بأي حال من الأحوال لا تتجاهل خبرات الآخرين ولا تسطحها وتسفهها وترمي آراءهم بالقصور وعدم الفهم، حتى وإن لم تعجبك أو لم تتفق مع وجهات نظرك، والسبب ببساطة متناهية هو أن خبرات الناس وتجاربهم تختلف وتتباين، بل نختلف في نظرتنا وتقييمنا في الحكم والتصرف تجاه كل الصعاب والطريقة التي يتم فيها التعامل لحل أي مشكلة، جميعها ظروف يقال إن الإنسان منذ سنوات ميلاده الأولى يبدأ في التعلم، والغريب بحق عندما يملك الإنسان الخبرات والتجارب وحياة حافلة بالإنتاج والعمل، يتم إحالته للتقاعد.

وغني عن القول إن النظرة لمرحلة التقاعد عن العمل في عالمنا العربي تشوبها ضبابية وعدم فهم حقيقي لها، بطبيعة الحال الإنسان يحتاج للراحة ولكن ما يتم في عالمنا هو تجاهل تام لمن أفنى حياته في مؤسسة أو إدارة وتجاهل لتراكم الخبرات لديه، فتجد الموظف ما إن يصدر قرار تقاعده إلا وقد انفصم الرابط بينه وبين جهة عمله، فلا يتم دعوته في المناسبات المختلفة التي تقام ولا يتم استشارته، والأكثر دهشة أن تقوم هذه الإدارة بطلب خبراء أجانب وتدفع لهم مبالغ طائلة من بنود مخصصة لطلب الاستشارات وهؤلاء الخبراء لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين، بينما نملك ثروة بشرية تتمتع بالوطنية وسنوات طويلة ومديدة في العمل، بل وفي أحيان ليس أي عمل بل في مهام ووظائف إدارية قيادية، هذه الخبرات الوطنية لا يستفاد منها ولا تستشار لا من قريب ولا من بعيد.

على الجانب الآخر لدى المتقاعدين أنفسهم نظرة غير صحيحة عندما يصل أحدهم لسن التقاعد، فالبعض منهم يعتقد أنه بات غير مرغوب فيه أو أن أفكاره باتت قديمة، فينعزل ويهرم وتداهمه الأمراض والأوجاع الجسدية والنفسية، مع الأسف أن نظرتنا للتقاعد نظرة مشوّهة من الطرفين، وبحقّ فإننا نحتاج لعلاج وتقويم لمثل هذا القصور في النظرة المتواضعة لنظام التقاعد الذي يعدّ في عدة دول غربية فرصة يطمح لها كل موظف، ذلك أنه في هذا السن يستطيع ممارسة هواياته بكل حرية وأيضاً السفر وتجربة أعمال ومهام أخرى، بل إن مثل هؤلاء يتم استقطابهم من الشركات المختلفة وإعادة توظيفهم وفق آلية محدّدة وذات ظروف معينة، والسبب للاستفادة من خبراتهم ومعارفهم الطويلة.

أتمنى بحقّ من الجهات ذات العلاقة سواء وزارة العمل أو جمعية المتقاعدين أن تولي هذا الجانب العناية وتزيد من جهودها في التوعية بأهمية نظام التقاعد وكيفية التعامل عندما نصل لهذا السنّ.