3

:: الشرق الأوسط، لم تأت ساعته بعد ::

   
 

التاريخ : 28/08/2017

الكاتب : نبيل عودة   عدد القراءات : 1839

 


 

واقع الشرق الأوسط لا يبشّر بأي تحوّل ايجابي... الدمار مرعب، مصير الانسان العربي لا يبشّر بأي تغيير لتحوّل ايجابي نحو مستقبل آمن، حتى بعد الخلاص الذي نحلم به من الفكر الارهابي لا أرى اننا مقبلون على تحوّل مطمئن.

انا لا أتهم داعش فقط، بل اولا أتهم النظام العربي الفاسد، القبلي والعائلي والديني.. حتى لو تلفّع من رأسه الى أخمص قدميه بشعارات قومية وتحررية واشتراكية وعدالة وديموقراطية ودينية عقلانية، لكن لا شيءَ منها ملموسًا في الواقع العربي... ولا تحركًا عربيًا ملموسًا ومؤثرًا لشلّ أيادٍ وخُطط غير نظيفة تنفَّذ بدعم أنظمة غربية وعربية وغير عربية من الشرق الأوسط.. منها إسرائيل وتركيا وغيرهما.. 

مجتمع تتحكّم بعقوله الفتاوى دون رقابة جادّة من مؤسسات دينية، هو مجتمع مهزوم بفكره، بوعيه وبنظامه.. ولا يحسب له حساب في المجتمعات البشرية.

السجون العربية اكتظّت بالمناضلين الشرفاء من سياسيين ومثقفين وفنانين وكل منتقد ولو كان انتقاده هامشيًا لأنظمة الحكم العربية.. والظاهرة المؤلمة ان أبرز المثقفين العرب يعملون وينشطون في المهجر.. وأكثر من ذلك، حتى أهم المواقع الألكترونية العربية هي مواقع تنشط من الدول الغربية، من اوروبا وامريكا وأستراليا.. والويل لك اذا كتبتَ مجرّد قصة فيها ذكر لما يسمونه الذات الالهية دون ان تسجد اولا وتقرأ الفاتحة او بسم الآب والآبن والروح القدس.. ويجب سلفا ان تكون متديّنا متعصّبا والا تُتّهم بالكفر والإلحاد والانحراف والفجور والخيانة الوطنية.. وهم بربّي لا يدرون ما هو الكفر وما هو الايمان وما هو المنطق وما هي الثقافة وما هو الفكر وما هي العلوم وما هو التعليم الضروري للأجيال الناشئة..

حتى الجامعات العربية لم يشملها تدريج الجامعات الأبرز في العالم (سلم شانغهاي) او سجلت في القاع.. اي جامعات تخرّج حملة شهادات لا تنفع للنشاط العلمي والبحثي.. ومن يريد ان يتطور ويرقى علميا وبحثيا لا مفرَّ أمامه الا الهجرة الى "الغرب الكافر".. فهل بالصدفة ان العالم العربي يخسر مئات المليارات من الدولارات بسبب هجرة العقول العربية؟ هل أقلق واقع هجرة العقول الدول؟

مثلا: تنفق إسرائيل (وأخذتها نموذجا لأنها تشكل التحدّي الأعظم للعالم العربي) ما مقداره 4.7% من انتاجها القومي على البحث العلمي، وهذا يمثل أعلى نسبة إنفاق في العالم، بينما تنفق الدول العربية ما مقداره 0.2% من دخلها القومي والدول العربية في آسيا تنفق فقط 0.1% من دخلها القومي على البحث العلمي. لذا نحن امام عملية تفريغ العالم العربي من العقول.. التي تبحث عن مجال عمل يلائم تخصصاتها العلمية. حتى جائزة نوبل لأول عالم عربي (أحمد زويل) مُنحت له بسبب أبحاثه في الولايات المتحدة.

لا اعرف ماذا سيخسر العالم اذا احترق الشرق الأوسط بكل أفكاره المختلّة والسائدة حتى لدى قوى نعتبرها عقلانية.. لكن عقلانيتها هي نسبية مع التيارات التي تدمّر الشرق الأوسط والانسان والمستقبل متلفّعة زورا بالدين، حتى اسرائيل العلمانية اجتماعيا وفكريا تحكمها اليوم عصابة داعشية في فكرها ستقودها الى نفس المصير الانتحاري اذا لم يحدث انقلاب سياسي يعيد العقلانية الاجتماعية ولا اقول السياسية رغم وجود علاقة اندماجية بين الاقتصاد والمجتمع والفكر.. لكن هذه العقلانية السياسية قد تبدأ بالعودة اذا سقطت "دولة نتنياهو، بينيت وليبرمان" وتبدأ العودة الى المنطق الذي تبنته حكومة رابين قبل مقتله، الذي رأى خطر الاستيطان على دولة اسرائيل والمجتمع اليهودي ولم يتردّد ان يصف الاستيطان والمستوطنات والمستوطنين بالسرطان.

 بن غوريون في وقته قال أمرًا هامًا ان الصهيونية كانت منصةً لإقامة دولة اسرائيل ودورها انتهى مع اقامة الدولة.. يجري تجاهل موقفه لأن الصهيونية هي الشر المجسم اليوم في الشرق الأوسط، وربما كل ما يجري لهم به الكثير من الأيادي السوداء.

 ابراهام بورغ اليهودي العقلاني المتديّن، رئيس الكنيست الأسبق، وابن زعيم حزب ديني (المفدال)، انتقد صهيونية هرتسل التي انتصرت على صهيوينة احاد هعام الانسانية وطالب بالعودة الى صهيونية أحاد هعام (هو الكاتب اليهودي الروسي آشر تسفي غينتسبرغ) حسب رؤية أحاد هعام  كما طرحها في مقال له بعنوان "ليست هذه هي الطريق" طرح رؤيته لتغيير ثوري بأسلوب "حركة محبة صهيون"، وقال لن تكون  ارض إسرائيل حلا لمسألة الوجود او الاقتصاد لليهود، وهي ليست قادرة ولن تكون ملجأ إنسانيا بمواجهة مصائب المنفي اليهودي انما عليها ان تكون حلا للمشكلة الروحية والثقافية للشعب اليهودي، وانه لا تكفي ان تكون الدولة اليهودية ملجأ وبيتا قوميا انما عليها ان تكون ذات مضامين روحية تستحق القيام، ان تكون نورا للأغيار (أي غير اليهود) منارة مضيئة للشعوب (أي ليست دولة احتلال كولنيالية عنصرية- نبيل) وقد أسس ما يعرف ب "التيار الصهيوني الروحي" ووقع باسمه "أحاد هعام" ويعني "واحد من الشعب". لكنه هزم امام صهيونية هرتسل.. التي شكلت القاعدة لكل التيارات الصهيونية المركزية السائدة اليوم.. والتي أحيانا من الصعب ايجاد فوارق هامة بين تياراتها.

ما هو مصير الشرق الأوسط بسيطرة فكر ديني متطرف عربيا (ليس داعش فقط بل تيارات رسمية تمثل الأنظمة ايضا) وتنامي تطرف ديني وسياسي وكولنيالي اسرائيليا؟

لا اريد ان افكر بأجوبة على أسئلتي.. لأني على قناعة ان الأسوأ لم يأت بعد!!

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.