3

:: هل نطالب الأزهر بتكفير داعش؟! ::

   
 

التاريخ : 04/03/2017

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1678

 


 

كتبت إحدى الصحفيات في جريدة المصري يوم الاحد 26 فبراير الحالي مقالا بعنوان " تكفير داعش مسألة أمن قومي"! وفيه تناشد الأزهر إصدار فتوي بتكفير داعش ردا على قتل وذبح المصريين المسيحيين في العريش. وانظر الدرجة التي وصل إليها المنطق الفاسد في تلك الدعوة.

وبداية إن كان علينا أن نطالب جهة ما بحماية المسيحيين أو غيرهم من المواطنين فإن علينا أن نطالب الجيش والشرطة – وهي الجهات المسؤولة والقادرة - بتوفير تلك الحماية. ثانيا: تختصر الكاتبة مواجهة تنظيم داعش كظاهرة سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية إرهابية في حدود "تكفير داعش"، بل ويمسي ذلك التكفير عصا سحرية قادرة بلمسة على سحق الإرهاب، وتقول في ذلك: "ألم يحن الحين بعد حتى يصدق الأزهر أن في يده "وحده" الآن العصا السحرية التي تئد الإرهاب في مصر؟". هكذا يصبح بيد الأزهر"وحده" القدرة السحرية على مواجهة داعش بمجرد كلمة من الأزهر يعلن فيها أن "داعش" كافر! ثالثا: تحيل الكاتبة الصراع السياسي مع تنظيم مشبوه خلقته أجهزة المخابرات الغربية من صراع سياسي إلي صراع ديني، وتغدو القضية هي"هل داعش مؤمن أم كافر؟"، على حين أن ذلك السؤال لا يعني شيئا في الصراع مع داعش، إذ أننا مهتمون بدور داعش السياسي في تمزيق البلاد العربية وهدم دولها بغض النظر عما إن كان داعش تنظيما مؤمنا أو كافرا. ترى هل كنا سنقبل بما يقوم به داعش إن كان من المؤمنين؟! تصور الكاتبة المعركة مع داعش بصفتها معركة دينية، ومن ثم يصبح الفيصل فيها تكفير الأعداء، فتموه على حقيقة الصراع السياسي مع فصيل من فصائل الغزو الاستعماري، ذلك أن مواجهة تنظيمات خلقها الغزو الاستعماري لن تتم بتكفير تلك التنظيمات بل بتعرية وظيفة ودور وجوهر تلك المنظمات الاجرامي المعادي لمصالح شعوبنا، وليس بحرف طبيعة الصراع السياسي والوطني معها إلي صراع ديني!

رابعا : تخطئ الكاتبة كثيرا حين تطالب الأزهر بتكفير داعش، لأن التكفير حق إلهي خالص ليس من سلطة البشر أو أي جهة تمثلهم، وراسخ في الدين أن أحكام الكفر والايمان والجنة والنار لله وحده، ومعروف في ذلك المجال ما قاله الرسول (صلعم)  لأسامة بن زيد رضى الله عنه مخاطبا إياه "أفلا شققت عن قلبه؟"، فالتكفير ليس من حق أي جهة بشرية أيا كانت لكي نطالب الأزهر أو غيره بممارسته. والحق أن الذين يطالبون الأزهر "بتكفير" هذا أو ذاك يعترفون للأزهر مجانا بسلطة التكفير ويقرون بصلاحية التكفير مما يسهل استخدام هذا السلاح ضد الآخرين. وقد كان التكفير هو السلاح الذي طعن به نجيب محفوظ وفرج فودة ونصر أبو زيد وغيرهم. والوجه الآخر لمنح الأزهر "حق التكفير" هو أن نقرّ بحقه في منح صكوك الايمان والغفران. والصواب أننا نرفض مبدأ التكفير أصلا، ولا نمنح أحدا أو جهة أيا كانت ذلك الحق، فإذا سمحنا باستخدامه لتكفير خصم أو عدو سيتعين علينا أن نقبل بذلك السلاح حين يجري على أعناقنا. إن صراعنا مع داعش ليس بسبب أن داعش مؤمن أو كافر، بل لأنه تنظيم عميل ينفذ مخططا لتمزيق وحدة الأوطان العربية لصالح اسرائيل. وقد  يرى البعض أن تكفير داعش خطوة مطلوبة طالما أن الجهات الدينية كانت في كل الأحوال تقوم بتفكير هذا الكاتب أو ذاك المفكر. لكن الرد على ذلك المنطق هو أن علينا، وكان علينا، أن نقف ضد تكفير الأدباء والمفكرين حينما استخدم هذا السلاح ضدهم، وكان علينا ومازال علينا أن نقول للجهات الدينية إن التكفير حق إلهي خالص، ولا يجوز لكم تكفير أحد، إما أن نعتمد على خطأ ونطالب بممارسته فنقول اليوم للأزهر: بل إن من حقك أن تكفر، ومن فضلك كفر داعش! فإننا بذلك نمضي بالخطأ وبالجريمة قدما إلي الأمام.

المؤكد أن مثل تلك الكتابات التي لا هدفَ منها سوى لفت الانتباه أو مغازلة الأقباط أو الأزهر، إنما تشوّه جوهر الصراع وحقيقته، وتوسع نطاق المفاهيم الأمريكية الاسرائلية عن الطابع الديني للصراع لحرف الأنظار عن الأبعاد الاستعمارية للصراع. ولا يمكن لمثقف يدعي أن له علاقة بالتنوير أن يقبل بمنح أي جهة حق التكفير، فقد كان ذلك الحق السلاح الذي حاربوا به كل قوى الاستنارة والتقدم طويلا، إلا أن اجتذاب الانتباه لدي البعض أعزّ من أي شيء آخر.

 

د. أحمد الخميسي. كاتب مصري

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.