3

:: الجنُّ تحتفل ببراءتها! ::

   
 

التاريخ : 08/10/2014

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1358

 


 

 

 

نحن في عصر اندحرت فيه الخرافة، أو على الأقل انهزمت في مواقع كثيرة، نحن في عصر العلم والمعلومة المبنية على الحقائق والاكتشافات، عصر التكنولوجيا والاتصالات الذكية. وفي خضم هذا التطور المعرفي، من الطبيعي أن تنحسر مساحة الخرافات وتقل، لأنه دوماً، وعلى مر العصور والأزمان، كلما تزايدت مساحة العلوم والمعارف، تضاءلت مساحة الجهل، وبالتالي انخفض وهج الخرافات وقلّ مؤيّدوها ومريدوها. أما إذا توقف المد العلمي لأي سبب أو تضاءلت مساحته، فهنا تنتشر الخرافة، فالعدو اللدود لها دوماً هو العلم والمعارف الإنسانية والاكتشافات.

على الرغم من هذه الحقيقة البديهية، إلا أنه بين وقت وآخر، تلفحنا قصص بطلها الرئيس خرافة، والمفاجأة الحقيقية أن هناك أنصاراً ومؤيدين ومتعاطفين، ولكن الأدهى أن من يستخدم هذه الخرافة إنسان متعلم، بل على درجة عالية من التعليم.

 لن أذهب بعيداً ففي إحدى البلاد العربية، وقعت قصة تناقلتها الصحف عن إلقاء القبض على أحد القضاة وقد اختلس مبلغاً تجاوز 600 مليون ريـال، وقد برّر جريمته بأنه لا يتحكم بتصرفاته، وأن هناك جنّياً يتلبّس به هو من قام بهذه الأفعال! ليس هذا وحسب، إنما أحضر من شهد بأن القاضي كان يتلقى العلاج عنده من تلبُّس الجنّي، وانه (أي المعالج) كان يقرأ عليه... بعد نحو عامين من التحقيقات مع القاضي الذي عُرف في المجتمع بقاضي الجنّي، تمّ إحالة أوراق قضيته للقضاء، ولكن بعد أن سقط معه 36 من رفاقه الذين شاركوه في تهم الفساد المالي والإداري والتلاعب بحقوق المواطنين والاستيلاء عليها، وفقاً للائحة الاتهام التي جاءت في 93 ورقة، ونشرتها صحيفة محلية وجهت للقاضي 11 تهمة تراوحت ما بين التزوير والرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي.

العجيب في هذه القضية ليس خيانة أحد القضاة لأمانته، فهو أولاً وأخيراً إنسانٌ ضَعُفَ أمام الإغراءات المادية، ولكن الغريب بحق، هو تعاطف كثير من الناس معه، ودفاعهم عنه، وتبرير جريمته بأنه فعلاً لم يكن يتحكّم بتصرفاته، بل الجنّي الذي يتلبّسه هو من فعل كل هذه الجرائم! وغنيٌّ عن القول، أننا لو سمحنا وبرّرنا هذه الجريمة وكيّفناها بهذه الطريقة، فسنصبح أمام معضلة حقيقية، تتعلّق بسؤال: كيف نستطيع القبض على الجنّي للتحقيق معه؟، ليس هذا وحسب، بل سنجد كل جريمة تُرتكب في المجتمع يمكن تبريرُها وسببُ ارتكابها بأن جنيّاً تلبّس بالمتَّهم.

هذا جانب من الموضوع، الجانب الآخر وهو تهكّمي يتعلّق بالجنّ أنفسهم، هل سيلتزمون الصمت أمام السيل من التّهم التي ستلصق بهم، وهي لجرائم منوعة من السرقة إلى الاختلاس، وصولاً لخيانة الأمانة، فضلاً عن الجرائم الأخلاقية على مختلف أنواعها؟!. أعود لقصة القاضي الذي حاول إلصاق خيانته للأمانة بالجنّ، لأقول إنه، دون شكّ، قد استحضر عالم الخرافات وقصصها العجيبة التي عادةً لا تمتُّ للواقع بأيّة صلة، فنَسَجَ خيوط قصته وبثّها لعلّها تكون طوق نجاته وانفلاته من القيد الذي أحكم لفّه حول رقبته، وهو لا يعلم أنه، فضلاً عن جريمته، قد أضحك العالم، وجعل من نفسه محل تهكُّمٍ وتعليقاتٍ ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي. الذي يؤلم، أن هذه القصة وجدت صدىً وقبولاً لدى البعض.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.