3

:: لبنان روميو لحّود على (طريق الشمس) ::

   
 

التاريخ : 06/03/2014

الكاتب : ميشلين حبيب   عدد القراءات : 1958

 


 

 

 

يبدو أن للشمس طريقاً وقد وجدها روميو لحّود على مسرح كازينو لبنان. طريق الشمس هي نفسها طريق لبنان وطريق بيروت سيدة الشرق ولؤلؤته ولهذا وجدها لحّود ودعا الباقين إلى السير فيها. هي طريق تدوّي فيها صرخة تقول: "روحو صفّوا حساباتكم على أرضكم مش على أرضي" ودعوة للشعب المطمّش، مثل الخراف التي تتبع كل من يقلّد ثغاءها، ليستفيق.

 لم تختلف "طريق الشمس" في روحها عمّا عوّدنا عليه لحّود في كل مسرحياته الغنائية؛ الرقي ذاته والفن الرفيع ذاته متمثلاً بكل عناصر المسرحية من ديكور وأزياء وألحان وتمثيل. الديكور، قصر لبناني تراثي كثير القناطر وفي باحته بركة، رائع بتصوّره وتفيذه. الأزياء مدهشة؛ أبدعت بابو لحّود مثل العادة وربما تفوقت على نفسها هذه المرة خصوصاً بفستان زنبقة السلام المنفّذ برؤية خلاقة كبيرة تمزج بين الفن والرّقة والرقي. أما الألحان البديعة، التي ألفها روميو لحّود وجاد القطريب (الذي صدح صوته غناء خلاباً على مسرح كازينو لبنان) وبوغوص جلاليان، حملتنا إلى زمن أمل وجمال ودعمت الروح التراثية للمسرحية وتضمنت أغنية النهاية تكريماً للملحنين الكبار الأخوين رحباني، وليد غلمية، زكي ناصيف وبوغوص جلاليان.

الممثلون النجوم أبدعوا وتألقوا جميعهم كل في دوره وأدائه وغنائه. محترفين متمكنين، راقين ورائعين. إنهم مرتاحون وفرحون بما يقومون به، ملكوا خشبة المسرح وأسروا الجمهور.

 

السيدة الأسطورة

لم يدع روميو لحّود الزمن ينسينا بطلة أساطير مسرحه كلها. ربما الستّ بدور السيدة الأسطورة التي تذهب حيث يأخذها زمانها ويأتي بها أيضاً هي سلوى التي توقفت في الزمن وأوقفته، وبدور مثل سلوى أحبّت أرض لبنان ولم ترحل عنه إلا إلى موطنها الأصلي.

 المسرحية شاعرية وأدبية، تحتفل بالأسطورة والشعر واحترام الأرض والتراث وأمل المحافظة عليه. هي أيضاً سهرة لبنانية تراثية شاعرية راقية تذكّر بتاريخنا وإنساننا وكذلك هفواتنا. دبكتها لوحات تراثية، وكما دائماً، أشعلت ناي لحّود الحماس في الحاضرين مثلما كان مشتعلاً في الراقصين الذين أبدعوا.

دور المرأة مهم جداً في المسرحية فبطلتها امرأة ومخلّصتها امرأة وحاكمة الأرض فيها إمرأة. أما الرجال فمثّلوا الظلم واغتصاب الأرض والجشع والبطش. وبيروت هي ست الدنيا الفاتنة الذكية التي يتآمر ضدها كل رجل.

 

وقفة عنترة

عنترة بطلة المسرحية، الفنانة ميكايلاّ التي تألقت في دورها وأظهرت موهبة تمثيلية مميزة، هي فتاة وليس رجلاً، لا تحمل سيفاً وإنما مثل عنترة تحمل شعراً ولحناً وصوتاً غناّءً. عنترة وقفت وقفة (عنترة) في آخر المسرحية، وقفة يجب أن يقفها كل من يهمه أو قرر أن يمشي طريق الشمس، طريق الوطن الأسطورة الذي أصبح حقيقة أو الوطن الحقيقة الذي يصبح أسطورة.

 

صوت الضمير

هذه الفتاة الطرية العود، التي "تنوضر" بتوصية من سيدتها مترقّبة قدوم الست نسب التي لم تأت أبداً وإنما حضر كثيرون غيرها لم يكن ينتظرهم أحد، هذه الفتاة ذات الخبرة التي لا تتعدّى حدود القصر، كانت صوت الضمير وأظهرت حكمة وشجاعة لم يملكها أو يظهرها من هم أكبر وأقوى منها. سيف عنترة هو الصدق والوفاء والإباء وحب القصر.

ومثلها الست بدور (بياريت قطريب)، هي الحق الذي يحمل سيفاً يوخز به كل من يتجرأ على تهديد أرض القصر. فضحت خبث كل من أتى يُظهر شيئاً ويضمر شيئاً آخر؛ العثماني (وليد العلايلي) الذي أتى يحافظ على الأمن ويحمي الحريات ويفرض هيمنته التي ستقتل الحريات، والخليجي (جوزيف أبو خليل) الذي أتى يشتري الحضارة والسنين ويضم القصر إلى قصوره العديدة، والقنصل الفرنسي (عصام مرعب) الذي يريد أن يبني سوقاً تجاريةً هو في الواقع واجهة لمركز حربي، وتاجر الحرير اللبناني (جاد قطريب) الذي أتى ليثأر لأبيه الذي يجهل حقيقة مقتله، وسلّوم مدبر القصر (عفيف شيا) الذي يحمي ابن أخته الأعور المرتزقة (سيرج مناسى) الذي يقتل من أجل نفسه، لا يهمّه قصر أو أرض أو حرية أو وطن. وكلهم في سباق للاستيلاء على القصر. يتقاتلون وكأن الارض من حقهم وكأن سيدته غير موجودة فتصدمهم الستّ مرجان (فاديا عبود) سيدة القصر معلنة بشجاعة وحزم أن القصر ليس للبيع أو الإيجار أو المساومة، وتصرخ بهم قائلة: "روحو صفّوا حساباتكم على أرضكم مش على أرضي".

 

في انتظار غودو

يذكرنا انتظار أهل القصر للستّ نسب التي لم تحضر أبداً بمسرحية في انتظار غودو لصامويل بيكيت، لكن روميو لحّود استبدل العبثية بفعل وجودي وهو قدوم الست بدور التي لم يكن ينتظرها أحد وجعل من هذه السيدة الجواب والخلاص. لم تأت نسب التي كانت الست مرجان تنتظرها لأخذ النصيحة لأن سيدة القصر لا تحتاج إلى النصيحة وإنما إلى أخذ القرار. فأتت بدور وعلى عكس غودو حصل شيء ولم ينتظروا عبثاً.

 بالرغم من أن المسرحية هي دعوة إلى التمسك بتراثنا وعدم التخلّي عن هويتنا وأرضنا التي تُسحب من بين أيدينا ومن تحت أرجلنا، لكنها أيضاً صرخةُ يأس علّ أحدٌ يتذكر ويفعل شيئاً، صرخةٌ تدعونا في هذا الوطن أن لا نبقى منتظرين بل أن ننتفض مثلما فعلن عنترة وبدور ومرجان.

 "بشحطة قلم محيوا وطن محيوا علم" (من أغنية "هيدي الدني" غناء ميكايلاّ)، وبشحطة قلم رجّع روميو لحّود نفحة أمل. لمست المسرحية قلبي ربما لأنها مسّت وجع جرح الوطن الموجود في قلبي وقلب كل من يؤمن بلبنان ويتوق إلى رؤية وجهه الحقيقي وتراثه الغني المشرّف وليس ما آلت إليه الأمور من نسيان ولامبالاة.

في النهاية قال روميو لحّود على لسان بدور: "إلُن أربعة آلاف سنة بيروحوا وبيجوا" وأنا أقول يا ريت بيروحوا وما بيرجعوا أبداً. انشالله ما يكون القصر "انباع" وفات الأوان فتبقى الوطنية فكرة وذكرى لا أحد يريد أن يصدّقها أو يحترمها.

روميو لحّود.. أطال الله بعمرك وشكراً لك.

 

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.