3

:: يوميات عابرة ::

   
 

التاريخ : 13/02/2015

الكاتب : جوزف أبي ضاهر   عدد القراءات : 1292

 



 

 

... والأصابع تنكمش وتتجعّد

بمئة قلم، بألف قلم، بآلاف الأقلام كتب ورسم وخطّط، وخربش، وزيّح، وصرخ، وهمس وباح... وعن الأقلام ذاتها كتم، وكذّب، وما سلّم ذاته كاملة لها.

بقي في نفسه خوف من شيء لا يعرفه، ولم يدركه، ولا رآه، أو صادفه. مجهول يحوط بالأقلام وبالأصابع ولا يفصح عمّا يريد.

بمئة، بألف بآلاف بـ... ونظر إلى الأصابع التي ظنّ أنها لا تتعب. رآها بدأت تنكمش، تتجعّد، تستسلم لخطوط الطول والعرض وبينها تزاحمت وجوه وهموم وأسرار.

تشابكت خطوط الحظ بخطوط العمر، والصحّة والزواج والأولاد.

خطّ واحد بقي منفردًا، مشدودًا مثل وترٍ،  قرّبه إلى أذنه لم يسمع شيئًا. أبعده عن عينيه، مَسَّهما غبش، جذبه إلى شفتيه، ارتعش الجسد بأكمله.

كاد يصرخ.

انتبه فجأة أنّه شدّ على قلم نسيه في كفّه التي أطبقها مخافة أن تذكّره بضرورة إحضار قلم جديد ليكمل ما بدأ كتابته.

 

وزّع أوراقه

رمت شجرة ورقة من أوراقها على الأرض، لـمّها صبيّ وأخذها إلى بيته، زرعها في دفتره الأبيض وجعله مخدّته.

صباح اليوم التالي فتح الدفتر، لمح برعمًا يتفتّح، أخذه بين أصابعه فتحوّلت أصابعه أشجارًا توزّع أوراقًا لكلِّ الصبية العابرين في زمنه.

 

متشابهان

جلس على حافة درب ولم يعبر مع العابرين.

جميعهم عبروا، إلا هو والدّرب.

صار يشبهها؟ أم صارت تشبهه؟

متشابهان مع فارق بسيط.

هو لا يطلب شيئًا من العابرين.

هي تطلب أن يعبروا.

 

جلاّد ابن جلاّد

من سنين عديدة.. وكثيرة.

أقيم هنا في مكاني الأوّل والأخير، تحوط بي الهموم والمشاعر والهواجس... والغرابة من بدء، والغرابة من نهاية.

الصورة غير واضحة. مجرّد عبارات وكلمات لبعضها رجع صدى الماضي البعيد والقريب، ولبعضها الآخر وهم صدى الآتي القريب والبعيد.

غموضٌ يلفّ غموضًا، والخوف حارس أمين يحرص على النفخ، دائمًا، في بوقه الكبير لتظلّ النفوس قلقة، مشدودة، خاضعة:

ـ «في الخضوع خلاصك أيتها النفس، وفي التفلّت هلاك، لا رحمة بعده».

رَجعُ الصدى حمل في طيّاته... الكثيرة، سوط جلاّد، لا وجه له، ولا صفة سوى أنه جلاّد ابن جلاّد.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.