3

:: قراءة في ديوان مئة قصيدة وقصيدة للشاعر شهاب غانم ::

   
 

التاريخ : 21/05/2014

الكاتب : ميشلين حبيب   عدد القراءات : 3159

 


 

 

 

يكتب شهاب غانم بقلبه، يغمس قلمه بحبر عاطفته ويكتب كلماته، فتتدفّق عاطفته فيّاضة على الورق، وديوان "مئة قصيدة وقصيدة" مثل واضح على ذلك، فهو يمتلىء بالدفء وتغمره المشاعر الصادقة.

هذا الديوان هو تعبير عن خبرات شخصية ووجدانيات، لكن ما يميزه هو الدفء الذي ينبعث من كل قصائده. هو ديوان تلاطف قصائده كيان القارئ وحسّه الفني.

 

يذكرنا عنوان ديوان "مئة قصيدة وقصيدة" "بألف ليلة وليلة" التي تحكي قصصاً متنوعة كما هي حال الديوان الذي يحكي قصصاً كثيرة عاشها الشاعر والتي تمتد على ضفاف مشوار العمر. لقد تكلم شهاب غانم في هذا الديوان عن كل شيء تقريباً، عن كل ما يتعلق بالإنسان أو به هو شخصيا، عن المكان، العمل، السفر، الوطن، العائلة، الحب، الأولاد، الصداقة، وعن كل ما يدور حول الشاعر. تصطبغ القصائد كلها بدفء ولطف شهاب غانم، وهو دفء رافق الشاعر كل حياته ولذلك هو ظاهر في كل الديوان، في القصائد التي كتبها عندما كان شاباً وتلك التي كتبها عندما تقدم به العمر؛ كلها تتّسم بنفس الثقة والنضج والحب واللطف والصدق والدفء مما يدلّ على أن الشاعر هو نفسه منذ الصبا وحتى الآن؛ هو الأب الحنون والجد الأحنّ، هو العاشق اللطيف المحب، الصديق الصادق، المثقف الرّحالة، الوطني الوفي، الروحاني الصوفي المشتعل حبا بالإله، وهو الشاعر الذي يفيض شاعرية وإبداعأ.

بعض من أجمل القصائد التي تمسك الوجدان وتخبرنا من هو الشاعر خلف تلك الكلمات قصيدة "عيناك"، حيث وضع الشاعر فيها كل معاني الحب وعليها بنى كل قصائد الحب الباقية؛ لكن لم تستطع واحدة منها أن تضاهيها حباً وجمالاً.

 وقصيدة "وئام" التي تفيض حناناً وحباً أبوياً، وتكمن قوة الشاعر فيها أنه جعل القارئ يحضن وئامَ ويغمرها بحنانه تلقائياً معه. هي واحدة من أجمل قصائد الديوان. وكذلك "وضّاح" التي لا تقل عنها حناناً وأملاً وفخراً بالابن. نشعر في هذه القصيدة وكأن قلب الشاعر خرج لينصّ تلك الكلمات ويغمر ذلك الابن ويأخذ معه خلال ذلك قلب القارئ ويلهبه بعاطفة الأبوة.

إن شهاب غانم يكتب من زاوية في القلب تنطلق لتعانق من تحب وما تحب. هو شاعر لا يفترق عن الحب ولا يفترق الحب عنه بكل أنواعه. إن الحب في شعر شهاب غانم قوي لكنه، في الوقت نفسه، لطيف راق وحنون. هو شاعر يعرف كيف يحب وكيف يحترم الحب.

 ويطال ذلك الحب المكان وليس فقط الإنسان، فيتعلق بالمكان ويفهمه ويحميه؛ هو يرى جمال المكان ويعترف به في شعره فيخلّده ويفيه حقه. هو يفهم المكان ويراه بعين الشاعر ويكون وفياً له وذلك واضح في قصيدة "الأرز" التي هي من أجمل القصائد أيضا حيث جمع الشاعر فيها حب المكان، وحب الانسان، وحب الجمال، وحب الطبيعة، وحب الشعر المسيطر في كل مكان في كيان الشاعر يعبّر به ومعه عن كل ما تختلج به نفسه. تعجُّ هذه القصيدة بالصور والمفردات الشعرية الراقية، والمتدفّقة، والمعبّرة، والوفية لأصل الشاعر ولأرض لبنان.

سألتْنـي مَن أنـت؟ مِــن أيِّ أرضٍ؟

              أنـا بيـن السيـوف نصـلٌ يَماني

هـل تـريـن اشتعـــال لمّــة رأســـــي

              وشبابي  مـا زال فـي الرّيعـــان

إن تجنّيــتِ فهــي بعض جـراحي

              أو تغنّيـــتِ فهــي من أوطانـي

 

أما في قصيدة "بيروت" فهو يتألم مع المكان الذي يحبه ويحترم جماله ويتألّم لجراحه.

لذلك تأتي قصيدة بيروت معبّرة عن ذلك الحزن لتقول: 

بيروت الحسناء المعتادة أن تسترخي تحت الأنغام

أمست لا تجد مكانا لتنام

إلا فوق الألغام

ومن القصائد الرائعة الأخرى، "سمعتهم يقولون"

"لكي نحقق الأمان والسلام

لابد أن نريّش السهام"

وبعدها رأيته والريش حوله أكوام

وقربه أهرام

من جثث الحمام

حمام ذلك السلام!

ولا يمكن التكلم عن الديوان دون ذكر قصيدة "المخاض في وادي عبقر"

وهي من أروع قصائد الديوان وتحكي قصة حب الشاعر للشعر وعلاقة الشعر بالشاعر  وتتجلّى في هذه القصيدة أجمل الصور الشعرية:

تموت برأسي ألوف القصائد قبل الولاده

بدون الإِرادة تجهض حيناً... وحيناً بكل الإِراده

تموت وعيناي مغمضتان

 

في النهاية لا بدّ من التأكيد على أن الأصالة والصدق هما صفتان طاغيتان على الديوان الذي يمتلئ بصور تتمتع بالتجديد والبساطة الآسرة. في القصائد أيضاً تفاعل يضيء الديوان كله وينتزع انفعال القارئ. أما لغة شهاب غانم فهي ناضجة، مثقفة، وسلسة تصبغها الجمالية والموسيقى التي تسحر القارئ وتجعله يتذوّق جمالا سلساً ووجدانياً. أما الدفء الكامن في شخصية الشاعر فإنه يلهب شعره كله وينقله إلى القارئ ليلتهب به بدوره. فتحية للحب والشعر الذي أحياه شهاب غانم في ديوان "مئة قصيدة وقصيدة".

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.