3

:: الثقافة يجب أن تتسلح بالإعلام وليس العكس!! – حوار مع أ. د. عبدالله الفَيفي ::

   
 

التاريخ : 06/04/2012

الكاتب : خير الله زربان   عدد القراءات : 1914

 


 

(شاعر المليون) يهدم ما بناه أمير الشعراء!

 

برغم تأكيد الأستاذ الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي أهمية المسابقات الشِّعرية في إعادة الشِّعر إلى الواجهة والصدارة، إلا أنه يأخذ عليها تسليعها للشِّعر والمتاجرة به، مشيرًا في ذلك إلى أن مسابقة "أمير الشعراء" قد أسهمت في التعريف بشعراء جيدين في الوقت الذي تعمل مسابقة "شاعر المليون" على النقيض من ذلك بهدم ما تبنته مسابقة "أمير الشعراء" لغةَ وذوقًا وثقافة.. كذلك انتقد الفَيفي تقصير الأندية الأدبية في حق الشِّعر الفصيح، مشيرًا إلى أن هذه الأندية قد تنصرف قريبًا من الشِّعر الفصيح إلى العامّي، مبيّنًا أن البحث عن العيش الكريم أو اللئيم بالشِّعر يحيل الشاعر إلى شحّاذ، مؤكِّدًا أن ما عُرف قديمًا بأغراض الشِّعر فيه امتهان للشِّعر في سُبُل النفاق والاسترزاق، باقيًا على موقفه الثابت من مسمى قصيدة النثر مبينًا أن إصرار المتعصبين على إلحاق قصيدة النثر بالشِّعر استهانة منهم بالنثر وعبوديّة للشِّعر.. تجربة الفَيفي الشِّعريّة، ونظرته للساحة حاليًا، وبوصلة توجه زاويته "مساقات"، وغير ذلك من المحطات في ثنايا هذا الحوار..

 

 

     

 

س1. حدثنا عن تجربتك الشعرية وبادرتها الأولى في خاطرك.. وهل ثمة ظلال وراثية غذّت هذا الجانب في مسيرتك؟

ج1.  في البدء كان الشِّعر.  بدأتُ شاعرًا وانتهيتُ شاعرًا. وأستطيع القول، كما قلتُ في لقاء سابق: إنها قد تفتّحتْ روحي الشِّعريّة على يدَي أُمّي، وذلك في المرحلة الابتدائيّة، وقد كانت متعلِّمة، وهي مدرستي الأُولى.  فكانت تشجّعني على الكتابة، وتمتدح أسلوبي.  ثم كان خالي، سلمان محمّد الفَيفي، رحمه الله، وهو شاعر، وأستاذ في اللغة والأدب، وقد أصدرتُ له ديوانًا، بعد وفاته، بعنوان "مرافئ الحُبّ"، 2007، فكان يشجّعني في المرحلة الثانويّة على إعلان ما أكتب.  والشِّعر عمومًا في شرايين الإرث الأسريّ يسري، فجَدّي شاعر، وخالي شاعر، وعمّي شاعر.. إلخ.

 

س2. ما هي طقوسك في كتابة الشعر  وفي أي الأوقات تكتب.. ومن هي ملهمتك؟

ج2. إذا جاءت القصيدةُ، لا ترقب الطقوسَ ولا المواقيت.  الملهِمات كُثر.  ولسن نساء، كالعادة في إجابة مثل هذا السؤال.  ملهِمات الشِّعر بأنواع الشِّعر والحالات.  وما أكثر ملهِمات الشِّعر هذه الأيّام، لمن كان له قلب!

 

س3. ما هي أبرز الأغراض الشعرية التي تطرقت لها؟

ج3. غرض الشِّعر لم يعد إلّا الشِّعر.  إن ما عُرف قديمًا بأغراض الشِّعر امتهانٌ للشِّعر في سُبُل النفاق، والاسترزاق، والدعايات القَبَليّة والسياسيّة.  نعم، ما زال هذا في تَرِكَة الشِّعر العامّيّ من الشِّعر العربي، وبعض الشِّعر التقليدي، لكن الشِّعر المعاصر لم تَعُد له أغراض، سوى التعبير عن الإنسان بصدق.

 

س4. ماذا أضاف لك الشعر؟

ج4. حُبّ اللغة والناس.

 

 

 

س5. من خلال عملك رئيسًا للجنة الشؤون الثقافية والإعلامية في مجلس الشورى، ماذا قدمت للثقافة؟

ج5. عملتُ نائبًا لرئيس لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية في مجلس الشورى لسنتين، ثم رئيسًا للجنة نفسها سنتين، خلال الدورة الرابعة والخامسة، وعضوًا في سواهما، في اللجنة نفسها وغيرها.  والحق أن عمل المجلس ليس فرديًّا، بل هو عملٌ جماعيّ.  كما أن أيّ مبادرةٍ فرديّة أو جماعيّة تَـمُرّ بقنوات متعدّدة حتى تصبح قرارًا، ولا بُدّ في النهاية أن تحظى بالأغلبية النظامية، وإلّا سقطتْ.  تلك آليّة المجلس، كغيره من المجالس الشبيهة والبرلمانات.  وهذا ما لا يعيه كثيرون، فيُخيّل إليهم أن مجال الاجتهادات والمبادرات أمرٌ شخصي ومفتوح على مصراعيه.  وهذه الآليّة هي في صالح نضج القرار، وخضوعه لرؤية شاملة، وموضوعية، ومؤيّدة بالأغلبية.  وعليه، فليس دَوري أو غيري الحديث عن أنفسهم وعمّا قدّموه؛ فهم يسهمون وفق منظومة المجلس ككلّ، وحسبما أقسموا عليه من أداء الأمانة بالصدق والإخلاص والنزاهة.  أمّا اللجنة المشار إليها فلها إسهاماتها في تقييم أداء الجهات الثقافية الموكل إليها تقييم أدائها، إضافة إلى دراسة مشاريع مذكرات التعاون والاتفقيات الثقافية الدولية، ودراسة بعض عرائض المواطنين أو مقترحاتهم، واتّخاذ التوصيات بصددها.  وقد كان مما أنجزته اللجنة خلال الدورة الماضية وهذه الدورة، على سبيل المثال: نظام رابطة الأدباء والكتّاب السعوديّين، الذي ما زلنا نأمل أن يرى النور، والنظام المقترح لتقنين المحتوى الأخلاقي لتقنية المعلومات في المملكة... إلى غير ذلك. 

 

س6. كان لك تجارب في أعداد برامج إذاعية فما سبب توقفك بعد ذلك؟

ج6. لستُ بإعلاميٍّ، لكني أؤمن بضرورة الإعلام للثقافة.  وأرى أن الثقافة يجب أن تتسلّح بالإعلام، لا العكس، كما هو واقع الحال العربي، للأسف.  أعني أن الثقافة أصبحت تُستغلّ للتسويق الإعلامي.  ولذلك، كان إسهامي الإذاعي من خلال "أوراق شاعر"، مثلًا، في إذاعة الرياض، أو "كتاب وقارئ"، أو غيرهما من البرامج الحواريّة، إن في الإذاعة أو التلفاز، كلّها من هذا المنطلق.  وحين أجد الفرصة المناسبة مستقبلًا سأسعد بها. 

 

س7. من خلال زاويتك "مساقات" في صحيفة الجزيرة ماذا تحاول إيصاله للقارئ؟

ج7. هي ساحة مفتوحة لمخاطبة القارئ، والتواصل الفكري والمعرفي.  أنا أتوخّى دائمًا المواءمة بين الطرح العلميّ والإعلاميّ.  وكثيرٌ ممّا أنشر هناك هو مشاريع بحثيّة أو نقديّة، وبعضه تحوّل إلى كُتب.  "حداثة النص الشِّعري"، "نقد القيم"، "ألقاب الشعراء"، على سبيل المثال، كتبٌ تمخّضت عن "مساقات" الجزيرة.

 

س8. الشعر أهداك عددًا من الجوائز.. فأي هذه الجوائز لها في قلبك مكان خاص؟

ج8. لستُ أنظر إلى العدد، ولا حتى إلى الجوائز، إلّا بوصفها تتويجًا لإنجاز.  ما يجعلني أعتزّ بما نلتُ منها أنها جوائز محكَّمة علميًّا، ومن جهات لا صلة مباشرة بيني وبينها، بل ربما لا تعرفني شخصيًّا.  لذلك أجدني معتزًّا بها؛ لأنها بمثابة شهادات استحقاق عن تقييمٍ موضوعيّ.

 

س9. كيف تنظر لتطوّر الشعر الحديث وتحديدًا قصيدة النثر؟

ج9. دعنا نتفق أوّلًا على هويّة قصيدة النثر، أهي شِعر أم نثر.  ما أراه أنا أن قصيدة النثر نثرٌ، وما يراه المتعصّبون أن وصفها بأنها نثر سبّة في حقّها وحقّهم؛ فإمّا أن تسمّيها لهم شِعرًا، وإلّا قامت قيامتهم.  وفي هذا استهانة منهم بالنثر، وعبوديّة للشعر.  قصيدة النثر كتابةٌ أدبية، جيّدها جيّد ورديئها رديء.  أمّا الإصرار على أنها شِعر "ولو انتثرت"، فليس من العلميّة في شيء، ولا من الإيمان بتنوّع الأجناس الأدبيّة واختلاف مائزاتها في شيء.

 

س10.  لكن الملاحظ أن الشعر الفصيح بدأ في التراجع أمام سطوة الشعر النبطي.. فكيف ترى هذا الأمر؟

ج10. لم يتراجع الشِّعر الفصيح، ولا تقدّم الشِّعر النَّبَطيّ قَيد أُنـملة، بل العكس هو الصحيح.  ما حدث في الواقع ويحدث أن التعليم، والقنوات الإعلامية، والمنابر الثقافية، هي التي تراجعت باتّجاه الشِّعر النَّبَطيّ وغير النَّبَطيّ، لحاجاتٍ في نفس يعقوب وعقله!  ولك أن تقارن حال الإعلاميّين- على سبيل الشاهد- بين الأمس واليوم لغويًّا، لتعلم أين كنّا وأين أمسينا.  وما دام هذا التقهقر مستمرًا في اللغة والتعليم والثقافة، فلا غرابة أن نعود أدراج الرياح إلى دارج القول في عصورنا الأُميّة، وأن يزدهر ذلك أيّـما ازدهار؛ لأن حليمة فينا ما تفتأ تحنّ إلى ضلالها القديم.

 

س11. برزت في الساحة ظاهرة بيع الشعر.. فهل تعرضت لمثل هذا الموقف.. وهل تجد في القصائد سعة لعيش كريم؟

ج11. لَأَنْ يبيع المرءُ نفسه أهون من أن يبيع شِعره!  وأنْ يبحث الشاعر في الشِّعر عن العيش، الكريم أو اللئيم، فذلك يعني أنه شحّاذ لا شاعر!  نسمع بمثل هذا عادة في الشِّعر العامّيّ؛ لأنه باللهجة الدارجة المبتذلة للجميع، وما أظن وجود هذا في الشِّعر الفصيح، إلّا نادرًا؛ لأن أدوات الشِّعر الفصيح مكلفة، ومن ثم ستكون الأسعار مستحيلة، وستكون السوق فضّاحة للبائع والمشتري!  هذا على افتراض الوصول إلى هذا الحضيض.

 

س12. وماذا عن الشاعرات.. هل ترى لهن حضورًا مميزًا في الشعر الفصيح.. ومن هي أبرز الشاعرات السعوديات برأيك؟

ج12. الشعر لا ذكورة فيه ولا أنوثة.  ويظلّ حضور المرأة في مختلف المجالات الثقافيّة العامّة أقلّ من حضور الرجل لأسباب اجتماعية معروفة، ولاسيما في مجال الشِّعر.  لا أحبّ التسميات والمفاضلات المجّانية هنا.  فمَن شاء فليرجع مثلًا إلى كتابي "حداثة النص الشعري في المملكة"، ليجد نماذج من نصيب المرأة من الحضور في التجربة الشِّعريّة الحديثة في المملكة، وعلى نحو يقترن بالنصوص والدرس الموضوعي.  لكني- مع تحفّظي على طرح الأسماء- سأشير هنا إلى نموذجين، من الجيل الأحدث، وهما شاعرتان لافتتان بتمكّنهما من الأدوات اللغويّة والفنّيّة، هما: آسية العمّاري، وهيفاء الجبري.  الأولى فرِحتُ بتجربتها، فكتبتُ مقدّمة مجموعتها الأولى "بشأن وردتين"، والأخرى فوجئتُ مؤخَّرًا بمعرفة تجربتها الشِّعريّة الرصينة.  أمّا من الجيل السابق، فلعل أبرز صوتين يحضرانني الآن، هما: د.فاطمة القرني، التي أصدرت مؤخَّرًا مجموعات من أعمالها الشِّعرية، و د. أشجان هندي.  تلك أصواتٌ تتوافر، في تقديري، على المـَلَكة الشِّعريّة وأدوات الشِّعر.  وهذا ما تفتقر إليه معظم التجارب الأخرى.  بالطبع هناك أخريات، تتفاوت نتاجاتهن، لكنني قرأتُ لهؤلاء نصوصًا كثيرة، تتيح لي مثل هذا التقدير.  أمّا حكاية "أبرز الشاعرات السعوديّات"، فلا محلّ لها من النقد.

 

 

 

س13. البعض يرى أن اهتمام الأندية الأدبية بالشعر الفصيح دون المستوى.. فما قولك؟

ج13. هناك تراجع في الاهتمام بالشِّعر في الأندية الأدبيّة، إلّا من بعض الاحتفاليّات الموسميّة.  والسؤال: أين الأماسي الشِّعريّة، مقارنةً بالقصصيّة؟  وأين الجوائز الشِّعرية مقارنةً بالجوائز للرواية؟  بل أين الاحتفاء بالشاعر السعوديّ في بلده، مقارنةً باستضافة الشعراء الآخرين ومنحهم المنابر والجوائز؟!  بل قُل مقارنة بالاحتفاء بالشاعر السعودي خارج السعودية؟!  حقًّا، "لا كرامة لنبيٍ في قومه"، كما قال القدماء!  ولكن أُبَشِّركَ أن اهتمام الأندية الأدبيّة سينصرف عن الشعر الفصيح إلى العامّي عن قريب؛ لكي يُريحوا السائلَ عن مثل هذا السؤال (المسؤول)!

 

س14. ولماذا قَلَّت الأمسيات الشعرية في الأندية الأدبية؟

ج14. هناك ضربة استباقية للإجابة عن هذا السؤال في الإجابة السابقه.

 

س15. وما هو السبيل لإيجاد جيل جديد من الشعراء الجيدين؟

ج15. لا سبيل إلى هذا سوى بتحسّن مستوى التعليم، وخاصّة في مناهج اللغة والأدب، ثم أن يكون للإعلام دورُه المسؤول والواعي، لا الدور العاطفي، والتجاري، والتخريبي، الذي يغلب عليه اليوم.

 

س16. هل ترى الشعر العربي الحالي قادر ومواكب لقضايا الأمة العربية؟

ج16. أعط الشِّعر منبره، تسمعه، ثم احكم!  غير أن للشِّعر بعد ذلك مقارباته الخاصّة وغير المباشرة للقضايا عمومًا.  فالشاعر ليس كالكاتب الصحفي، لا في طبيعته ولا في وظيفته.  وهذا ما ينبغي أن ندركه، فلا نكلّف الشِّعر ما لا يطيق، بل ما يَخرج به عن أسلوبه في التناول، ومخاضاته في التعاطي مع الهموم العامّة والخاصّة.  الشاعر الإعلاميّ خطيبٌ وليس بشاعر، في النهاية.

 

س17. يقولون أعذب الشعر أكذبه فما مدى مصداقية هذه المقولة؟

ج17. أعذب الشِّعر أصدقه شِعريًّا!  الكذبُ المقصودُ هناك هو الخيالُ، لكنّ الناس مشغولون عادةً بالصدق والكذب الأخلاقيّ.  أفلاطون قديمًا أيضًا أراد نفي الشِّعر من مدينته الفاضلة؛ لأنه لم يع وَعْيَ أرسطو طبيعةَ الشِّعر ووظيفته وضرورتَه الإنسانيّة، ولم يفقه أساليبَ تأتّيه الخاصّة إلى التعبير عن الحقائق.

 

س18. وما هي أجمل قصائدك؟

ج18. ما لم أكتب بعد!

 

س19. كيف ترى الجيل الجديد من الشعراء ومن هم الأبرز؟

ج19. الجيل الجديد، وما أدراك ما الجيل الجديد؟!  من متابعتي أراه مؤهَّلًا ليكون الأكثر وعيًا، على الرغم من كلّ المعوّقات، والملهيات، والمثبّطات.  وقد كتبتُ عن بعض نماذجه المبشِّرة بالأفضل، والأنضج. 

 

س20. أي دور لعبته المنافذ التقنية الحديثة في ذيوع وانتشار الشعر؟

ج20. أعتقد أن الشِّعر أكثر ملاءمةً وطواعيةً لاستخدام وسائل الاتصال الحديثة من أيّ جنسٍ أدبيٍّ آخر.  لكن السائد- للأسف- في استخدام تلك الوسائل هو الشِّعر العامّيّ.

 

س21. لِم لَم يعد للشعر وهجه القديم والذي ساد به على الأجناس الأدبية الأخرى ردحًا من الزمن؟

ج21. الإنسان يتطوّر، والحياة تتطوّر.  مختلف الأجناس الأدبية خرجتْ من رحم الشِّعر: المسرح والقصة والرواية، ثم صارت هذه الأجناس إلى النثر.  وهذا تطوّر طبيعيّ.  لكن ليس من الطبيعيّ في شيءٍ أن يُستدرج الشِّعر نفسه إلى النثر.  وَهَج الشِّعر باقٍ ما بقي وَهَجُ الوجدان الإنساني.  أمّا لماذا لا يظهر ذلك الوَهَج، فلإسباب تتعلّق بالإنسان/  بإنسانية الإنسان، وأسباب تتعلّق بالمحيط الثقافيّ العامّ، الذي يزهِّد في ما هو روحاني وقَيِّم، ويركض خلف ما هو ماديّ واستهلاكيّ.

 

س22. على أي رهان تتكئ القصيدة العربية في حاضرها؟

ج22. على بقاء الكلمة (الروح)، وعدم تحوّلها إلى سِلعة.

 

س23. لم لا تجد الأجناس الشعرية الحديثة (قصيدة النثر مثلاً) حيزها من القبول دون صراع تخرج فيه أسلحة النفي والإقصاء.. معيدة للمشهد الصراع الذي واجهته قصيدة التفعيلة قبل أن تأخذ مساحتها من القبول؟

ج23. أولًا، السؤال يفترض ابتداءً أن للشِّعر أجناسًا، وأن قصيدة النثر أحدها، غير أن هناك من يوصد الباب في وجهها.  وهذا كلام غير دقيق.  قصيدة النثر الجيّدة لا أحد يُنكر أدبيّتها، وإنما الصراع يُفتعل ممّن يريد فرضها شِعرًا، لا نثرًا.  ولا وجه للمقارنة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، فالأُولى محاولةٌ تطويريّةٌ للشِّعر من داخله، والأُخرى نثرٌ، لا شِعر، ولم تطوّر في حقيقة الأمر شيئًا، إلّا بعض التوهّمات.  المسألة هنا معرفية فنيّة، ولا علاقة لها بالحروب، إلّا لدى من يفهم الأمر على هذا النحو.. وذلك شأنه.

 

س24. أي دور لعبته المسابقات الشعرية التي تقام على الفضائيات في تقريب المسافة بين الشعر والجمهور.. وأي المآخذ التي يمكن أن تحسب عليها؟

ج24.  لو تحدّثنا عن مسابقة "أمير الشعراء"، تحديدًا- بوصفها أبرز مسابقةٍ شِعريّة في الوطن العربي، وهي نموذجٌ شاهدٌ على ما دونها- فعندي أنها مسابقةٌ مفيدةٌ جدًّا، وتُسهم في إعادة الشِّعر إلى صدارته من وجدان الأُمّة.  مَن يزعم غير هذا جاحدٌ أو مكابر.  هذا بقطع النظر عن نقدك العمليّات الإجرائيّة في المسابقة، أو فرز النتائج،  وآليّات التصويت والتفويز، أو الأهداف الأخرى الظاهرة أو الخفيّة.  غير أنك ستجد على الجبهة المقابلة "شاعر المليون"، وهي مسابقة أقدم، كما هو معروف.  وهي تشتغل- أرادت أم لم تُرد- على جبهةٍ نقيضة، أي على هدم ما يمكن أن يبنيه "أمير الشعراء"، لغة، وذوقًا، وأدبًا، وثقافة.  ولذا، فإن أبرز المآخذ تبدو في هذا التسليع للشِّعر، والمتاجرة به، دونما استشعار المسؤوليّة الأبعد فيما وراء الشِّعر، المنبثقة عن السؤال الجوهري، والمتناسل في الشأن الثقافي العامّ: مَن نحن؟ ماذا نريد؟ وأيّ مستقبلٍ نتطلّع إليه؟  إن الشِّعر في ذاته- مهما عشقناه- ليس بغاية، بل هو وسيلة، إنْ أُحسِن توجيهها، أفادت، وإلّا صارت من أفتك الأمراض المستوطنة والمستمرّة، معرفيًّا وثقافيًّا وقيميًّا. 

 

حوار العدد لمجلّة "الإعلام والاتصال"، العدد 161، المحرّم 1433هـ= ديسمبر 2011م، ص30- 33

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.