3

:: مجزرة الحولة والقبير ::

   
 

التاريخ : 11/06/2012

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 2217

 


 

الحقيقة أشعر بثقل هائل يجثم على قلبي في هذه اللحظة، إن مجزرة القبير تثبت شيئا واحدا فقط أن النظام يلجأ في محاولاته لسحق الثورة إلى أسلوب المجازر الذي قد يتصاعد مع الوقت لدرجات قد لا يتوقعها أكثر المتشائمين بالنظام، بعد مجزرة الحولة خطر لي أن أتأمل في كل ما نسميه مجازر في تاريخ شرقنا وفي تاريخنا كبشر، لأحاول فهم كيف يمكن لشخص ما أن يقتل طفلا، مهما حاولت أن تتفهمن يبقى قطع رقبة طفل من الوريد إلى الوريد رغم كل شيء يبقى لغزا حقيقيا لأي إنسان يحاول أن يفهم كيف ممكن أن ننحط كبشر لهذا الحد، ليست مشكلتي هنا في بشار نفسه، واضح أن السلطة، الديكتاتورية أشبه بمرض عقلي يستحوذ على صاحب السلطة، ليس لدي شك في أن الرجل مريض بديكتاتوريته، مرض لا شفاء له منه حوله إلى وحش آدمي حقيقي وأن علاجه الوحيد هو المقصلة، مشكلتي الحقيقية هنا هي مع الشبيحة، مع وجود فقراء علويين مستعدين لتمزيق فقراء سنة، إخوة حقيقيين لهم في سبيل هذا المعتوه بدماء السوريين، كيف أمكن حدوث هذا ؟... أول شيء يثير الدهشة هو موقف واحد من الضحية، موقف واحد متطابق بين كل القتلة يعتبر الضحية حالة لا ترقى بالمطلق لتكون "إنسانا"، اقل من إنسان، في إحدى مقاطع اليوتيوب يصف بشير الجميل ومقاتليه الجنود السوريين في لبنان آنذاك بأنهم "حوارنة" وبشكل طبيعي جدا يبادره أحد الجنود بسخرية بسؤال منطقي، كم مات من الحوارنة ؟ يجب هنا أن أؤكد، ككادح سوري أيضا هذه المرة وليس فقط كشيوعي متطرف أناركي أو فوضوي، أن الجندي السوري، حوراني أو شامي أو حتى من بابا عمرو أو الحولة نفسها إن وجد من خدم من أهلها في لبنان في تلك الأيام، لم يكن ملاكا في لبنان، كان يد النظام الضاربة هناك ومارس هناك ما يفعله الشبيحة اليوم في قرى وأحياء حمص وحماة وادلب، قتل الجنود السوريون وسرقوا وعاملوا اللبنانيين كالأغنام وسخروا منهم أيضا وأهانوهم كلما أمكنهم ذلك أو كلما أرادوا فعل ذلك، الغريب هو أنني في كل مرة أتحدث بهذا الموضوع مع أي سوري يستخدم آلية إنكار أو تطهر غريبة، يضع كل اللوم على الطاغية الأب وكأننا ضحية أيضا بينما كنا نمارس دور الشبيحة لصالح هذا الطاغية ضد اللبنانيين، هل يمارس الشبيحة اليوم نفس آلية الإنكار والدفاع عن الذات وهم يقطعون رؤوس الأطفال في الحولة والقبير ؟.. في 6 ديسمبر كانون الأول 1975 اكتشفت جثث أربعة شبان موارنة من حزب الكتائب، كان اليوم يوم سبت، انتشرت الحواجز فورا في بيروت بقيادة جوزيف سعادة، والد أحد أولئك الشباب وعضو حزب الكتائب، طلب المسلحون على تلك الحواجز هويات كل المارة، خلال ساعات كان مئات الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين قد قتلوا عدا عن عدد آخر اختطفوا رهائن وسيطلق سراحهم فيما بعد، بعضهم على الأقل، بعد دفع فدية، أصبح هذا يوم السبت الأسود، بعد ذلك اليوم بست اسابيع هاجم مقاتلو حزب الكتائب وبقية "التنظيمات والميليشيات المسيحية" حي الكرنتينا الفقير الذي كان تحت سيطرة الفلسطينيين وعاش فيه لبنانيون وسوريون وفلسطينيون واكراد، يقال أن 1000 إلى 1500 قتلوا هناك، بعد ذلك بيومين قام المقاتلون الفلسطينيون واللبنانيون المسلمون واليساريون بمهاجمة الدامور، المدينة الساحلية ذات الغالبية المسيحية ضعيفة الدفاعات، أعدم المنتصرون أولا 20 مقاتل من مقاتلي الكتائب ثم بدأ قتل المدنيين، وصل العدد حسب بعض التقديرات من 500 إلى 600 ضحية، حسب شهادة رجل دين ماروني منصور لبكي، كان المهاجمون يصرخون الله أكبر ! وبعضهم كان يصرخ، دعونا نقيم هولوكوست لمحمد ! يقال أن المهاجمون كانوا بقيادة أبي موسى، قائد فتح الانتفاضة فيما بعد، وكان من بين الضحايا أفراد من عائلة إيلي حبيقة وخطيبته، الرجل الخطير في جهاز أمن القوات اللبنانية يومها ! بعد ذلك بشهور في أغسطس آب نفس العام حققت القوات اللبنانية "المسيحية" أكبر انتصاراتها في الحرب ضد مخيم تل الزعتر، بتغطية ومشاركة مباشرة من مدفعية ودبابات الجيش السوري، اقصد جيش حافظ الأسد الذي خدمنا فيه جميعا، حوصر المخيم أربعة أشهر، يقال أن ميشيل عون كان واضع خطة الحصار والهجوم هذه ومن قدم التوجيه المباشر اليومي للمهاجمين، قتل الآلاف واغتصبت آلاف النسوة، بعد أن نفذت الذخيرة من مسؤول الجبهة الشعبية قتل وسحلت جثته في شوارع المخيم، قال بعض مقاتلي ومسؤولي حراس الأرز تعليقا على شراسة المجزرة، نحن لم ننس الدامور بعد.. لكن طبيعة المجازر ستتغير مع الوقت، في 1980 ستقتل قوات بشير الجميل قرابة تسعين مقاتل "مسيحي" من قوات منافسه داني شمعون لفرض قيادة بشير الواحدة في المنطقة الشرقية، في سبتمبر أيلول 1982 دخلت قوات الجبهة اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة إلى مخيمي صبرا وشاتيلا بعد مقتل قائدها بشير الجميل، لم تخرج إلا بعد 36 ساعة، تاركة ورائها آلاف جثث الفلسطينيين غارقة بدمائها وعلى كثير منها آثار التعذيب الجهنمي، جان جينيه، الكاتب الفرنسي المتمرد، الذي عاش جزءا من شبابه صعلوكا لصا متسكعا أو في السجون بتهم السرقة والتسكع، الشاذ جنسيا و"أخلاقيا"، قال عن ما شاهده في صبرا وشاتيلا : إنّ قاتلين قد أنجزوا العملية، لكن جماعات عديدة من فرق التعذيب هي، في غالب الظنّ، التي كانت تفتح الجماجم وتشرح الافخاذ، وتبتر الأذرعة والأيدي والاصابع، وهي التي كانت تجرّ، بواسطة حبال، محتضرين معاقين، رجالاً ونساءً كانوا ما يزالون على قيد الحياة"، كم كان استمتاع هؤلاء بحفلتهم الصاخبة على أنغام آهات وتوسلات الضحايا.. في الأعوام الأولى بعد ظهور يسوع ثم موته، قام اليهود بملاحقة المسيحيين كفرقة هرطقية خارجة عن دينهم الصحيح حتى انقلبت الدولة الرومانية عليهم في وقت لاحق وقمعتهم هم أيضا، لكن الرد أو المجازر بالاتجاه الآخر، مجازر المسيحيين ضد اليهود تأخرت قليلا، بعد إعلان المسيحية دينا رسميا لروما بدأ اتجاه المجازر بالتغيير وتبادل القاتل والضحية الأدوار، لكن المجازر الكبرى ضد اليهود على يد المسيحيين بدأت تقريبا مع الحروب الصليبية التي كان من ضحاياها أيضا المسلمين والمسيحيين الأرثوذوكس وأولئك الذين صنفتهم كنيسة روما على أنهم هراطقة والوثنيين أيضا، وستستمر في ممارسات محاكم التفتيش وبعدها في مجازر روتينية تقريبا تحدث بشكل دوري تعرض فيها اليهود للقتل والطرد والتعذيب ونهب ممتلكاتهم، كانت إسبانيا الإسلامية أكثر تسامحا بكثير مع اليهود من جيرانها المسيحيين رغم أنها شهدت بعض أعمال العنف أحيانا ضدهم وللسخرية عانى المسلمون واليهود من نفس القمع والاضطهاد على يد حكام قشتالة الكاثوليك ومن جاء بعدهم وعلى يد محاكم تفتيشهم بنفس الدرجة تقريبا.. اليهود أنفسهم، كثير منهم ممن قدموا للتو من معسكرات الموت النازية بدأوا حرب تطهير عرقي ضد الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، مذابح حقيقية لا تقل بدرجة الوحشية عما تعرضوا له على يد النازيين، وواصلوا هذه الحرب حتى اليوم، اليونانيين الذين قاسوا طويلا من عسف العثمانيين استعادوا استقلالهم من خلال مجازر رهيبة بحق الأتراك والألبان الذين كانوا يعيشون بينهم وكان قسما منهم فقط مرتبطا بشكل أو آخر بالحكم العثماني هناك، لاحظ اليهودي الأناركي الأمريكي من أصل تشيكي فريدي برلمان أن القاتل عادة ما يشعر أنه ضحية، لقد استخدم النازيون قصة المؤامرة اليهودية العالمية لكي يبرروا أنهم هم الضحية، ضحية من يقتلونهم وليس العكس، وليس صعبا أن تدرك أن هذا بالذات ما دفع القادمين للتو من معسكرات الموت النازية لذبح الأطفال والنساء الفلسطينيات، دائما تستخدم قصص المجازر السابقة فقط كحجة لمزيد من المجازر، الحقيقة أن كل مجزرة تستخدمها القوى السائدة كمبرر لمجازرها هي، المنطق السلطوي يؤكد نفسه باستمرار، الرد على المجزرة بالمجزرة، الشيء الأكيد هو أن هدفها ليس العدالة ولا حتى الانتقام للضحايا، يقتل الضحايا مرتين، مرة على يد قاتلهم ومرة أخرى على يد من يزعم أن يفتك بخصومه انتقاما لهم، يخطئ من يعتقد أني أريد تمييع مجزرة الحولة والقبير بإنزالها إلى مستوى حدث روتيني حدث من قبل وسيحدث في المستقبل، إننا أمام حدث استثنائي لا يعرف معناه الحقيقي إلا من عاش رعب اللحظات الأخيرة، من كتب عليه أن يكون هناك برهانا من لحم ودم على الرعب الذي يمكن للإنسان ان يخلقه بحنونه، إننا أمام حدث بالغ الأهمية والاستثنائية لا يمكن أبدا تمريره بأي حال من الأحوال، إننا أمام حدث تاريخي أو فعل إنساني استثنائي يحاصر روحك، يقبض عليها بقسوة، إن أية محاولة للإفلات تبدو وكأنها تقودك فقط إلى جحيم آخر، هناك اليوم من يرقص طربا على جثث القتلى، وهناك اليوم شيئا اشبه بهستيريا الدم، طاغية مجنون بالسلطة وبالاستبداد قرر أن يقتل شعبه، جزءا من شعبه ليعيد الآخرين إلى بيت الطاعة، جان جينيه مرة أخرى، "لم أكن قد لاحظتُ ذلك، فأصابع يديها كانت مروحية الشكل، والأصابع العشر مقطوعة بمقصّ. لا شكّ أنّ جنوداً قد استمتعوا وهم يكتشفون هذا المقصّ ويستعملونه، ضاحكين مثل أولاد وهم يغنون فرحين"، "كيف كان شكل ممارس التعذيب ؟ إنه يفقأ عيني ولن يكون له شكل سوى الشّكل الذي ترسمه وضعية أجساد الموتى، وإشاراتهم الخشنة، وهم تحت الشمس، تنهبهم أسراب الذباب"، من صبرا وشاتيلا إلى معسكرات الموت النازية وجحيم الحولة والقبير، إنها نفس القصة، كيف أصابت عدوى جنون الديكتاتور الفقراء العلويين، كيف أصبحوا مجانين بدم إخوتهم مثله، لا شك أن هناك سفلة، ببساطة، من يستطيع فعل أي شيء في سبيل بعض المال، هذا يكفيه، خاصة إذا كان "العمل" ممتعا، لكن لا شك أن هناك من كان يشعر أنه هو الضحية وهو يقطع أعناق أطفال الحولة، لسبب ما، بآلية كذب أو خداع ما للذات، بتماهي ما مع صورة فلاح علوي منهك الجسد على خازوق آغا إقطاعي سني أو ضابط عثماني، كان القاتل يبحث عن "انتقامه" هو أيضا، هذه المرة "دفاعا" عن آغا أو إقطاعي أو ضابط علوي، إنه في هذه المرة يلعب دور قاتل ذلك القريب المجهول الذي قضى ذات يوم، مرة أخرى النقطة الأهم في وعي الكثيرين اليوم للمجزرة هي أن تعدل وتعاد صياغتها لتمنح الضحية القوة الضرورية لتصبح جلادا ذات يوم، لتكر السبحة من جديد، إنه مرض حقيقي، عميق الجذور في وعينا وفي رغباتنا الدفينة، إن الاقتراب من الموت يجعلنا شيئا أقرب للآلهة، شيئا يحق له أن يمارس الموت ضد الآخرين، لهذا قد يبدو طبيعيا أن يرتبط جنون العظمة بقوة بجنون الاضطهاد، في الفصام الزوري أو فصام جنون الاضطهاد يرتبط الذعر من مؤامرة ما بشعور مرضي بالعظمة، لا شك أن كل الأنبياء ومدعي الألوهية والمهدية كانوا كذلك أيضا، طغاة في عالمهم الخاص ومجانين في عظمتهم وإحساسهم بازدراء المجتمع أو اضطهادهم كأفراد ليس لهم أي وزن أو وجود فعلي ككل الفقراء، يقول الأناركي النقابي رودولف روكر في كتابه القومية والثقافة "نفس القوميات التي لم تتوقف قبل الحرب العالمية الأولى عن الثورة على مضطهدها الأجنبي، كشفت عن نفسها اليوم بعد أن حققت الاستقلال كأسوأ مضطهد لتلك القوميات التي تحت سيطرتها وأوقعت بها نفس اشكال الاضطهاد الأخلاقي والقانوني التي تعرضت لها هي من قبل... هذا يجب أن يجعل واضحا حتى للأعمى أن الحياة بانسجام داخل إطار الدولة القومية أمر مستحيل.. هذه الشعوب التي هزت باسم تحررها نير الحكم الأجنبي البغيض لم تكسب شيئا.. في معظم الأحوال حصلت على نير جديد أكثر قمعية من السابق في كثير من الأحيان... إن تحول المجموعات البشرية إلى شعوب لدول قومية لم يفتح عهدا جديدا... إنه اليوم واحدا من أخطر العوائق أمام التحرر الاجتماعي... فإن تعبير "الوطني" يعني رغبة السيطرة لأقليات محدودة والمصالح الخاصة لطبقة أو فئة في هذه الدولة"... لا شك أنه هناك اليوم في سوريا حرب أهلية حقيقية بين نظام خرج جنونه عن السيطرة وبين شعب مسحوق يتلمس طريقه الصعب أو المستحيل نحو الخروج من سجن مظلم، لا شك أن الفقراء يقتلون بعضهم، لا شك أن الموت العبثي يصبح لكثير من السوريين اليوم نهاية لحياة عنوانها القهر والاضطهاد، لا نعرف عن وجود الفقراء إلا عندما يقتلون، عندما يتألمون من الوحدة والجوع والحاجة يصم العالم آذانه عن أنينهم، فقط عندما يحتاج إلى إعادة كتابة فصول جديدة من جنونه بدمائهم يبحث عن موتاهم وينبش قبورهم ويتذكر اسماءهم، اسماء بلا أجساد، صور بلا وجوه، لا لكي يمنحهم عدالة فقدوها وهم أحياء بل ليكرس انعدام العدالة على هذه الأرض، مالكو النفط في طهران والرياض وموسكو والدوحة يحسبون خسائرهم وأرباحهم المحتملة من المشاركة في حفل الشواء الحالي، لا يدخل الفقراء أبدا في حساباتهم هذه، إن دماء الفقراء أرخص بكثير من ذلك، إنه هولوكوستنا، فلنرقص طربا على أنغام القذائف ولنعد قبورا جديدة لموتى جدد، إنه هولوكوستنا، فلنقدم للسادة ولرجال الدين وللسياسيين مادة حمراء صافية ليتنافسوا عليها، باختصار شديد : يقتلنا دينكم وتقتلنا حضارتكم، في النهاية تكتشف أن هناك ارتباط عضوي جدا ومتين جدا بين دم الفقراء وحريتهم، لن تتوقف طقوس التضحية ببعضهم بين الحين والآخر إلا إذا اصبحوا أحرارا، سادة أنفسهم، عدا ذلك سيبقون يتبادلون دور الضحية والجلاد لصالح سادة قد يتغيرون قد تتغير أديانهم وأعراقهم وطوائفهم لكن لن تتغير أبدا ملامح وجوههم السمينة الكريهة خاصة وهم يرثون ضحايا من الفقراء بقتل ضحايا جدد

 

 

 
   
 

التعليقات : 1

.

12-06-2012 04:5

ورد الجوري

يا‏ ‏شهداء‏ ‏سوريا‏ ‏‏‏ ‏الأبرياء‏ ‏نلتقي‏ ‏في ‏‏الجنه‏ ‏بإذن‏ ‏الله‏..


 

   
 

.