3

:: أنا وفيروز والزمن طويل (5) - بليل وشتي ::

   
 

التاريخ : 22/10/2010

الكاتب : خطيب بدلة   عدد القراءات : 6910

 


أنا وفيروز والزمن طويل (5)

بـِلَيْـل وْشِتِـي

 

 

 

سأتوقف في هذا المقرأ عند قمة شاهقة من القمم الفيروزية، أعني قصيدة (بليل وشتي) التي كتب كلماتها الشاعر الكبير جوزيف حرب، ولحّنها الفنان ذو الألحان العذبة الشجية فيلمون وهبي. والأغاني التي لحّنها فيلمون وهبي لفيروز لا تخرج أبداً- كما هو معروف- عن سياق التجربة الرحبانية.

 

تقول لازمة الأغنية ما يلي:

بِلَيـل وْ شِـتِـي

صَـوتُو مسْمـوع

يا هُوِّي اْغْمريني    يا هُوِّي  دْمــوع

تْنَيـن  عاشْقـَيـن

قاعديـن

دايبـيـن

عم يِحْكوا سَـوا     عَلَى ضَوِّ الشّْمـوع

 

إذن.. القصيدة تبدأ بتحديد الوقت، وهو الليل، ثم ترسم ما يجري في خارج المكان، حيث ثمّةَ شتاءٌ، أي مطرٌ (صوتُه مسموع).. وهذا المطر له- برأي الشاعر- احتمالان، فإما أن يكون تعبيراً عن الغمر بالمحبة (يا هُوِّي اْغْمريني)، أو أن يكون مصنوعاً من دموع العشاق المحزونين (يا هُوِّي دْموع).

ثم ينتقل بنا الشاعر، بكاميرته الذكية، إلى داخل المكان، فنرى رجلاً وامرأة عاشَقين، قاعديَن في زاوية من المكان، وهما ذائبان من شدة العشق، يتحادثان، أو يتغازلان، على الضوء الأنسب لمثل هذه القَعدة، ألا وهو: ضوء الشموع.

المقطع الثاني من القصيدة هو التالي:

عَيْنَيْهُنْ بِبَعْضُن،

إيْدَيْهُنْ بِردانينْ

وِشْفافُنْ عِشّــاق        مع بَعْضُنْ سِهْرانينْ

وِاْمْرِقي يا سْنيــنْ

وِاْتْلِجـي يـا سْنيـنْ

خَلِّـي بْـواب الليل عْلينا

مْسَكَّـريـن
آهْ

وَلا يِعْـطَشْ حـَـدَا

مِنـّـا

وَلا يْـجـوع

لقد انتقل جوزيف حرب من وصف الحالة العامة، حينما قال في وصف العاشقين السهرانين على ضوء الشموع (قاعْدين، دايْبين)، إلى تأمُّل التفاصيل. وهو يستخدم لهذا الغرض تَقنيّة باهرة، وبراعة كبيرة تصل إلى حدود (المْعَلّميّة). تتلخص هذه التقنية في أنه يحكي عن تفاصيل الجلسة، بدايةً، بلغة الراوي السارد، ثم ينتقل فجأة ليكمل الحديث بلسان حال العاشقين.

السارد يصف عملية الالتحام بجملة أولى تتألف من كلمتين فقط: (عَيْنيْهُنْ بِبَعضُنْ)، ثم ينتقل إلى الإيحاء فيقول (إيْدَيْهُنْ بِرْدانين)، مما يعني أنهما يحاولان إدفاء الأيدي بتشابك الأصابع. وأما الشفاه فلهما شأن مستقل عن العاشقين نفسيهما، ينطبق عليها الوصف التالي: (وِشْفافُن عِشّاق مع بَعْضُنْ سِهْرانين).
ومع اكتمال الالتحام ينتقل الكلام إلى العاشقين، فيقول لسان حالهما: (وِاْمْرِقي يا سْنين- وِاْتْلِجي يا سْنين- خَلّي بْواب الليل عْلينا مْسَكَّرين- آآآ وَلا يِعْطَشْ حَدا مِنّا وَلا يْجـوع).

إنني، أنا أخاكم كاتبَ هذا المقرأ، مولعٌ بالطرب العربي الأصيل منذ نعومة أظافري، وكثيراً ما توقفت عند كلمات الأغاني التي يغنيها عمالقة الغناء الكبار، ويكاد يكون لديَّ إلمامٌ في طرائق تأليف الأغاني، والتقنيات التي يستخدمها شعراء الأغاني، والقوافي التي يختارونها لأغنياتهم، وهي، في الأغلب، قوافٍ سهلةٌ، سلسة.

وهأنذا أعلن، هنا، في هذا المقرأ، أنني لم تمر بي، قبل هذا قافية شبيهة بقافية المقطع الأخير من قصيدة (بليل وشتي).. التي تنتهي بالمقطع (تُنْ).

إليكم نص المقطع:


بـِلـَون الِـفـْـراق

اْلْلـِّي بْآخِرْ قِصِّـتُـنْ

عَ خْـيـوط الشِّـتـي   مَـكْـتوبِة سَهْـرِتُـن
وْمَاْ بَيـْنْ بـَوسِتُـن

ع الشَّمـْع،  وْآهِـتُن

كِلّ ماْ تْذَكَّروا هَالباب،    بْتِـنْـزل دَمْعِتـُُـن
آه الـْ مِنْ جَمْرِتــا

قـلـبـُـن

مَوْجـُـــــوع

 

والآن تعالوا نتناقش معاً في هذه الكلمات. وأنا أيضاً أسأل: ما هو لون الفراق بشكل عام؟ ولون الفراق الذي يأتي في (آخر قصتهم) على وجه التخصيص؟ وكيف تكون سهرتهما مكتوبة على خيوط الشتي، أي: على خيوط المطر؟

إن الإجابة ستبقى معلقة في الغموض المحبَّب للشعر الحديث، ولا سيما حينما يكون الشاعر مبدعاً كجوزيف حرب. وهو هنا يحدِّد لنا قطبين سيجري بينهما حدث عظيم. القطبان هما: بوسة العاشقين على ضوء الشموع، وآهتهما.

بين هذين القطبين، حينما يتذكر العاشقان باب الفراق، أو باب الليل، تنزل دمعتهما.. وأية دمعة؟ إنها الدمعة التي جعلت قلبهما (وهو قلب واحد لعاشقين) موجوعاً.

هل وافقتموني الرأي، أعزائي القراء، على أن هذه القصيدة، هي واحدة من القمم ضمن سياق الظاهرة الفيروزية؟.

أنا وفيروز والزمن طويل (1) - بتشوف

أنا وفيروز والزمن طويل (2) – أنا وْسِهْرانِة

أنا وفيروز والزمن طويل (3) – جلنــار

أنا وفيروز والزمن طويل (4) – يارا

 

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.