3

:: العجرفة والغطرسة حين تصير سياسة دولة!! ::

   
 

التاريخ : 07/06/2010

الكاتب : نبيــل عــودة   عدد القراءات : 1885

 


  

 

 

"المغفلون السبعة" هكذا وصف وزير المعارف السابق، وزعيم حزب ميرتس سابقا، يوسي سريد، المجلس الوزاري المصغر المشكل من سبعة وزراء المسؤولين عن كل الخطوات الأستراتيجية الجوهرية التي تقرها إسرائيل.

الصحافة الإسرائيلية امتلأت بنقد غير مسبوق لتصرف حكومة نتنياهو براك ليبرمان بخصوص قافلة سفن الحرية. هذه التصرفات التي جعلت إسرائيل تحت "كارثة" هجوم إعلامي دولي ومحلي غير مسبوقة، كما وصفها أحد الوزراء الرئيسيين في الحكومة.

لا يمكن الاستهتار بنتائج تصرفات "مجلس السبعة" على أمن دول البحر الأبيض والشرق الأوسط خاصة وإسقاطاتها المتوقعة على سائر دول العالم لاحقاً. حكومة تتصرف مثل القراصنة الصوماليين!!

 لم يكن الموضوع أمن إسرائيل، بل أجمع المراقبون ان أمن إسرائيل تعرض لخطر غير مسبوق من مجلس "المغفلين السبعة" وانه يجب الإطاحة بهم فوراً. بل وهناك تلميحات الى ان حياة هذه الحكومة باتت قصيرة.

النقاش حول إقامة لجنة تحقيق إسرائيلية فضح مخاوف براك ونتنياهو من نتائج مثل هذه اللجنة، لدرجة انهم يقبلون لجنة تحقيق بمبادرة أمريكية اكثر من لجنة تحقيق إسرائيلية او من الأمم المتحدة. والخوف ان توصي لجنة التحقيق الإسرائيلية، إذا إقيمت على غرار لجنة أغرانات، ان توصي بتنحية رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع براك المسؤولين المباشرين عن القرار وشكل تنفيذه والتجاوزات الواضحة للقانون الدولي وتعريض أمن الجنود للخطر بدون داع، وما سبب ذلك من نتائج عرضت أمن إسرائيل للخطر، بشكل غير مسبوق، وكشفت الوجه الإسرائيلي البشع، الذي يعرفة الفلسطينيون جيدا، وها هو اليوم ينكشف أمام العالم ويقود الى انعزال سياسي كامل، وادانة دولية واسعة ستكون لها إسقاطات خطيرة عل مجمل الشرعية الإسرائيلية، ومن نتائجها الواضحة الضربة الكبرى لإسرائيل بالتحول في الموقف التركي، هذه الدولة الشرق اوسطية الإسلامية الكبيرة التي تملك قوة لا يستهان بها، من صديقة متعاونة مع إسرائيل وزبون جيد لدى إسرائيل، الى دولة تتحول الى رأس حربة معادٍ لإسرائيل، مما يزيد خناق العزلة الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وفي اوروبا أيضا، حيث ان تركيا عضو بحلف الأطلسي ولهذا الأمر إسقاطات لم تؤخذ بالحساب في التخطيط والتنفيذ الغبي ضد قافلة سفن الحرية.

لا أعرف الى أي مدى سيذهب الأتراك، ولكن كرامتهم هدرت هذه المرة بشكل قاس جداً، يتجاوز الإهانة التي وجهت للدولة التركية عبر سفيرها السابق في إسرائيل. ومع ذلك لا أنصح أحداً بالعوم على شبر ماء تركي رغم كل التصريحات المشجعة. ان سياسة إسرائيل، باعتراف الكثير من المحللين الإسرائيليين دفعت تركيا الى تعميق علاقاتها مع سوريا وإيران، وهذا يشكل ابتعادا تركيا عن المحور الإسرائيلي الأمريكي. ايضا تورط "مجلس السبعة" بالهجوم على قافلة سفن الحرية وما جرّه ذلك من حملة إعلامية غير مسبوقة بعدائها لإسرائيل وسياساتها، دفع الى المؤخرة تماماً الموضوع النووي الإيراني التي تضغط إسرائيل بشأنه على الولايات المتحدة والمجموعة الاوروبية من أجل اتخاذ خطوات سريعة ضد إيران قبل ان يصبح الوقت متأخراً. من ينصت اليوم للقلق الإسرائيلي بعد هذا التصرف الدموي الأخرق؟ وبالتأكيد إيران هي الأكثر ربحا من سياسة "المغفلين السبعة". سياسة: "ما لا يتحقق بالقوة، يتحقق بالمزيد من القوة والغطرسة والعنجهية".

بالطبع انا لا أكتب قلقاً على سلطة عنصرية ترتكب حماقات ليست جديدة على شعبنا الفلسطيني داخل إسرائيل او في المناطق المحتلة عام 1967. اليوم بدأت تنكشف للعالم العقلية المغامرة، لم يكشفها الإعلام العربي ولا السياسات العربية، بل العقلية القومية الفاشية المتغطرسة التي توجه سياسات إسرائيل بكل ما يخص بالشعب الفلسطيني.

ما دفعني للكتابة، ليس لتكرار آخر لما كُرِّر مئات المرات في ما نشر وينشر في الإعلام العربي خاصة. انما بهدف توضيح العقلية المريضة التي باتت تسود سياسات إسرائيل المغامرة، التي أصبحت تشكل قلقاً عميقاً حتى في أوساط صهيونية داخل إسرائيل.

صحيفة هآرتس كانت الأبرز والأكثر توازناً سياسياً في فهم ان ما قامت به إسرائيل هو تجاوز لكل القانون الدولي وللمنطق الأمني الذي تدعي هذه الحكومة انه على رأس سلم أولوياتها. وسخرت من قرارات مجلس الوزراء المصغر، "المغفلين السبعة" كما وصفهم يوسي سريد. ودعت على لسان محررها السياسي "الوف بن" من الساعة الأولى، الى إقامة لجنة تحقيق فوراً. الخوف من هذه اللجنة ان تقرر عزل المسؤولين عن قرار مهاجمة أسطول الحرية وتوريط الدولة بفخ لن تخرج منه كما كانت، بل ستظل في الضمير الإنساني دولة متغطرسة فاقدة للمنطق الإنساني. ولن تستعيد مكانتها السياسية والثقة العمياء التي كانت تحظى بها في أوساط دولية واسعة. قرار "المغفلين" لم يخدم أمنها بل جعل الحجج الإسرائيلية مرفوضة تماماً ولا رغبة لدول تحترم نفسها في سماعها.

 انتصرت القوة العمياء الغبية، ولكن الخسارة السياسية كانت رهيبة وكارثية كما وصفها وزراء في الحكومة وعلى رأسهم بن اليعيزر. والمكسب السياسي لحكومة حماس كان عظيماً، إعطاها شرعية كانت تحاول إسرائيل ان تحطمها. هل هذا ما أراده مجلس الوزراء المصغر؟

هذا ما إرادة الفلسطينيون وكل العرب وكل المتضامنين مع النضال الفلسطيني العادل. ربما يجب ان نكتب مقالات إشادة بالمجلس المغفل وان يواصل سياسته بقوة وعزم... يكفيه خسارة تركيا، القوة الشرق أوسطية العظمى، وكسبها الى جانب الحق الفلسطيني.

لست في اتجاه كتابة عن الحدث وتحليلاته. او التعبير عن غضبي من سياسة إرهاب الدولة. انما ارى واجبي الكشف عن الفساد السياسي والأخلاقي الذي بات يشكل واقعاً إسرائيلياً، يجب معرفة التعامل معه سياسياً وبحذر وفهم مركباته.

قبل سنة تقريباً استمعت لمحاضرة لرئيس الكنيست الأسبق، ابراهام بورغ، وهو احد الشخصيات السياسية الأكثر عقلانية في إسرائيل، والبارز في نضاله منذ شبابه الباكر ضد الحرب والاحتلال، وهو ابن شخصية مؤسسة للدولة ووزير داخلية وشرطة خلال سنوات طويلة وأعني يوسف بورغ زعيم حزب المفدال سابقاً (حزب المتدينين القوميين).

قال أبراهام بورغ أموراً بالغة الخطورة والجرأة في محاضرته، ويبدو انه كان يتنبأ بالحضيض الذي وصلته إسرائيل مع "المغفلين السبعة" والأصح مع حكومة مغفلين عنصرية غير مسبوقة.

قال رئيس الكنيست الأسبق في تلك المحاضرة التي سجلت رؤوس أقلام منها: "ان إسرائيل ما تزال تعيش على رؤية شعب بلا أرض يريد أرضا بلا شعب" وهي لا ترى الآخر وتحاول تجاوزه بمناورات مختلفة بخلاف الواقع على الأرض "..." إسرائيل ما زالت عالقة بالماضي، وتؤسّس علاقاتها مع الآخر على خوف الإسرائيليين من بيئتهم وكأنهم في اوروبا القرن التاسع عشر".

وانتقد بورغ رئيس الحكومة نتنياهو ورؤساء الحكومات السابقين، رابين شارون واولمرت واصفاً ان استراتيجيتهم كانت خاطئة. منبها لوجود آلام فلسطينية حقيقية تتحمل الصهيونية مسؤولية بعضها وينبغي عدم التنكر لها. واتهم سياسات إسرائيل بانها:" تستغل الصدمة اليهودية من أجل حاجات سياسية، وسياسة إسرائيل اليوم هي خيانة للذاكرة الجماعية اليهودية ولوعدهم أنفسهم بالتعامل مع الآخر بما يختلف عن المعاملات التي لاقوها".

وقال: "ان إسرائيل يجب ان تكون دولة كل مواطنيها، ومن غير المعقول ان تهزم صبغتها اليهودية صفتها الدمقراطية". وانتقد بحدة سيطرة الفاشية والقومية المتطرفة على إسرائيل، وقال: "ينبغي منع احتكار الصدمة (الكارثة اليهودية) وعبرتي من الكارثة ان نعمل على عدم تكرارها لا على اليهود ولا على الآخرين ان كان في إسرائيل او دارفور".

وقال: "لا بأس من نشر غسيلنا الوسخ، فبدون ذلك لا يتم الغسيل ونتعرض لحالة من النتانة والرائحة الكريهة".

وانتقد انتشار صناعة الكذب الإسرائيلية، وان: "كل شيء جميل ومزدهر، وان هذا لا يحجب الحقيقة بأن 30% من تجار السلاح في العالم هم يهود و 10% منهم إسرائيليون وهذا جزء من عمل الشيطان".

وقال: "ليس هناك طائرة مقاتلة تستطيع الانتصار على الثقة والاحترام والاعتراف بالآخر، محذراً من العجرفة والغطرسة الإسرائيلية التي قادت إسرائيل الى المحاولات الفاشلة في اخضاع لبنان وغزة"... وبالطبع تواصلت بفقدان القدرة على التقييم السياسي البسيط، مع قافلة سفن الحرية.

وانهى محاضرته بقولة: "ان العجيبة التي شهدتها الكارثة لا تكمن في نجاة جزء من اليهود بل بوجود أوساط إنسانية في الطرف الآخر ساهمت بانقاذهم وإنقاذ الكرامة الإنسانية"، وتساءل: "هل لدينا مثل هذه الأوساط في تعاملنا مع الفلسطينيين في نابلس او سخنين؟"... او في رام الله وغزة؟!

 

بورغ ليس مجرد صوت آخر.. هو الشخصية السياسية الاجتماعية الدينية والإنسانية التي يتوقع ان يعود للسياسة من موقع قوة قد توصله لرئاسة الحكومة.

بورغ قدم أفضل شهادة لواقع الغسيل الوسخ، ليس لمجلس "المغفلين السبعة" فقط، انما لكل الفكر الصهيوني المهيمن على جهاز السلطة والقرار في إسرائيل.

وكان بورغ قد اصدر قبل سنوات قليلة كتاباً مثيراً أثار ضجة إعلامية في إسرائيل، عنوانه (لننتصر على هتلر) جاء فيه:

"إسرائيل، الثورية الفتية المليئة بالحياة، تحولت الى متحدثة باسم الأموات، دولة تتحدث باسم كل أولئك غير الموجودين، أكثر مما تتحدث باسم كل أولئك الموجودين. واذا كان هذا لا يكفي، الحرب حولتنا، بدون إرادتنا، من ظاهرة شاذة، لنصبح قاعدة الشواذ نفسه. طريقة حياتنا قتالية. مع الجميع. مع الأصدقاء ومع الأعداء. قتال مع الخارج وقتال مع الداخل، يمكن القول، ليس بتوسع أو بشكل مجازي، انما بحزن وثقة، ان الإسرائيلي يفهم فقط...القوة ".

وأضاف: "شوّهنا التوراة وشوّهنا مفاهيمنا ولم نعد قادرين نحن أنفسنا على فهم أي شيء آخر عدا لغة القوة. حتى على مستوى علاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الإنسان بصديقه، وعلاقة الدولة بمواطنيها، وعلاقة القادة ببعضهم البعض. ان الدولة التي تعيش على حرابها، والتي تسجد لأمواتها، نهايتها، كما يبدو، ان تعيش بحالة طوارئ دائمة، لأن وجهة نظرها أن الجميع نازيون، كلهم ألمان، كلهم عرب، كلهم يكرهوننا، والعالم، بطبيعته، كان دائما ضدنا...".

 

أجل.. هذا هي الحقيقة المجردة!!

 

نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.