3

:: رحلة في غربة الكتاب ::

   
 

التاريخ : 14/11/2014

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1070

 



 

 

 في مناسبات المعرفة والاحتفاء بالعلوم كمناسبة معرض الشارقة للكتاب، تحيط بك جُملة من القضايا والهموم، خصوصاً تلك التي تتعلق بالنشر والتوزيع، فضلاً عن الكتابة نفسها.

عندما تتجوّل في معرض الكتاب، وتجد كل هذه الجماهير الغفيرة من الناس وهي تنتقل بين مختلف القاعات وأجنحة دور النشر، تتصفّح الكتب وتشتري، تشاهد فتاة أو شاباً وقد انغمس كلياً في قراءة كتاب بين يديه متسمّراً واقفاً طويلاً وكأنه يقف إجلالاً لمعزوفة السلام الوطني لبلاده، وآخرَ يدخل في نقاش مع الناشر عن الكتب التي يبحث عنها ويستمع إلى الإرشادات في كيفية الحصول على الأفضل، وأين يجد المعلومات التي يريدها، وثالثة أو ثالثاً يجلس مصغياً إلى محاضرة أو ندوة تقام على هامش المعرض، أو أن تشاهد امرأة وبرفقتها أطفالها في المعرض، فتجد الصغار يتصفّحون قصص الأطفال وكتب الرسوم والتلوين، وهذه الأم ترشدهم وتعلمهم، أو تشاهد رجلاً بصحبته أبناؤه وبناته يقفون أمام أحد أجنحة دور النشر يتفحّصون كتاباً ويتحدّثون عنه وكأن بينهم نقاشاً عابراً وسريعاً عن محتوياته.

جميع هذه الصور والمشاهد تبعث في قلب كل من يكتب أن يواصل العزف، وأن يستمر في التأليف، رغم كل ضغوط الحياة المختلفة والمتنوعة، رغم كل المعوقات التي قد تجدها المنجزات وتحدّ من انتشارها وتمنع وصولها إلى الجميع.

ففي عالمنا العربي معضلة أزلية وطويلة تتعلّق بالتوزيع، فكتبنا تتعثّر بين أروقة الفسح والسماح من بلد لآخر، وتضيع في تنقّلاتها من موزّع لآخر، وتفقد جوهرها ومعناها وهي منتظرة في الموانئ ومحطات الجمارك وبين أيدي تجار لا مثقفين.. كتاب قد يكون مؤلفه أمضى سنوات عدة في تأليفه ومن ثم نشره، تتلقّفه أيدٍ لا تقدّره ولا تمنحه الوسام اللائق به رغم كل هذه الضبابية، عندما تدلف إلى معرض الكتاب تنتشي برائحة الكتب، كأنها تبلغك بانتصارها على كل هذه العقبات، كأنها تحكي لك قصة فوزها على كل هذه المعوقات، ثم رؤيتك لكل تلك الحشود وهي تسير من رواق إلى آخر ومن محطة ناشر إلى ناشر آخر، وأنت تشاهد التنافس الصامت، لا تسمع إلا المعرفة تصدح بين جدران المعرض الدولي، ولا تشاهد إلا الكلمات تتراقص في زوايا كل مكان من هذا البحر المعرفي.

أمام هذا المدّ المحمّل بالعلوم، وأمام هذا الزخم التنويري الهائل، تنسى كل مشاكل الكتاب العربي، تنسى تعب السنوات في التأليف والكتابة، لأنك موقنٌ ومتأكدٌ في نهاية المطاف أن منجزك سيقع بين أيدي أصحاب قلوبٍ دافئة توقف ترحاله وغربته.

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.