3

:: ألمعلِّم ::

   
 

التاريخ : 11/03/2013

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1674

 


 

 

       اِخترتَ أن تكون معلِّمًا!؟ فأنتَ مَعْلَمٌ عَلَمٌ! أن تكون معلِّمًا؟ هو أن تكون رسولا، نحّاتًا، مثقَّفًا، قائدًا، موجِّهًا... فهل تستطيع؟ وإلاّ، فأنت خارج نفسِك، خارجَ المدى، خارجَ المدار.

       كان زمان! كانتِ الشّمسُ، فيه، تُشرِقُ على الكون من عينيك! كان القمرُ يُساهرُ العالم على نور ذهنِكَ! كانت الأزاهر تتلوّن وتتعطّر من سِحرِ بَيانِك! كان المستقبل يكبر ويسمو ويرتقي على وهج عواطفك وحبّك!

       واليوم؟

       ببساطة جارحةٍ وبصراحة مؤلمة، أنت لا شيء! لا شيء!

       مَن يحتاج، اليوم، معلِّمًا؟ مَن يتقبّل فكر معلِّم؟ مَن يَركُن إلى توجيه معلِّمٍ وإرشادِه؟ مَن يؤمنُ بحكمة المعلِّم وبُعدِ نَظَرِه؟ إذًا، فلِمَ المعلِّمُ؟ هل نحتاجُه، المعلِّم، نحن الّذين "نعلمُ" كلَّ شيء، "نعرفُ" أيَّ "عِلْمٍ"، أيَّ اختصاصٍ، فلا مجال لإضافة "معلومة" على "خزائن" معلوماتِنا والكنوز؟ أنحتاجُه، المعلِّمُ، نحن الّذين وُلِدوا "عالِمينَ"، "عارفين"، "كاملين"، لا ينقصُنا "شيء"؟

       وتاليًا، تبقى في "حقلِـ"ك، حقلِ التّربيةِ ــ الرِّسالة، حقلِ التّعليمِ ــ الرِّسالة، حقلِ بِناء الإنسان: جسدًا ونفسًا، مادّةً وروحًا؟

       ... وتبقى تتلقّى النِّبالَ، حتّى من "أهل البيت"! و"نِبالُ" أهلِ البيت "أشَدُّ مَضاضَةً على المرءِ، من وقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ"، على رأي (طرفة بن العبد) الشّاعر الجاهليّ "الصّعلوك". وتسترسلُ... كنتَ تحبُّ (طرفة) هذا. فقد كان شابًّا، فارسًا، مِقْدامًا، جريئًا، بطلا... لقد كان "فتًى" حقيقيًّا، بحسب ما تعنيه الكلمة، تلك الأزمان. وكان كريمًا، بمالِه، بعواطفِه، بنَخوتِه... كان، كما اعتقدتَ، تلك الأيّام، جُملةَ قِيَمٍ "قدّسها" الجاهليّ وطمح ليحياها! فكان "معلِّمًا"، وكان مِقدامًا، وجريئًا، غيرَ هَيّابٍ، لم يخشَ أحدًا ولا شيئًا، حتّى في مواجهتِه موتَه، وقد تقدّم منه بجملة إرادتِه ووَعْيِه! فهل كان "قُدْوَةً" لك، اليومَ، يا معلِّم!؟

       كيف يكون هذا، تسأل؟

       إنّ الأمرَ لَغايةٌ في البَساطة! ألا تواجِهُ، أنت، ويوميًّا، موتَك؟ إنّ الموتَ المعنويّ أكثرُ إيلامًا من الجسديّ! موتُك الجسديُّ، مرّةً إحدى يحصُل لك. تتعذّبُ، تتألّم، تئنّ، تحنّ، تستعرض عمرَك، عمرَك كلَّه، أمام عينيك، بلحظة وافرة، وقد تندم عليها... ثمّ... ترتاح. تموت، جسدًا، فليس بعدُ، من آلام، ولا تفكير، ولا أحاسيس... فراغٌ بفراغ! تفكّرُ في هذا وأنت "حيّ"، فإن متّ، زال كلُّ أمرٍ، وارتحت!

       لكنّ المسألةَ، معلِّمُ، هي في الموت الحقيقيّ، الموتِ الآخر، الموتِ النّفسيّ، الوِجدانيّ، الرّوحيّ، المعنويّ... هذا؟ تتعرّض له كلَّ يومٍ، كلَّ ساعةٍ، بل ربّما كلّ لحظة. فمَن يحترمُك؟ مَن يعلم قدرَك؟ مَن يقدرُ الحاجةَ إليك؟ مَن لا يرجمُك بأحجار الكلمات؟ مَن لا يبصقُ بوجهِكَ بسفاهات السُّخْر؟ مَن لا يرى إليك بفَوقيّةٍ غبيّة؟ مَن لا يعتبرُك خادمًا ذليلا له، لأولاده، ربّما للذُّرّيّةِ، أيضًا؟

       تعرفُ، أنت، أنّك تواجه هذا الموت، وتستمرّ تُغامرُ معلِّمًا يحاربُ تفاهة العالَم وغباوتَه وسُخْفَه وانحطاطَه... تُواجهُ وتخسر! تُعانِدُ وتخسر! (سيزيفُ) زمانِك!

       اَلأملُ مرضُك المزمِنُ النّاشبُ فيك لا إلى انطفاءٍ أو يَبَس. تأمل أن تُغيّرَ، تُصلحَُ تُرَقّي. تأمل أن تكون، حقًّا، "معلِّمًا". أن تكون كما تتمنّى وتشتهي، على صورة المعلِّم الّتي رسمتَها في بالك. تحاول الاقترابَ منها؟  صحيح! وتعرفُ أنّك تحاول مستحيلا! تؤمن، أنت، أنّ مَن لا يتحدّى المستحيلَ، يسحقهُ الواقعُ!

       ولا تنسَ، في عيدِك، يا معلِّمُ، كمّيّة ما في الصّدور من الحقد عليك! كيف تنسى والأمر "انكشف" في أثناء "إضرابِك" الأخير، والّذي لا يزال، في "شطْر" منك، قائمًا! اَلحقدُ من أين؟ من الجهات كلِّها! ممّن؟ ممّن "يُعايدونك" الآن: إداراتٍ، أهلا، "أماناتٍ" عامّة، والعامّة... إلاّ القلّة القليلة النّادرة من هؤلاء. إنّهم شواذّ القاعدة، ولكلّ قاعدةٍ شواذّها. بهم تستنير، يا معلّم، بهم تفرح، إليهم تأنس... وتستمرّ تعلّم أبناء النّاس... وتُحِبُّهم، كثيرًا تحبُّهم، وبصدق، وعميقًا، وبغزارة! حبّك يقويّك، وبالرّجاء يَمدّك!

       ... على أمل أن تنال بعض حقوقك في العيد" القادم، أستودعُك المحبّة، والسّلام!  

  

اَلأربعاء 6/3/2013

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.