3

:: نعيم ضومط في معرضه الأخير - حضور مستقلّ للفن الراقي ::

   
 

التاريخ : 27/11/2009

الكاتب : جوزف أبي ضاهر   عدد القراءات : 1671

 


  

نعيم ضومط في معرضه الأخير

حضور مستقلّ للفن الراقي

جوزف أبي ضاهر

 

 

بين ريشته وإزميله، يقف الشكل على حيرة: الى من ينحاز؟ وهو، مع الاثنين يحقق الحضور القوي المستقلّ عن التسميات، وانتماءات التقسيم في التشكيل. فقط يلوذ بالحياة، والحياة ركن الأساس للفن الراقي.

 

دفء ريشته وطواعيتها، لا يأخذا من خصائص الإزميل ما امتاز به... يتكاملان، ربما، بل يكملان شخصيّة هذا الفنان القادر على التعاطي مع كل المواد بحرّية، تسقط كل المحرمات، وتفسح المجال واسعًا أمام المتلقّي.

***

 

شخصيّة نعيم ضومط الإنسان، غير انفعاليّة، هادئة، وعلى تواضع السنابل، لكن شخصيّته الفنيّة بركانيّة، تشتعل في الأعصاب قبل أن تسمح للهبها أن يصبح طيّعًا بين الأصابع، إذا حملت قلمًا أو فرشاة، أو إذا أمسكت اليد إزميلاً مسنونًا، لَهِفًا الى الولادات.

 

 

 

 

وأما الولادات، فحدّث عنها بغيرة العاشق، لا بغيرة الحاسد، وهي كما الصباحات تتوّج الأيام، والأيام تمرّ، وتضاف الى محترف الفنان «جمهرة» من الأعمال، تنتظر ناظرًا ومعجبًا، وممتلكًا يضمها الى لهفته، قبل أن تصير في بيته، متصدّرةً وموحية.

***

 

يعرف الفنان نعيم ضومط، حق المعرفة، أن ريشته تنطق بالضوء، وأن إزميله يصنع ظلاً بين مسام الخشب، أو يرخيه وشاحًا على الحجر أو البرونز.

في الكل، خرج على الشكل المباشر، تخطّاه، وحوّله شارات ترمز، توحي، وتفتح الآفاق أمام العين لسفرٍ يشارك العقل فيه المخيّلة، لاكتشاف ما وراء الواقع من عوالم حسيّة.

 

 

تأتي صياغة اللوحة معه، أو المنحوتة، من نضارة تستثمر الخبرة والمرونة، في ثقة وجرأة، ليتم الاختصار من الشكل لا من المعنى، من الخارج لا من الداخل، من اللاوعي لا من الوعي.

تشكيل ينتمي إليه أولاً، قبل أن يلتقي مع تجارب غيره من فناني جيله، وصولاً الى طلاب له أثّر فيهم، واستلهموه.

التواصل عنده، بين قديمه والجديد، لا ينقطع، ولا يعترف بإلغاء، علمًا أن الأفكار تتغير وتتبدّل، وقد زاد واختصر، وعدّل، وظلّت ملامح يده مثل وشم على لوحاته ومنحوتاته، وتشكّل هويّته، وبها يُعرف، حتى ولو نسي أن يوقعها.

***

 

حبّه للإنسان، بل معرفته للقيم التي يمثل، ومن يمثل، شكّلا منفذًا الى مواضيع شائقة ومتنوعة، للجسد الذي أعطاه حرّيته في الظهور كاملاً، أو ظلاً، أو رقشات، وبعض خيال ينساب في خطوط تأتمر بالمزاج والأهواء من غير اضطراب.

... ومن خلال حبّه ومعرفته للإنسان برزت رؤيته للكون والفنون، وهي رؤية روحيّة إيمائيّة ثابتة، تترابط بعضها ببعض، وتتداخل، مشكّلةً الجوهر، وقد عرف نعيم ضومط، كيف يحافظ عليه، وينمّيه، ويحميه من هوس الزمن، والبريق الزائف، الطالع من كل الأمكنة لمعًا تُبهر، ولا تثمر.

***

 

أشكاله المصنوعة من تأليفات شرقيّة (رسمًا ونحتًا) تولّد حالة أمام الناظر إليها، للوهلة الأولى، الى أن تصبح بعض ذاته، فيرتاح، ويحاورها، ويحادثها، وقد لا يستطيع أن يكتم أمامها حبّه ورغباته.

ارتكز الفنان الى المحسوس، ولم يستسلم له في الريشة والقلم والألوان، وفي الأبيض والأسود، وكما في الإزميل الرشيق خالق القامات في طواعيّة هي من الصفات الأبرز في تعامله مع المادة، أي مادة.

برع في خطوطه، وفي إظهار عارياته، وعلى أجسادهن مناديل نور مطرّزةٍ بالحنين. وإذا راح الى أبعد، فتح آفاقًا ووسّع لفضاء، وترك للأحاسيس المرهفة أن تنطلق على هواها، لتبلغ الفاتن في البصر، والممهد للتأمل، وقراءة تموّجات الجمال.

***

 

تقنيّة نعيم ضومط عفويّة على ثقافة عالية، بعيدًا من التصنّع والصنعة، أو الحرفة، توضح قدرته وقوته بالبسيط والسخي في آن، وعبر جمال لغته توقظ المشاعر على حركة توازن بين الخط واللون والشكل والجسد لحضور رومنسي غير مفرط، وعقلاني ليّن، يؤسس دائمًا على الثوابت.

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.