"أنا شجرة"، هذا ما يستطيع قوله كل إعلامي من الذين شاركوا في زرع غابة الإعلاميين يوم السبت في الثالث من أيار في قرية الورهانية في الشوف. "أنا شجرة" هو عنوان مشروع زرع "غابة المحترفين" الذي يقوم به "مركز حماية الطبيعة" في الجامعة الأميركية في بيروت برئاسة الدكتورة سلمى نشابة تلحوق والمنسّق العام وسيم قيس بالتعاون مع دار نيلسون.
يهدف المشروع بحسب الدكتورة تلحوق إلى تعريف التلامذة من سن 12 إلى 18 سنة على مهن عديدة ضمن إطار غير رسمي حيث يقوم أشخاص محترفون في حقول مختلفة بمشاركة تلميذ بزرع شجرة. وتضيف تلحوق أن أولئك المحترفين سيشكلون مصدر إلهام للأولاد عملياً وليس نظرياً، وأن تلك الغابة ستكون محلَّ اهتمام وعناية التلامذة وأهل البلدة وسيساهم ذلك في تعزيز حب الأرض والمحافظة على الطبيعة والأشجار. بالنسبة للسيد وسيم قيس المشروع تعريف عملي على المهن المختلفة دون تدخُّل النظريات. فإن لقاءَ الأولاد والمحترفين ومشاهدة الإعلامي يزرع الشجرة ويغطّي جذورها بالتراب بيديه المجرّدتين هو اختبارٌ يساوي الكثير الكثير.
لبّى ثلاثون إعلامياً وإعلامية دعوة المركز لزراعة غابة الإعلاميين في الورهانية في الشوف بحضور رئيس البلدية وأعضائها بالإضافة إلى مختار البلدة وأهلها حيث قام كل إعلامي بمشاركة تلميذ من تلامذة مدرسة الورهانية الرسمية بزرع شجرة. تنوّعت الأشجار المزروعة بين الزمزري، والقطلب، والسنديان والملول. وكان المركز قد دعى السنة الماضية أدباء وشعراء لبنانيين معروفين لزرع "غابة الأدباء" في بلدة بتلون بمشاركة تلامذة مدرسة البلدة.
هكذا نجد أنه مقابل كل البشاعة التي لا تكلّ من محاولة تشويه وجه وجسد لبنان هناك جمالٌ وحبٌّ يحملان قطناً مشبّعاً أملاً وإيماناً يمسحان بها تلك البشاعة الوقحة.
تميز الحدث بحضور إعلاميين معروفين من بينهم الشاعر زاهي وهبة ورابعة الزيات وزينة جانبيه وألبير تحومي وماغي أبو غصن وجوزيف حويك، وأريج خطّار، ومي صايغ، وملاك مكي. عن سبب تلبيته الدعوة قال زاهي وهبة: "أعتقد أن الطبيعة في لبنان تستحق الدّعم والاهتمام وللأسف يذهب الكثير من وقت اللبنانيين هدراً سواء على القضايا الطائفية أو المذهبية (يللي بلا طعمة)؛ فبدل زرع فكر طائفي أو متطرّف أو فكر إلغاء وإقصاء للآخرين، فإن زرع شجرة يفيد أكثر؛ ولبنان الأخضر بحاجة إلى الكثير من الأخضر إذ للأسف وبسبب الإهمال والجشع العقاري هو مهدّدٌ بالتصحُّر. لذلك فإن الاهتمام بالطبيعة أمرٌ مهمٌّ وضروريٌّ جداً. وتقصّدتُ اصطحاب أولادي كي يتعلّموا منذ الطفولة أن العلاقة مع الشجرة مهمّة وأن الشجرة صديقة للإنسان وهي صديقة تكون أحياناً أوفى وأكرم من الإنسان". أما رابعة الزيات فقد لبّت الدعوة "لأنها دعوة إلى نشاط بيئي ونحن طبعاً من مناصري البيئة وضدّ أي أحد يخرّب البيئة وأكثر من يقوم بتخريب البيئة هو الإنسان. ولبّيتُ الدعوة لأنه جميلٌ في هذا الزمن أن نزرع شجرة ووردة بدل أن نزرع طائفية أو مذهبية أو حقدا. نحن بحاجة جداً إلى التواصل مع الأرض والطبيعة ومع الإنسان من الداخل وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلني آتي. واصطحبت الأولاد معي لأني أحب أن يعرفوا بلدهم وأن تكون لديهم علاقة وطيدة مع الأرض ومع الزرع والطبيعة لأن هذا هو الأصل". وقال جوزيف حويك: "سبق واستضفتُ المهتمين بالمركز في برنامجي، وأنا أهتم بالبيئة والشجر والقرى، فأنا إبن ضيعة (بدادون). وتشبه الورهانية ضيعتي بالرغم من أنها أعلى منها بكثير وأشعر أن هذا الحدث هو حدثٌ خالدٌ يخلّد الإنسان، فنحن نزرع شجرة، هي ستبقى ونحن سنرحل.. وأعتقد أن أيَّ إعلامي إن وصلته دعوة كهذه سيلبيها من دون تفكير". في رأي أريج خطّار "هي دعوة لا يمكن إلا أن نلبّيها فهي تأخذنا بعيداً عن الإعلام الناشف الذي نتعاطاه وأقصد بذلك الإعلام السياسي وتحملنا إلى حضن الطبيعة حيث كل شيء حقيقي ومريح".
وقال ألبير تحومي: "استضفتُ المركز أكثر من مرة، كما أنني من مشجّعي الحفاظ على البيئة وأنا عضو فعال وناشط في هذا المجال فكان من الطبيعي أن ألبّي الدعوة". أما ملاك مكي فترى أن "الصحافي يساهم في التوعية البيئية وفي تشجيع الصغار على حماية الطبيعة وغرس الأشجار فتعْلقُ في أذهانهم أهمية الشجرة وقيمتها، ويبقى لهم ذكرى جميلة وتجربة فريدة. يحيك المشروع قصة مع الغابة، قصة لها زمان واسم فترتبط بقصص البلدة وأهاليها".
عندما سألتُ بلال ذا الثلاثة عشر عاماً إن كان سيعتني بالشجرة التي زرعناها معاً وعدني إيجاباً قائلاً: إن عائلته تملك أرضاً إلى جانب أرض غابة الإعلاميين وأنه سيمرّ دائماً بالشجرة ليهتمّ بها. ووعدتُ أنا بدوري العودة إلى البلدة من وقت لآخر للاطمئنان على الشجرة ولقاء بلال. يدل جوابه على أمل تحقيق المشروع هدفه من حيث تعزيز حب الأرض واحترام الشجرة والطبيعة.
تميز اليوم بجو من الإلفة والمحبة الموجّهة نحو الطبيعة والتي انعكست على كل الحاضرين رافقه غداءٌ صحيٌّ جداً ولذيذٌ جداً من حواضر الطبيعة. قام المركز في نهاية اليوم بإهداء لوحة موزاييك (فسيفساء) للبلدة المضيفة هي عبارة عن شجرة. تحمل اللوحة أسماء الإعلاميين المشاركين وستحفظ في دار البلدية.
في النهاية، لنتذكر أن الطبيعة بشكل عام والشجرة بشكل خاص لم تسأل أي شخص يوماً عن دينه أو مذهبه أو شكله أو مستواه الاجتماعي أو لونه أو مستوى تعليمه أو خلفيته الحزبية والسياسية قبل أن تظلّله وتحميه من الشمس أو تقدّم له ثمراتها ليتلذّذ بها، حتى عندما يقطعها ليتدفّأ أو يزيّن بيته أو يصنع أثاثاً تذهب معه بوداعة وصمت؛ فثقافة الزرع والطبيعة هي أجمل وأقوى بكثير من ثقافة السياسة والبندقية، فلنمارسها أكثر.
mikaellahab@yahoo.com