3

:: جنود بلادنا .. أرواح السماء ::

   
 

التاريخ : 29/10/2014

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1407

 


 

 

 

مئة وأربعة وعشرون جنديا وضابطا مصريا شهيدا في سبع عمليات إرهابية بسيناء من أغسطس 2012 حتى أكتوبر الحالي. تتطلع إلى الوجوه والصور وتقول عن كل واحد منهم "إني أعرفه". الملامح الريفية. العيون التي تميل للبسمة وتخجل منها. التواضع الذي يشيع في الوجه. ارتباك الفلاح أمام الكاميرات. الرسالة التي يبثها في الصورة خلسة لأهله "قريبا أعود". لكنهم لم يرجعوا. لم يبق منهم سوى الألم الجسيم في قلوب العرائس والأمهات. في الحرب العالمية الثانية فقد الاتحاد السوفيتي ستة وعشرين مليون شهيد من خيرة أبنائه، نحو سبعين بالمئة منهم من العسكريين. خلال الحرب وبعدها تناول أدباء عظام قصص البطولة في أعمال أدبية شكلت سجلا للبسالة، عدد كبير منها دار حول مدينة ليننجراد وصمودها في حصار استمر نحو ثلاث سنوات من دون غذاء أو وقود. في فبراير 1942 نشرت جريدة "برافدا" واحدة من أشهر القصائد. اقتطعها الجنود من الصحيفة وتبادلوها في خنادقهم وحفظوها عن ظهر قلب وبعثوا بها لزوجاتهم وأهلهم. قصيدة "انتظريني" للشاعر قسطنطين سيمونوف. يقول فيها على لسان جندي يكتب لخطيبته "انتظريني وسأعود رغم أنف الموت. أولئك الذين لم ينتظروا لن يفهموا، أنك في أنقذتني بانتظارك من قلب النيران. كيف بقيت أنا على قيد الحياة؟. هذا سر نعرفه نحن الاثنين وحدنا. وحدنا نعلم أنك أتقنت الانتظار كما لم يفعل أحد آخر". قصيدة أخرى اشتهرت ومازالت تتردد للشاعر الداغستاني العظيم رسول حمزاتوف بعنوان "اللقالق البيضاء" يقول فيها:

"يخيل إلي أحيانا أن جنود بلادنا ممن لم يرجعوا إلينا من ميادين القتال، لم يتوسّدوا الأرض. لكن أصبحوا طيورا هائمات. تطير في السماء بنظام كما كانت تمشي على الأرض وهي بشر. أليس لذلك السبب يحلّ علينا الصمت بحزن كلما تطلعنا إلى السماء؟".

ربما لا يكون لدي سوى هذه القصيدة أهديها إلى أرواح جنودنا الذين لم يرجعوا من سيناء، إلى محمد أبوغزالة وإلى كيرلس فاضل معا، وقد احتضن تراب مصر وسماها الشهيدين من دون تمييز، وإلى كل الشهداء الذين أصبحوا طيورا في سمائنا تبعث إلينا من هناك بالرسائل. أعتقد أن من واجب وزارة الثقافة واتحاد الكتاب تنظيم جنازة رمزية للشهداء يجوب فيها الكتاب والمثقفون شوارع العاصمة وهم يحملون صورة شهيد مسلم وآخر مسيحي، تقديسا لأرواح أبنائنا وتعظيما لمعنى الدفاع عن الوطن، ونشرا لحقيقة أن الدماء التي تسيل لحماية مصر لا تميّز دماً قبطياً من دم مسلم، وأيضاً تكريساً لدور الكتاب والمثقفين ومساهمتهم في القضايا الوطنية.

حين واجه الاتحاد السوفيتي خطر النازية كان يواجه عدوا خارجيا محددا. أما نحن فإن الخطر في داخلنا، داخل مؤسساتنا، ووسائل إعلامنا، ونظمنا التعليمية. وكل ذلك يستدعي كفاءة أخرى، وبرنامجا آخر سياسيا واقتصاديا، وإطلاق أوسع الحريات الديمقراطية لكي يصبح الشعب جزءا فعالا وواعيا من تلك المعركة. فهل أننا نواجه ما يدبر لنا بالكفاءة الواجبة. آن الأوان لنقرأ تصورا مكتملا من كافة النواحي لدرء الخطر، لكي لا تظل أرواح جنودنا تبعث إلينا برسائل العتاب وتسألنا عن حقها.     

 

أحمد الخميسي . كاتب مصري

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.