3

:: طريقُك إلى الآخر (7) – ألخدمة ::

   
 

التاريخ : 29/11/2016

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1443

 


 

       بما أنّ الإنسان "كائنٌ اجتماعيٌّ بطبعه"، يعني أنه لا يحيا إلّا ضمن منظومة، أو مجموعة، يتبادل أفرادُها ما هو أساسٌ للعيش معًا، كما للحياة!

       ألمنظومة منتظِمةٌ. تقوم على أنظمة، على أُسُسٍ، بقواعدَ وأُصولٍ، لكلّ فَرْدٍ فيها دورُه المعلومُ، المُخَطَّط له طِبْقًا لحاجة المنظومةِ. والأدوارُ مُتَساويةٌ وإن مُتباينة. فليس من دورٍ مُهمٍّ أو غير مهمّ أو أقلّ أهمّيّة، طالَما أنّه حلقة في سلسلةٍ متتابعةٍ، غيرِ منقطعة، تُكمِلُ الحلقةُ سابقتَها، وتمهِّدُ للتّالية. هكذا نفهمُ أنّ لكلٍّ دوره، يخدم، بوساطتِه، ومن خلاله، أفرادَ المنظومة، والمنظومةَ، في الوقتِ نفسِه. فكلٌّ "مَخدومٌ"، وكلٌّ "خادِمٌ"، هكذا تنجح "المنظومة". والحياةُ... لتكونَ ناجحة.

       والمجموعةُ خليّةٌ مجتمعةٌ تُجمِعُ على رأيٍ، هدفٍ، طريقٍ، نَهْجٍ... ولكلّ واحدٍ من هذه، سُلوكٌ قد لا يكون موحَّدًا، بل يختلف باختلاف الأشخاص، إذ لكلٍّ طباعُه وشَخصيّتُه واختيارُه وسُلوكُه. وفي المجموعة، كلُّ امرئٍ فردٌ ومجموعةٌ في الوقت عينِه. ما يطالب المرْءُ به، فليقم به، لنفسِه، أوّلا، يكُنْ للمجموعة. ما يتمنّاه لنفسه، عليه أن... يتمنّاه للجميع. وإلّا، فلْيخرج منها وعليها، إذ إنّ لها، هي أيضًا، ما يجذبها، فردًا إلى فرد، بعضها إلى بعض! فيكون الواحد، هنا كذلك، "خادم" الجميع، والجميع "خادم" الواحد!

       وهذا المبدأُ ثابتٌ وضروريّ ولا يُستَغنى عنه. كيف ذلك؟

       إنطلاقًا من هذا التّكامُلِ يتمُّ التَّبادُل، وعلى المستويَين. وفي هذا المجال تنشأُ فضيلةُ الخدمة. فما هي هذه الفضيلةُ، وما يُمَيّزها، وما حُدودُها، وقيمتُها، وتأثيرُها الفرديُّ والجَماعيّ؟

       ألفضيلةُ ميزةٌ مُثْلى ينماز بها إنسانٌ من غيرِه، وغالبًا ما فطريّةً تكون، ولذلك لا كبيرَ فَضْلٍ لصاحبها. فهي أُعطيةٌ يُعطاها، فتكون طبيعةً من طبائعه، ينطلق، منها وبها، يحقّقها لذاته في سبيل الآخرين. وهو لا ينتبه لعمله الغَيريِّ، ولا يشعر بأنّه يُعطي مَن تلزمه أُعطيةٌ ما، مُحَدَّدة، ذلك أنّه يعتبر عملَه هذا فَيْضَ الذّات على الآخر، أي أنّه لا يُمكنُ له إلّا أن تتحقّق طبيعتُه من خلال الخدمةِ هذه. بها يسيرُ نحو كمالِه، وهو إحدى غاياتِه الّتي تقودُ به نحو السّعادة.          

       وهي مَوهِبةٌ يوهَبُها الإنسانُ المُستحِقُّ. ألمستحِقُّ!؟ يكون كذلك مَن يمارسُها بعفويّة ومن دون انتباهٍ. يتمّ الأمرُ، حين المَرْءُ لا يخدم غير مفكّر في كونه يُسْدي، أو يؤدّي خِدمةً؛ في كونه لا ينتظر

مُبادَلةً. أوَ تفترضُ الدّيمةُ مُبادَلةً حين تُمطر، فتروي الينابيعَ والحقول والسّهول والأشجار وكلَّ ما في الطّبيعة!؟ أو، هل تنتظر الشّمسُ شُكْرًا حين هي تُشرِق فتُنير، أو تُدفئُ، أو تمدّ بالصّحّةَ!؟ ومَن كانت فضيلةُ الخدمة لديه موهبةً، امتدّ على الأزمنةِ رافعَ الرّأس، شامِخا، كريمًا، أصيلًا، نبيلا!

       إذًا، فمَن حوّل أُعطيةَ فضيلة الخدمةِ إلى طبيعة في شخصيّته، كمَن كانت هذه الفضيلةُ موهِبةً لديه.

       وأنتَ، في تَعاطيك اليوميّ، كم تجد في هذا "التَّعاطي" من "تَبادُل"؟ أو أنّك، وعلى الأرجح، لم يأتِ على فكرك مثلُ هذَيْن التّساؤل والسّؤال!

       إن كنتَ على هذي الحال، فإمّا أنتَ مِثاليٌّ تعيش/تحيا نِعمةَ فضيلةِ الخدمة وكأنّها صفةٌ من صفات شخصيّتِك تمارسُها كما تتنفّس لتحيا؛ وإمّا أنتَ بعيدٌ، البُعْدَ كلَّه، من هذه الفضيلة الإنسانيّةِ السّاميةِ الّتي تُرسِّخُك في الطريق الآخذِ فيكَ، درجة درجة، مرحلة مرحلة، نحو الرُّقيّ المُمَيِّزِ بين إنسانٍ وإنسانٍ، ولا عُنصُريّة.

       لا شكّ في أنّ "فضيلةَ" الخدمة ترتفع بمَن يتّصف بها، أو يتخلّق، خُصوصًا أنّ القولَ الأثير: "والكبيرُ فيكم،(بمعنى المتقدّم) فلْيكن لكم خادمًا!" قولٌ منطقيٌّ، صائبٌ، سليم، يجذب العُقَلاءَ، يجمعهم، يوحّدهم!

       أخدم! أخدم! ولا تحاسب! أخدم ولا تنتظر مُبادَلة! أخدم مجّانًا، المجّانيّةُ تسامٍ وَرعٌ متواضع، صلاةٌ مضيئةٌ هادية!

       هكذا تكون فضيلة الخِدمة إحدى طُرُقِك الأقصر إلى الآخر، وتكون، تاليًا، أدنى ما يُمكنُ إلى المِثال!

        أخدمْ. تتنفّس. تحيَ. فحياتُك كريمة!

 

ألأربعاء 1 حزيران 2016

elie.khalil@hotmail.com

www.eliemarounkhalil.com

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.