3

:: من وصايا أبي (6) - ألفرح الفرح يسمو بك! ::

   
 

التاريخ : 30/07/2016

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1578

 


 

 

 

       سألتُ أبي، الخوري مارون، ذاتَ غروبٍ أيلوليّ:

       - لا أراك، يا أبي، إلّا ووجهك يرتدي الفرحَ! كيف تستطيع!؟ ما سِرُّك في هذا!؟ 

       - بل كيف لا أستطيعُ، يا لَلّوس!؟

       - هل الأمرُ على هذه البَساطة!؟

       - طبعًا، يا بني! طالما أنّ الأمرَ طَبْعٌ فيك!

       - على الرّغم من الورق الأصفر المتساقط يهترئ...

       - يأتي الرّبيع فتورق الأشجار وتُزهِر الطّبيعة!

       - وعلى الرّغم من المآسي!؟

       - لماذا تعتبرُها مآسيَ؟

       - وما تكون الشُّرورُ والأمراضُ والكَذِبُ والحِقد والحسد والبُغض والقتْلُ والسَّرِقةُ وسائرُ الجرائمِ والموبقاتِ والخطايا...!؟

       - هي الحياةُ! وفيها النّواقصُ! وفيها ضعفُ النّاس!

       سكتُّ. أطرقْتُ. حاولتُ أُفكّرُ.

       حدّقَ فيّ أبي. رأى الحَيرة في عينيّ؛ القلقَ على جبيني؛ التّساؤلَ ملء كِياني؛ هزّ رأسَه النّبيلَ، قال:

       - هل قال أحدٌ إنّ الحياةَ كاملةٌ، أو إنّ النّاسَ مِثاليّون!؟ علينا تَقَبُّلُ الواقعِ كما هو. في هذه الحالة لا يغيبُ الفرحُ. تبقى النّفسُ مُشِعّةً، والإشعاعُ ينتقل إلى السِّوى.

       - أفهمُ أنّ الفرحَ عَدوى؟

       - وحالةٌ جَماعيّة! لا يستطيعُ فرْدٌ أن ينجح. وحده يحزن. يكتئب. وقد ييأس.

        سَكَنَهُ الصّمتُ. لكنّه، قبل أن أتهيّأَ للكلام، سألني سؤالًا بدا لي خارجَ الموضوع:

       - هل أنتَ مؤمن؟

       حاولْتُ أجد، أو أتصوّر، علاقةً لسؤاله هذا بموضوع حديثِنا. ما علاقةُ ذا بذاك؟

       وقبل أن تتسنّى ليَ الإجابةُ، سأل من جديد:

       - هل أنتَ، حقًّا، مؤمنٌ!؟

       - بأيّ مفهوم؟

       - هل تشكّ بالله!؟ بالإنسان!؟

       - لا أظنّ! ألله موجودٌ! والإنسان يسعى...

       - إذًا، فأنتَ، حتْمًا، فرِحٌ!

       - وما العلاقةُ بين الإيمانِ والفرح!؟

       - ألإيمانُ فرحُ الرّجاءِ! رجاءُ الفرح! والرّجاءُ أقوى من الأمل، هو لا يَخيب. الأملُ بلى!

       - وغيرُ المؤمن؟

       - يصعب عليه الفرح. غيرُ المؤمنِ لا آفاق ماورائيّة له. يُقفِلُ على نفسه. المُقْفِلُ على نفسه قَرِفٌ من عمره والحياة. ألقَرِفُ كئيبٌ، من أين الفرحُ للكئيب!؟

       - وآمالُه والأحلامُ!؟

       - يابسةٌ منطفئة! أليباسُ موت! والانطفاءُ ظلمةٌ ممتدّة. أي أنّ هذا اليابسة آمالُه والأحلام، لا يحيا! يكتفي بأن يعيش! ألعيش لا يعني الحياة، وأنت تعرف!

       - فكيف يعيش؟

       - ظلامًا بظلام! ألعيش أمرٌ بيولوجيٌّ، مادّيّ، حِسّيٌّ، سطحيٌّ بامتياز! فأين لهذا نفسُه والرّوح، وتاليًا، أين له الرّجاءُ والفرح!؟

       - إنّه لَأمرٌ صعبٌ!

       - ألأرجح: مستحيل!

       - إذًا، فالفَرَحُ نفسيٌّ، روحيٌّ، جَماعيٌّ، يُشير إلى إيمانٍ بالله، بالإنسان!

       - والفَرِحُ مرتاحٌ مع نفسه، وإليها. مطمئنٌّ، ساكنٌ، مُسالِم. يُحِبُّ الجميعَ، ويُحِبُّه الجميعُ!

       - والّذي يعيش، ألا يُمكن له ذلك؟

       - من أين، وهو بلا آفاق!؟ ألعيش محدود بمكان، بزمان، بمادّة. والمكتفي بعيش، مُكتَفٍ بمادّة تؤمّن عيشَه، لا حياتَه! ألمكان يُهدَم ويتهدّم. ألزّمان ينقضي. ألمادّة تتحلَّل.

       - والحياة؟

       - ثوب النّفس والرّوح! وما هو نفسيّ وروحانيٌّ، لا انقِضاءَ له! ففيه الفرحُ والرّجاء!

       كم اكتشفْتُ روعةَ أبي، الخوري مارون، وعبقريّتَه، وبساطتَه الغنيّة! اِنتبهتُ: كم غنيٌّ، أبي! كم يحيا فكرَه! وكم فكرُه حياتُه! أبي حبٌّ وفرحٌ متّحِدان، منسجمان، يمارسان الحياة!

       لا!لا! ما مات أبي، ولن... ألحياةُ لا تموت!

ألأربعاء 15 حزيران 2016

www.eliemarounkhalil.com

***

من وصايا أبي (5)

ألثّقافة! ألثّقافة!

إيلي مارون خليل

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.