3

:: خليل أبو رجيلي.. حكايات أبعد من السياسة ::

   
 

التاريخ : 19/07/2010

الكاتب : جوزف أبي ضاهر   عدد القراءات : 1705

 


  

 

 

جلس ليحكم بالعدل من أجل حقٍ، وحكم، وما قال بغير ذلك. وأمّا الخاص، فأبقاه إلى وقته، مدركًا أن للذات آراء في الحياة وأمورها، تعبّر عنها، وقد تكوّنت من عِلمٍ وخبرة وتجربة، هي في تكدّس وفر الغلال بعد المواسم، كتاب بيدر يُفتح على شهيّات المعارف والثقافات.

***

في الثقافات تندرج السياسة، وتُعطى لها تفسيرات كثيرة، أضعفها أنها «فن الممكن»، وأشدها وضوحًا حسب ماكيافيلي: «أن أربح النّاس سهمًا في الحياة، أقدرهم على اصطناع المَلَق، وتلوين الوجه»... وعن «الممكن... والأربح» ابتعد القاضي المتقاعد خليل أبو رجيلي في «حكايات سياسية» التي جمعها في كتاب أنيق المظهر، غنيّ المضمون في شعرٍ راقٍ، وما يشبهه من جمال نثر بلغة راسين.

فكرة الكتاب أوضحها المؤلف: جاءت من غير تصميم، وليدة مصادفة وأحداث تعود إلى سنوات الحرب، التي قسمت النّاس بين منخرط فيها، ورافض، قرّر دخول «تجربة الكتابة».

في هذه المرحلة ظهر «أدباء حرب» و«أدباء ملاجئ» وأعطي للتأريخ نبض العاطفة والانفعال والاصطفافات.

خليل أبو رجيلي حاول الكتابة، دخل في «تجربتها»، وكانت فكرة أولى بأن يكتب ملحمة عن الحرب اللبنانيّة، ولدقته ورصانته، تهيب الأمر: «إنه مجازفة تليق بهوميروس» (...) ثم توقف عن الكتابة بعد سقوط بلدة الدامور، مدركًا «أن ما يجري هو لعبة القادرين الكبار».

حين صمت المدفع، أو أصمت، عاد إلى أوراقه ليتابع، قدر المستطاع، متخذًا من الحكايات عِبَرًا، ومبتعدًا، في الأسلوب والصياغة، عن تقليد كبير في الأدب الفرنسي صاغ حكياته على ألسنة الحيوانات، لينفذ إلى أعماق الإنسان. لم  يتشبه بجان دو لافونتين، ولو اقترب منه جزء شكليّ من العنوان، وجاء ما كتبه صرخة... نقمة، حتّى الغضب، والغضب في سبيل انقاذ شعب ووطن، يوصف بالمقدّس، لأنه في صَلب كرامة الإنسان والأرض. وأما استعماله كلمة سياسة، في العنوان والمضمون، فتأتي، كما يقول في تمهيده بمعناها الواسع، إذ يبدو «أن قسمًا كبيرًا من المآسي الوطنية تأتي من الذهنيّة السياسيّة الحاكمة».

يضيف: «... ولا يمكن اليوم أن نبقى غير مبالين بالسياسة، أو بمن يحكم، أو يدير البلاد، فمستقبل هذه البلاد وشعبها بين أيديهم».

ويتساءل: «لماذا اليوم وليس لاحقًا؟ لأن بعد انتقالي إلى التقاعد وجدت نفسي أمام عدد كبير من «المسودّات»، وبتشجيع من بعض الأصحاب، اتخذت الخطوة الأصعب، فعملت على تنسيق هذه المسودّات، وتنقيحها، وأُعدت لترى النور».

***

بعد هذا التمهيد للكتاب الصادر حديثًا، كتب الدبلوماسي العريق السفير فؤاد الترك كلمةً ـ رأيًا، وفيها: «أن الكاتب أبحر في حكاياته معتمدًا الليونة في سرد لطيف، لتصل رسالته إلى«الكل»، وبخاصة الحكّام. كما اختار العناوين والمواضيع التي تحرّك حشريّة المتلقّي، معالجًا، في قصصه القصيرة بشيء من الروحانيّة والغرابة: الحريّة، العدل، الإيمان، الحكمة، السلام، السعادة وحقوق الإنسان... وجاء كل ذلك في الحكايات القصائد المنظومة باستثناء اثنتين... وأضاف إلى معرفتنا به حقوقيًا شهيرًا، صفة الشاعر الخلاّق. ويكون بذلك ترك قصر العدل، بعد نجاحات، ليدخل إلى بانتيون الشعر».

***

«حكايات سياسيّة» وربما هي أكثر من التحديد، لأن الصور المنتقاة بشفافيّة ظاهرة، تحرّك الأحلام، وتفتح أبوابًا، تغري الداخل إليها، بالتأمل في ذاته، وحضوره وكيانه، قبل التطلّع إلى ما حصل، ويحصل، في وطن وضع النتائج في أيدي الصغار قبل الكبار، وبعض هذا النتائج كان حارقًا... حتّى الرماد.

صحيح أن خليل أبو رجيلي بدأ الكتابة في زمن الحرب، لكنه، وحسب كتابه الأول، كان قبل الظروف والأحداث والمسببات، يخبئ في داخله كاتبًا وشاعرًا ورائيًا، يعرف تمام المعرفة، من أين يبدأ وإلى أين سيصل في حكايات، هي أبعد بكثير من السياسة، وأعمق.

 

* حكايات سياسية، كتاب باللغة الفرنسية للقاضي المتقاعد خليل أبو رجيلي، تنفيذ رنا أبو رجيلي، 110 صفحات من القطع الوسط.

 

 

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.