3

:: تاريخ وقوة العقل.. وقيم المحبة والتسامح ::

   
 

التاريخ : 24/09/2015

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1393

 



 

 لم يتّفق العلماء على عمر الإنسان على الأرض، بل إن هذا الموضوع تحديداً من القضايا الجدلية بمعنى كل فريق يضع رقماً ويحدّد أن الإنسان عمره هو هذا، ويضع نظرية لا أكثر ولا أقل تحتمل الصواب والخطأ، وبرغم تطور التكنولوجيا وعلم الإحاثة وعلم الآثار بشكل كبير، وقف عاجزاً عن منحنا معلومات لا تقبل الشك حول عمر البشرية.

ومما يجدر الانتباه له أن التباين في الأرقام واضح جداً، والهوة كبيرة، وهناك اختلاف في التقديرات حتى بين أقسام العلوم نفسها، فعلماء التاريخ، لهم أدواتهم وطرقهم لمعرفة عمر الإنسان، لأن علماء التاريخ يعتمدون في جمع مصادرهم ومعلوماتهم على جوانب حسية في بعض الأحيان مثل الآثار والكتابات القديمة والنقوش والرسوم، وقد وُجدت آثارٌ كثيرة في مختلف بقاع الكرة الأرضية كانت محوراً للدراسة والتحليل، لذا نجد البعض من هذه التنبؤات تقول إن عمر الأرض يصل إلى نحو سبعة آلاف سنة، ومن بينهم من يذهب لأكثر من هذا الرقم، والسبب هو اختلاف المصادر التي أنتجت مثل هذه التقديرات. أما علماء الجيولوجيا فلهم وجهة نظر مغايرة في هذا الجانب، ومن الطبيعي أن تكون آراؤهم مختلفة، لأن منهجهم العلمي مختلفٌ تماماً عن التاريخي، حيث يبحثون ويعملون على تحليل مصادر تكوّن الكرة الأرضية نفسها، فهم يدرسون كل شيء من البقايا مثل العظام أو أي بقايا قد تكون بشرية، ومن خلالها يبحثون ويحلّلون، لذا نجد أن النتائج التي يصلون لها مختلفة تماماً وبعيدة كليا عما وصل إليه علماء التاريخ، فالبعض منهم يقدرون عمر البشرية بنحو 45 بليون عام، ومنهم من ذهب لأبعد من هذا. فرق جسيم بين التقديرين وواسع! وثمة فرق عند الحديث عن عمر الكرة الأرضية وعمر الإنسان، وأعتقد أن الأرقام التي تتحدث عن عمر الأرض نفسها أكثر دقة؛ لأنه حديثاً توصل العلماء لطرق علمية دقيقة لقياس انصهار المعادن وجماد لبّ الكرة الأرضية وهو ما أعطى أرقاماً علمية أكثر تحديداً، لكن عمر الإنسان، بقي المجال فيه مفتوحاً للتخمينات والنظريات التي تحتمل الصواب والخطأ.

قد يقول قائل ما الفائدة من معرفة مثل هذه المعلومة، وفي الحقيقة أي معرفة بتاريخ الإنسان مفيدة في تتبع تطوره وفهم تكون المجتمعات، ولكن الأهم من هذا جميعه فهم طبيعة العقل الذي يملكه الإنسان نفسه، ومعرفة تاريخ هذا العقل وما مر به من تجارب وخبرات. من هذه الجزئية تحديداً ندلف لموضوع في غاية من الأهمية وهو معرفة قوة العقل البشري، هذا العقل الذي تطور طوال عقود طويلة وسحيقة من الزمن، فلو نظرنا في التاريخ الإنسان البدائي ومروره بجميع الحقب والمراحل التاريخية، ومسيرة هذا العقل بين أمم تنهض وأخرى تندثر، وبين حياة بدائية متعثرة يلبسها الخوف واهتمامات محدودة جداً تنحصر في المأوى والمأكل حتى وصولنا لما نعيشه اليوم من ثورة هائلة في مختلف المجالات الحياتية.

العقل البشري ليس تجربة فردية لكل إنسان، بمعنى قد يعتقد البعض أن كل إنسان يعيش تجاربه وخبراته، وبالتالي تختلف درجات اهتمامه ونموه العقلي من حيث الغباء ودرجات الذكاء. وحديثي هنا عن العقل، الذي تمكن من الابتكار والاختراع، الذي نقل البشرية من عهود وحياة إلى أخرى، العقل الذي أوجد كل هذه الثورة العلمية، وإذا أمعنا التفكير أن التسلسل والتتابع هما الثيمة التي كانت سائدة، فلم يكن هناك شيء كامل أو جاهز، بل ستجد دوماً أن كل اكتشاف مر بمراحل طويلة من التطوير والعمل المستمر، الأمثلة كثيرة جداً، وفي كل مجال وقطاع، فإذا استحضرنا قصة الإنسان مع الطيران، فسنجد أنها بدأت بإرهاصات الحاجة والنظر للسماء مروراً بمن ألقى نفسه من أعلى المرتفعات في سبيل تجربة الطيران، وانتهت لما هي عليه اليوم من ثورة كبيرة، ولن تتوقف المخترعات والتطوير في هذا الحقل حتى هذا العصر. وخذ مثالاً آخر يتعلّق بالعلوم الطبية، ففي هذا العصر باتت متنوعة ومتعددة التخصصات، وبات لكل تخصص طبي علومه ومخترعاته واكتشافاته، وأذهب للهندسة التي تشعبت وتفرقت أنواعها وأقسامها.. إذاً نحن أمام تطور هائل، ومستمر في عقل الإنسان، ندلف في عالم اليوم لعهد جديد من ثورة حقيقة في مجال الاتصالات لا مثيل لها، وهناك توقعات هائلة في هذا المضمار، هذه جميعها تعطي دلالات قوية ونافذة على قوة عقولنا وتميزها، ولكن على الرغم من هذا نسأل أين قوة هذا العقل عندما يتم تجاهل قيم الإنسان ومبادئه؟ عندما نقسو على بعض؟ ونظلم بعض؟ عندما تنتشر الكراهية على حساب المحبة؟ عندما نلغي الآخر وننسى التقبل والتسامح؟..

 


 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.