حجج الراسمالية الأوروبية وهي تستعبد الأفارقة وغيرهم في قرون التراكم الراسمالي الأولي المتوحشة والتي قلدها ستالين في تحويل العمل العبودي لملايين الغولاغ والمساجين السياسيين إلى تراكم رأسمالي أولي، لقد قامت البنية التحتية للمجتمع "الأكثر تطورا" الذي يتحدثون عنه على دماء وعظام ملايين العبيد، ملايين الأفارقة في الراسمالية التقليدية وملايين العمال أو العبيد الروس في راسمالية الدولة اللينينية الستالينية، عبيد العمل العبودي.. دائما كان التراكم الرأسمالي الأولي عملية مؤلمة ومكلفة جدا إنسانيا على المضطهدين بينما نسب الفضل في النهاية لتلك القوى والطبقات المستغلة التي أدارت عملية اضطهادهم واستغلالهم بكل وحشية وهمجية.. مع ذلك تبقى تلك اللحظات العابرة من التاريخ عندما بلغ التعاون والتضامن الإنسانيين أقصاه في أشكال التنظيم الذاتي الحر والطوعي للمجتمعات، كما في روسيا في بداية الثورة قبل سحق البلاشفة لمؤسسات التنظيم الذاتي للعمال والمنتجين، وفي إسبانيا 1936 – 1939، وحتى في الاشكال القروسطية لهذا التنظيم الذاتي : كومونات القرى وطوائف أو نقابات الحرفيين والمدن القروسطية الحرة والتي كشفت عن الإمكانيات الهائلة للتضامن الإنساني في تطوير حياة البشر ورفع مستواها في مواجهة أشكال التنظيم القائمة على الاضطهاد والاستغلال، تبقى هذه النماذج "المؤقتة وقصيرة الأمد للأسف" هي الرد الأكثر عملية على تلك المزاعم.. استنادا إلى تلك التجارب الإنسانية كان كروبوتكين في كتابه المساعدة المتبادلة: عامل تطوري، قد قال أن هناك تيارين في التاريخ الإنساني، تيار التضامن الإنساني القائم على المساعدة المتبادلة وتيار المنافسة، وأن التيار الأول قد لعب دورا اساسيا في تطور الحياة والإنسان والمجتمعات البشرية نفسها.. كان كروبوتكين أيضا قد استنتج من دراسته لمؤسسات التنظيم الذاتي في المدن والريف في القرون الوسطى أنها هي التي أنتجت التكنولوجيا الصناعية وليست أنماط التراكم الرأسمالي الأولي في كتابه "الدولة ودورها التاريخي"..

 

3 – يتساءل الرفيق علي الأسدي، أين هم منظرو التيار الشيوعي المجالسي اليوم ؟ ولماذا لا يحل هذا التيار محل التيارات الشيوعية السلطوية الأخرى.. الحقيقة هي أنه يوجد اليوم منظرون لهذا التيار وبقية التيارات اللاسلطوية أو التحررية، هناك باول ماتيك الابن وهو اقتصادي مهم وله دراسات مهمة عن المرحلة الجديدة من أزمة الاقتصاد الرأسمالي، لكني أعتقد أنه أو باول ماتيك الأب أو غورتر أو بانيكوك وغيرهم من "منظري" هذا التيار لم يكونوا هم من أوجده فعلا، ربما هم من منحه صياغته النظرية ليس أكثر.. لم يخترع أي مفكر أو منظر الكومونة، لا ماركس ولا باكونين، لقد فعل ذلك العمال الباريسيون، وهذا أيضا صحيح بالنسبة للسوفييتات، اخترعها العمال الروس، لا المناشفة ولا لينين ولا تروتسكي ولا ستالين ولا غورتر ولا بانيكوك، وهذه هي الميزة الاساسية في أشكال المقاومة والتنظيم الذاتية القاعدية التي يمارسها المضطهدون في نضالهم ضد مستغليهم، إنها لا تتوقف أبدا عن الظهور والتطور، وهي لا تخلق على الورق أو في مخيلة عبقري ما، بل تخلقها الحياة، الجماهير، المضطهدون في نضالهم الذي لا يتوقف من أجل انعتاقهم.. ظهرت مرة تلو أخرى وبأشكال مختلفة في الثورة الإسبانية 1936 والمجرية 1956 وثورة مايو ايار 1968 وأيضا في الثورة الإيرانية 1978 وحتى في انتفاضة الجماهير العراقية عام 1991 وأيضا في الثورات العربية الراهنة، لجان شعبية، مجالس محلية، تنسيقيات، إدارة العمال لبعض معاملهم، مؤخرا هناك مصنع قوطة في مصر وبأمر من القضاء الرسمي نفسه.. بالفعل أيها الرفيق علي، إذا فتحت قناة الجزيرة أو جريدة مشهورة فلن تجد الكثير من الكلام عن الأناركية أو الشيوعية التحررية، وحتى هنا قد تجد مقالا أو تحليلا من وقت لآخر فقط لا غير، لكن في النضالات العمالية، ونضالات كل المضطهدين، نساء وأقليات عرقية ودينية وغيرها، شباب، طلاب، قد تجد أشكال تنظيم ومقاومة ذاتية حرة من دون مركز أو بيروقراطية دائمتين، دون امتيازات لأحد، أشكال تهدف لإعادة تنظيم حياة هؤلاء الناس بشكل أكثر حرية، هذا هو جوهر الأناركية أو الشيوعية التحررية، قال فيكتور سيرج الأناركي الروسي الذي تحول بلشفيا فيما بعد، عن حق كما أعتقد، كل ثورة هي ثورة أناركية، بمعنى من المعاني طبعا، وكل متمرد هو أناركي.. هذا النضال لم يتوقف ولن يتوقف، قد يتراجع وقد يتعاظم، قد يقمع حينا سواء بمحاولة قمع الفكرة أو قمع أصحابها، لكنه ينبت من جديد، خاصة عندما لا يتوقع السادة ذلك ولا غيرهم، والحقيقة أن هذا التحدي الذي تحدثت عنه في انتصار البديل التحرري يواجه كل العمال والمضطهدين بقدر ما يواجه كل شيوعي تحرري لأننا لسنا إلا جزء فقط من هذا النضال ومن تلك المقاومة، نعم هناك أزمة في البديل التحرري لكنها ليست أزمة موت لسبب بسيط أن القضاء على البديل التحرري غير ممكن من دون القضاء على حلم البشر بالحرية والعدالة، أي ببساطة، دون القضاء على البشر أنفسهم.. الشيوعي التحرري يراقب، يلاحق هذه النضالات ويحاول تأطيرها وتجذيرها في تيار عريض، إنه ليس نبي كشفت له قوانين العالم ولا زعيم تاريخي يستحق التمجيد أو التقديس لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه، إنه جزء من هذه المقاومة والسعي الدائمين نحو انعتاق المضطهدين والبشرية، هو يحاول فقط التعبير عنها، رصدها، تطويرها والمشاركة فيها بكل فعالية.. إنه جزء من حالة الصيرورة الإنسانية هذه، باتجاه أنسنة الإنسان، باتجاه تحريره من عجزه وضعفه، من القمع ومن الاستغلال، من الضرورة، نحو علاقة تكاملية مع الطبيعة والمجتمع وبقية البشر تقوم على مساحات وفضاءات تتعاظم باستمرار من الحرية والمتعة واكتشاف الذات وإعادة إنتاجها باستمرار بشكل أكثر حرية وعدالة، أكثر إنسانية.. كشيوعي تحرري لا أريد تماثيل لباكونين أو بانيكوك في كل مكان ولا مظاهر مفرطة ومبالغة في التقديس عند قبريهما ولا أن ترفع صورهم في كل مكان ولا أن يجري تمجيدهم ليل مساء على أنهم أنبياء أو قديسين، ولا ترديد أجوف لشعارات مفروضة يوميا كل صباح في كل مكان، ولا أي من مظاهر وأشكال السلطة القمعية الأخرى، نريد انعتاقا حقيقيا للبروليتاريا، لكل المضطهدين، لكل البشرية، أريد أن أعيش حرا، كالآخرين، في عالم من بشر أحرار ومتساوين، لا استغلال فيه ولا استعباد ولا قمع ولا استلاب

 

4 – قد أتفق جزئيا مع استنتاج الرفيق علي الاسدي الذي نقله عن لينين، عندما قال أن الثورة الروسية ستموت من دون ثورة ألمانية، ما حدث بالفعل هو أنها انحطت إلى ديكتاتورية شمولية، سحقت السوفييتات والنقابات ولجان المصانع، سحقت المعارضة داخل الحزب ومنح المركز مكانة البابا في كنيسة شديدة الصرامة، وسرعان ما سيبدأ بتوزيع صكوك الغفران وبتشكيل محاكم التفتيش سواء داخل الحزب أو في الأممية الثالثة.. لكن كان لسلطوية البلاشفة، لينين وتروتسكي وستالين، الدور الأعظم في هذا الانحطاط، مع ذلك من يدري، ربما لو كان لينين وتروتسكي وستالين إلى جانب روزا لوكسمبورغ أو غورتر وبانيكوك وبانكهورست وبورديغا وغرامشي وجورج لوكاش وغيرهم في فيدرالية سوفييتية مجالسية للطبقة العاملة الأوروبية، ربما كان تأثير سلطويتهم أقل تدميرا على قضية انعتاق العمال وقضية الاشتراكية في العالم كما حدث فيما بعد، ربما.. رفيق علي، لا أعتقد أن مصدر قوة البلاشفة كان وحدة قيادتهم، في الواقع لم تكن تلك القيادة موحدة، على الأقل ليس قبل عمليات التطهير الواسعة في 1937 – 1938، لكن الأكيد أنها فرضت "الوحدة" أو فرضت قيادتها الواحدة تلك على الحزب ومن ثم الدولة والمجتمع بكل وسيلة ممكنة، منعت المعارضة وقمعتها دون هوادة في كل مكان، ونظمت وعززت آليات وميكانيزمات الرقابة الأمنية والحزبية ومؤسسات واساليب القمع الفكري والجسدي والسياسي، قتلت المجتمع الروسي لعقود وكممته وسلبته اية قدرة على التفكير أو التنظيم أو النضال رغم بوادر هنا وهناك، هكذا سحقت ثورة 1917، سحقت الطبقة العاملة الروسية، وانتصرت البيروقراطية، لكن كما يثبت لنا التاريخ، فقط إلى حين..

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.