3

:: بؤس المؤلف!! ::

   
 

التاريخ : 24/01/2015

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1394

 


 

 

في عالمنا العربي وخلافاً  لكثير من أمم الأرض إشكاليات في فهم العديد من الوظائف والمهام الإنسانية، عدم الفهم هذا سبّب تسطيحاً لهذه الوظيفة أو تلك، بل أنتج في بعض المراحل الزمنية مقاومة وحرباً ورفضاً. أن تكون مؤلفاً وتحاول أن تسخّر نفسك وتفرّغ عقلك وروحك لهذه المهمة ليس بالأمر السهل أو البسيط الذي قد يتخيله البعض، وعندما أقول ليست مهمة سهلة فهذا لا يعني استحالتها لأننا نشاهد يومياً العشرات ممن يقتحمها هواية ورغبة، وبالتالي نشاهد منجزات يتم وصفها بأنها نتاج أدبي، وإن كنت أعتقد أنه ليس كل من أصدر كتاباً بات تحت قبة المؤلفين، لأننا نشاهد في هذا الزمن تكاثراً في الدالفين لهذه الساحة، وهذا أمر جميل ويدعو للبهجة، ويبقى على النقد الأدبي أن يقوم بواجبه في تقديم المتميز.. كثيراً ما يواجهني سؤال متى سينشر عملك الروائي الثالث؟ وآخرون يقولون بأن الكتابة اليومية والأسبوعية وأيضاً الشهرية في عدة مطبوعات استنزفت طاقتي ولن تسمح لي بنشر رواية جديدة، وهم محقُّون في جانب الاستنزاف، لكنني أؤمن بأنه بقليل من تنظيم الوقت وترتيب المهام ووضع جدول فإنني أستطيع أن أقدم مشروعاً أدبياً جديداً، وهنا أبيّن نقطة أساسية تتعلق برغبة المؤلف في نشر عمل جديد بعد أن نشر عدة أعمال، هذا المؤلف تتلبّسه حالة من الهمّ بأن يكون الجديد مختلفاً ومميزاً وأكثر وهجاً وحضوراً، بمعنى أن من يسألون عن روايتي الثالثة، لا يدركون أن ما أفكر فيه هو مختلف تماماً عن نشر عمل روائي وحسب لأنها بالنسبة لي ليست مهمة تأليف فقط، بل لا بد من أحداث مبتكرة وطريقة كتابة مختلفة لأن العمل لا بد أن يكون متميزاً وأكثر إبداعاً عن تلك التي سبق ونشرتها، وإذا لم يتحقق هذا فإنني لن أكون قد اكتسبت أي فائدة من تجاربي الروائية والقصصية السابقة، والتي من خلالها وجدت النقد وكلمات مديح، وأيضاً كلمات التهبيط والتقليل.

المؤلف مسكون بعدة جوانب في عالمنا العربي تسبب له الأرق وكثير من المشاكل، وحتى أبيّن هذه المشاكل التي تواجه كل مؤلف أستحضر كلمة للمؤلف والمؤرخ جورج جوردون كولتون، حيث قال: "للتأليف ثلاث مصاعب، أن تؤلف شيئاً يستحق النشر، وأن تجد ناشراً أميناً، وأن تجد قارئاً لبيباً غير متحيّز". وأعتقد أن كل واحدة من هذه المصاعب ماثلة في عالمنا العربي بشكل واضح ولا تقبل الشك أو التأويل، فكيف يبدع ويخترع المؤلف العربي نصاً مختلفاً وهو لا يجد الدعم ولا التفرّغ ولا مؤسسات تساعده، وأين هو الناشر الذي يحب هذه المهنة ويعمل بها وفق مهنية عميقة بعيداً عن الوعود الزائفة للمؤلفين، وبعيداً عن استغلالهم واستغلال منجزاتهم؟ ثم أين هذا القارئ الذي يحاول أن يستمتع بالنص وأن لا يبني في ذهنه محاكم تفتيش ضدّ هذا المؤلف؟ وإذا قرر هذا القارئ أن يمارس وظيفة الناقد فهل يستطيع أن يبتعد عن مفردات الشتائم والسباب، ويرقى بلغة نقدية إنسانية!..

يمكن للجميع أن يكتبوا ويؤلفوا لكنهم قلة أولئك الذين يأخذون هذا الطريق كروح وعمق وهمّ ورسالة معرفية، لا دخل للمباهاة والمظاهر بها.- الفكرة الجديدة والناشر والقارئ – ليتنا نرى مثلث بؤس المؤلف العربي وقد انهار وتلاشى..    

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.