3

:: الشهيد ::

   
 

التاريخ : 28/04/2016

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 2037

 


 

 

إننا نعيش في عالم مات فيه الفرد أو يكاد، يتآمر كل شيء لقتله وخنقه وتدجينه وتحويله إلى مجرد رقم أو نسخة من صورة أو فكرة مسبقة عليه أن يتقمصها مجبرا، كل شيء في هذا العالم يتآمر للقضاء على استقلاله، على قدرته في أن ينتقد، أن يرفض، أن يفكر لنفسه أو يعيش لنفسه، إننا نعيش في عالم ينقسم بشراسة وفق حدود قومية - عرقية - دينية أو حتى تحت دينية (طائفية وما تحت طائفية)، لا وجود للفرد إلا بما هو "جزء" من جماعة، ليس أمامه أيُّ خيار آخر، الجميع ينكر عليه هذا الحق... ومع سحق الفرد وفردانيته تنتصر ثقافة "الواجب" على "الحقوق"، "الواجب" تجاه "الجماعة" تحديدا، فلا وجود لأي شيء آخر واجب في عالم الجماعات المتحاربة، الأفراد هنا لا حقوق لهم، الحقوق ملك لجماعاتهم فقط، أما هم فلا يملكون شيئا، لا يملكون حتى أنفسهم، الجماعة لا تحتكر الحقوق فقط، بل إن الشرط الأساس لحصولها على أية حقوق أو حتى لوجودها هو القضاء التام على حقوق الأفراد ووجودهم المستقل، خاصة أفرادها هي بالذات، شيء واحد يفترض بهذا "الفرد" أن يفعله: هو أن يكون عضوا بارا بجماعته، أن يؤدي ما عليه من "واجبات" تجاهها، أما هذا الواجب الأساسي الذي يلقى على كاهل هذا "الفرد" الممسوخ فهو القتل (والموت عند اللزوم) في سبيل الجماعة.. حتى إذا فرّ الفرد من مصيره هذا، كما يفعل الهاربون إلى "النعيم" الأوروبي، فإن عليه أن يستمر بممارسة قتل الآخر سيكولوجيا، إنه الريموت كونترول الذي تستطيع الجماعة من خلاله أن تستمر باغتيال فرديته.. إننا أمام حروب مفتوحة على أبواب الجحيم، لا يمكن للجماعات أن توجد إلا في حالة حرب، لا معنى آخر لوجودها.. المعضلة الأخرى هي في محاولة تعريف أو فهم الجماعة نفسها.. غير صحيح أن الجماعة هي مجموع أفرادها.. ليست الجماعة القومية أو الدينية تشكيل أفقي أو لا مركزي، أو تشكيل يقوم على المساواة بين أفراده، إنها تشكيل هرمي مركزي بامتياز.. يتغير مركز الجماعة باستمرار، إنه مائع، لزج، تحدده ظروف تركز المال والسلطة والبنية الحالية لأجهزة القمع ومؤسسات خلق الرأي العام خاصة المؤسسة الدينية، وهي ظروف متغيرة باستمرار، لكن مركز الجماعة يتشكل عادة من ائتلاف المال والسلطة وأجهزة القمع والمؤسسة الدينية وحتى المثقفين أحيانا.. وهناك تقسيم واضح وصارم للعمل داخل هذه الجماعة، المركز يحصل على كل الامتيازات والمحيط (الفرد الممسوخ، الذي انتزعت منه فرديته أو أناه) هو الذي عليه أن يقوم بالواجبات المحددة تجاه جماعته، أن يقتل ويموت في سبيلها، ودائما: أن ينكر نفسه ووجوده لصالحها... وبقدر ما ينكر الأفراد في المحيط فرديتهم وذواتهم بقدر ما تتعزّز فردية أولئك الذين يحتلون المركز.. الفرد هو "الشهيد" الحقيقي والوحيد هنا، فرديته تحديدا، والشرط الوحيد لأن يكتشفه الآخرون هو أن يكتشف هو نفسه أولا، الشرط الأول لعودته إلى الحياة هو أن يتوقف عن الموت في سبيل أي شيء إلا أناه وذاته، الشرط الأول لولادته هو أن يعيد هو خلْقَ نفسه، كما هو، وحتى يأتي ذلك اليوم يمكننا أيضا أن ننعي هذا الفرد كما يفعل الجميع اليوم...   

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.