3

:: حرب باردة على القرم الدافىء ::

   
 

التاريخ : 12/03/2014

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1309

 


 


 

القرم كلمة تتارية تعني القلعة أو الحصن، اندلعت بسببه الحرب التركية الروسية 1853- 1856، وشاركت فيها مصر إلى جوار الأتراك بحكم انضوائها تحت الخلافة العثمانية، وبعثت حينذاك بفيلق من خمسة عشر ألف جندي وضابط مصري. والقرم شبه جزيرة ضمّتها روسيا إلى أراضيها رسميا عام 1783 عهد الامبراطورة يكاترينا الثانية، وكانت ومازالت المنفذ الوحيد لروسيا على مياه البحر الأسود الدافئة خلافاً للموانىء الأخرى التي يتجمّد ماؤها شهورا طويلة. ويسمح القرم للأساطيل الروسية بالحركة في كل الاتجاهات خاصة في اتجاه البحر المتوسط. ظلَّ القرم ضمن الأراضي الروسية حتى عام 1954 حين أعلن الزعيم نيكتيا خروشوف إلحاقه بأكرانيا في إطار دولة سوفيتية واحدة لا تعبأ بتحريك الحدود فيما بينها، خاصة إن كان ذلك التعديل مع أكرانيا التي ربطتها بروسيا علاقة خاصة ترتكز على العرق السلافي والثقافة والتاريخ المشترك. ففي أكرانيا وليس في غيرها ظهرت أول دولة روسية في القرن الثامن (م) واتخذت من "كييف" العاصمة الأكرانية الحالية مركزا لها. بل إن الاسم أكرانيا يعني بالروسية "عند الحدود" أي منطقة الحدود الروسية! ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، وكانت روسيا قلب الاتحاد وركيزته، انسحبت روسيا من مناطق نفوذها في أفغانستان، ومن الشرق الأوسط، ثم من مناطق شرق أوروبا، ثم من البلطيق بجمهورياته الثلاث، ثم من جمهوريات آسيا الوسطى، ومن جمهوريات ماوراء القوقاز أرمينيا وجيورجيا وأذريبجان، وانكفأت على نفسها وهي ترى حلف الناتو ينتشر بالتدريج ويطوّقها من كل تلك الجوانب التي كانت مناطق نفوذها ومصالحها الحيوية لعهد قريب. واكتفت روسيا بعدم المساس بعلاقتها بأكرانيا وبروسيا البيضاء لخصوصية تلك العلاقة. وبالنسبة للقرم اكتفت روسيا بمعاهدات أبرمتها مع أكرانيا نصّت آخرها وهي اتفاقية خاركوف عام 2010 على بقاء القاعدة البحرية الروسية في القرم حتى عام 2043 القابلة للتجديد بعد ذلك لخمس سنوات. إلا أن الانسحاب الروسي المستمر أغرى حلف الناتو والأمريكيين بالمزيد من الضغوط بهدف تطويق روسيا مباشرة عند حدودها الأولى. ومنذ عام 1992 أخذت أمريكا وإسرائيل تغذّي في أكرانيا أوكار التجسّس المسمّاة جماعات حقوق الإنسان والتشكيلات السياسية والعسكرية التي تاجرت بالنزعة القومية لجرجرة أكرانيا إلى طاحونة الاستغلال الرأسمالي العالمي، واستخدام أكرانيا لنشر بطاريات مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي على حدود روسيا مباشرة. 

وقد تصاعد النشاط الأمريكي الأوروبي لحرمان روسيا من القرم في اللحظة التي أدركت روسيا فيها - بعد تجربة العراق وليبيا - أنها باركت تلك الحروب لكنها خرجت منها صفر اليدين بينما ذهبت الأرباح وعقود النفط إلى جيوب الأمريكيين وحلفائهم. أدركت روسيا أخيرا أن الأصدقاء لا يراعون حق الشراكة، فأصبحت أكثر حرصا على مصالحها في سوريا وإيران. أما القرم فإنه يمثل التحدي الأكبر الذي تزول أو تستمر بسببه هيبة ووجود روسيا كدولة عظمى. ومن المستبعد رغم التصريحات النارية من موسكو وواشنطن أن تتطوّر الأزمة إلى حرب دولية، لأن موازين القوى العسكرية تنذر بخسائر فادحة على الجانبين. وسيبقى الحل السياسي حلا وحيدا إما برضوخ أمريكا والغرب لضمّ روسيا القرم إلى أراضيها والاكتفاء بعقوبات عديمة الجدوى، أو العودة لاتفاقية 21 فبراير التي وقّعها الرئيس الأكراني المعزول وزعماء المعارضة وتنصّ على الإصلاح الدستوري وتشيكل حكومة وحدة وطنية. والمؤكّد خلال ذلك أن التراجع الروسي غير وارد، بينما تظلّ الحرب الدولية رغم سحبها في الأفق مستبعدة.       

أحمد الخميسي . كاتب مصري

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.