3

:: "الــحرير: عالَـمٌ ساحِــرٌ في بْـسُـوس" - "حرفٌ من كتاب" - الحلقة 84 ::

   
 

التاريخ : 29/09/2012

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1582

 


 

 

في إخراجٍ أَنيقٍ ملوّنٍ جذَّابٍ مُشَوِّق للقراءة والـمتابعة، وقَطْعٍ مُربَّعٍ غير مألوف، صدر سنة 2011 كتابان عن الحرير لكاتبةٍ واحدة ورسامةٍ واحدة وناشرٍ واحد: النّصّ بالفرنسية من آنّـي دوسيه زوقي، الرسوم من روزي جونْغي، والناشر "درغام" في سلسلته "التَّعَرُّف على التراث اللبناني". وصدر الكتابان بــدعمٍ ورعايةٍ من وزارة السياحة، ونصَحَت بهما التلامذةَ وزارةُ التربية الوطنية.

       الكتابُ الأول: "الحريـرُ عالَـمٌ ساحرٌ في بْسوس" (Le monde merveilleux de la soie à Bsous): يروي في 48 صفحةٍ تفاصيلَ عن مُتحف الحرير في بسوس، عبر نصٍّ سَلِسٍ يقدِّم للأهل وأولادهم معلوماتٍ علميةً في أُسلوب جاذبٍ حول تكوين دودة القز، ومراحِلَ تَقْطَعُها حتى تُصبحَ خيطَ حرير، وما لدى مُتحف الحرير في بسوس من أَجنحةٍ شارحةٍ تلك الـمراحلَ الـمُتَتَالية.

       رحلةٌ تبدأُ من الإشارة إلى مَوقع بسوس، فالدخولِ إلى متحف الحرير فيها، وما يطالعُ الواصلَ من مدخلٍ جميلٍ مُزَيَّنٍ بأَزهارٍ وحدائقَ ونباتاتٍ برّاقةٍ ومياهٍ مُسَقسقةٍ بين الحفافي وأبنيةٍ تُـحيط بالمكان، وصولاً إلى كرخانة الحرير وأجنحةٍ فيها تقود الزائر تلقائياً إلى المراحل: من أَوّل دودة القز إلى وسَط الشرنقة إلى آخر خيط الحرير.

       في الكتاب خارطةٌ مرسومةٌ وأُخرى مكتوبةٌ لـ"طريق الحرير" منذ التاريخ العتيق أواسط الألف الثالث قبل المسيح في الصين، ونشوءِ أُسطورةِ الحرير مع كونفوشيوس، إلى تَوَسُّـع "طريق الحرير" بين الشرق والغرب مروراً بالشاطئ اللبناني عند طرابلس وصيدا وصور حيث إشعاعاتُ الموركس والحرير الـمُوَشّى بأُرجوان الشطّ اللبناني، حتى القرن السابع عشر مع فخر الدين العائد من توسكانا يـحملُ حلمه بصناعة الحرير في وطنه، لذا شجّع زراعة التوت على الساحل اللبناني طريقاً إلى ازدهار دود القز وصولاً إلى الحرير.

       وعرف عصر الحرير أَوْجَهُ في القرن التاسع عشر: كَثُرَتْ بيوتُ القزّ في الشوف وطرابلس والمتن وكسروان وبيروت، ونَشَطَت حركةُ الحرير عنواناً رئيساً لـتجارة لبنان وحركةِ التصدير فيه ومعيشةِ أبنائه، وتكاثرت الأنوال في القرى والبلدات تُطْلع العباياتِ والقمصانَ وسائرَ الملابس الحريرية الفخمة، وتضاءلت هذه الظاهرة مع الحرب العالمية الأولى، وبعدها لم تَعُدْ إلى ازدهارها السابق.

وينتهي الكتابُ بـعرضٍ شاملٍ يـختصر تاريخَ الحرير في لبنان، وُصُولاً إلى متحف الحرير الحالي في بْسوس، الواحةِ شبْهِ الوحيدةِ الباقيةٍ في لبنان من ذاك الزمان الـهادلِ بالحرير، وهو ليس مُتحفاً جامداً للعَرْض وحسْب، بل خَليةُ نشاطٍ يقدِّم كلَّ فترةٍ معرضاً ذا موضوع له علاقةٌ بهذه الصناعة التي كان لبنانُ نَـجمَها في زمن سعيد.

الكتابُ الآخر: "مغامرةُ الحرير" (L'aventure en soie) (أيضاً من 48 صفحة) ليس دليلاً مباشِراً  كالكتاب الأول، بل هو قصةُ عائلةٍ نَوَت القيامَ برحلةٍ إلى الطبيعة، وما كان لابنها عبدالله (8 سنوات) من مغامراتٍ وقصصٍ ومصادفاتٍ جَرَت له في كنف هذه العائلة التي اجتمَعَ أَفرادُها من الـمَهاجر الغربيّة لتلتقي في رُبوع لبنان وتقومَ بتلك الرحلة مَشْياً في الطبيعة.

زجَرَ الوالدان الصغير عبدالله، المعروف في الأُسرة بـــ"بودي"، أن يبقى مع والديه فلا يذهبَ مع الباقين إلى رحلة المشي في الطبيعة. غير أَنه غافلَ والدَيه ولَـحِقَ بأنسبائه الذين سبقوه، فَتَاهَ في تَعَرُّجات الطريق وأُغْمِيَ عليه فلم يُفِقْ إلاّ والأنسباءُ حوله قلِقون عليه، وانشغلت العائلة بالولد الشقي الذي كاد يَضيع في مـجاهل الطبيعة.

غيرَ أن القصة تنتهي بـما لا يقْلِق: يكونُ "عيد الحرير"، ويكون لقاء العائلة كلِّها في العيد، وتنتهي الرحلةُ عند مُتحف الحرير في بْسُوس، مع كلّ ما يواكبُ شرْحَ مُـحتويات الـمُتحف من حكاياتِ الشَّرانق والحرير.

كتابان بالفرنسية عن الحرير من لبنان، يرويان بالنصّ الجميل والرسوم الجميلة ما يـجعلُ اكتشافَ مشوار الحرير ضرورةً في أذهان جيلنا الجديد الذي قلّما يعرف هذا الوجه الحضاريّ من إِرْث لُبنان.         

 

email@henrizoghaib.com

يتم نشر هذا المقال في موقع "جماليا" بالتزامن مع بثه في إذاعة "صوت لبنان" يوم الأحـد 30 أيلول 2012

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.