جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون |
From site: http://www.jamaliya.com |
د. إياد قحوش | 02/01/2007 |
فيروز .. شاعرة الموسيقى وموسيقى الشعر، طفلة تتكلم في المهد ونار لا تحرق فيروز .. رسالةٌ بسملتُها حمَام الضّوء وتوقيعُها رفَّة ملاك فيروز .. عندما تغني تصمتُ الينابيع وتشْرد الكلمات وتصفِّق السماء فيروز .. شهقة الليل كلما رأى البدر والهطول الأخير
تقديرًا لعبقرية الرحبانييَّن في مدّ الفن العربي والعالمي بأنهار موسيقية ودُرر شعرية، سأحاول إلقاء الضوء، وقدر إمكانياتي، على دور الكلمة العامية والزجل الشعبي في حياة الفن الراقي الذي قدمته لنا فيروز. فأنا ابن بيئة جغرافية واجتماعية لا تختلف كثيراً عن بيئة الشعراء الذين كتبوا لفيروز كالرحبانييَّن وغيرهما. وأنا أيضاً مفتون بالشعر العامي و "أدَّعي" كتابته. تاركاً أمر الاهتمام بالموسيقى لأصحاب الشأن ألخِّص غايتي من هذه الدراسة بإظهار القيمة الأدبية لبعض القصائد التي غنتها السيدة فيروز، ومحاولة تسهيلها وشرحها لمحبي فنها، والناطقين بلهجات عربية مختلفة، يصعب عليهم أحيانا إدراك نكهة الزجل اللبناني/ الشامي والتمتع بجماله وبقيمته الإبداعية، ومن ثمَّ التذكير بأهمية الكلمة كحجر أساس يبنى عليه اللحن، ومعاً توصلُهما حنجرة الفنان الى القلوب. ستكون بداية مشوارنا مع أغنية مشوار، وكلماتها: مين قــال حاكيْتُو وْ حاكاني ** قـالو: شلَحْلي ورْد عا تخْتي مشـــــوار ** وْقالو: غَمَرْني مَرّتَين وْ شدّ ** كذبو!! مين بيْقول كِذْبُو؟ مين؟ مشوار .
الحياة مشوار، ومشوار الضيعة مليء بالحياة. فيه يتبادل العشاق رسائل الحب والأشواق، وأحياناً الورود واللمسات البريئة. لكنه دائماً جميل وينتظره جميع الشباب والصبايا منذ الصباح، وأحيانا كثيرة يندفع الشاب ليس فقط للاهتمام بفتاته خلال مشوار المساء، بل كثيراً ما ينتظرها على باب المدرسة كهذه الفتاة التي تحاول أن تنكر أنها كلَّمت حبيبها أو هو كلَّمها على طريق المدرسة. ها هي بذكاء العاشقة تجد حجَّة مقنعة لتوقفها وهي في طريقها لمدرستها، انه المطر، ولقد بلَّل فستانها وعلى أية حال لا تريد نفي ماتتمناه ألا وهو الحب، فتجد عذرا آخر وهو: شو هم كنا زغار. نعم حركاتنا بريئة هذا كل ما في الأمر، نعم نعم لا أنكر أني رافقته في الطريق ولكن ذلك لا يعني أي شيء. ومن ثم تتململ هذه العاشقة الصغيرة من نميمة الآخرين، الذين ادعوا أنه رمى بوردة على سريرها. وهنا تحاول أن تكذِّب الخبر، فسريرها أعلى من الطريق، كيف يمكنه فعل ذلك إذن ؟ وكيف عرف سريرها من سرير أختها والسريران في نفس الغرفة ؟ إنهم يؤلفون القصص عنا، وقد قتلهم الحسد. غير أنها لم تنف أنها قد تكون هي من أخبرته بأي السريرين خاصتُها. نعم أيتها العاشقة نعم، كلنا عشقنا يوما ونعرف أسرار العشق. هل تنكرين أنه ضَمَّك لصدره؟ الكل يتحدث بذلك. وماذا تتضمن همسات شباب وصبايا القرية هذه الأيام في مشاوير المساء ؟ الكل يوشوش بالضمَّتين .. كيف عرفوا ؟ وهل تظنين أنه يستطيع أن يخفي سعادته بهاتين الضمتين ؟ قد يكون طلب من صديق له أن يراقب المفرق خوفاً من أقربائك، ولما عاد اليه، فضحت عيناه السر. وها أنت تعترفين بضمة واحدة, فهل نبالغ اذا قلنا أكثر من واحدة ؟ وأنت ألم تكوني على أحر من الجمر للغرف من نعيم هذه الضمَّات ؟ لم تردعْه يدُك ولا هو تراجع .. انه الحب ياصغيرتي يسير بنا .. ومتى نطلق له العنان يفكر بطريقته، ويحلل بأسلوبه، ويجد المبررات والأعذار. إنك عاشقة ياصغيرتي، فهل تعترفين الآن ؟ ولست أدري ان كان حلمك ليلة أمس ورأسك ملقي على كتفه، أمنية تحققت أم أمنية تتمنين أن تتحقق ؟ لاتظني أبدا أنك وحدك تعرفين الاجابة .. فنحن أيضا نعرف أسرار الحب . القصيدة,”خبرية” تتحدث فيها هذه الفتاة عن قصصنا جميعاً بلسانها. يتجسد جمال القصيدة في أنها تتدحرج الينا بلغة سهلة لكن متينة, وبأسلوب شاعري شيق. ففي ليل نكران كل ما يقال عن عشق هذه الفتاة, يدور قمر الاعتراف خجولاً تارة وصريحاً تارة أخرى. تموج القصيدة على إيقاع “مستفعلن”, فتحمل خفَّة الموسيقى وثقل المعنى، فتبدأ “الخبرية” مع الشتي(المطر), وتمرّ على الوردة كأجمل رسالة من المحب, وتعرّج على “الضمة” التي تخطف الخط الفاصل بين الحب والمحبة, ومن ثم تقف بنا القصيدة على مشارف حلمٍ شفّافٍ عذب, إذ تضع الحبيبة رأسها على كتف الحبيب فيكتب الإثنان أبجدية الإنسان التي تترنَّح بين الأمس والغد, وبين السؤال والجواب. هكذا الحب عند فيروز الرحابنة, وردة وضمَّة وحلم ومشوار. هذا هو عالم شعراء فيروز المليء بالرومانسية والصادق حتى في كذبه, والعميق حتى وان طفا فوق مياه البساطة. حُبُّ شباب وشابات الضيعة, ذلك الحبّ الذي يعبّر عن عفوية ابن الضيعة والحارة, وعن براءة أصدقاء البساتين والحقول. أعود لقولي أن الحياة مشوار, لأننا نفعل ما تفعله هذه الفتاة كل يوم .. نركض نحو غدنا المحتوم, نحاول نكرانه, نعيشه, نفشي أسراره ثم نعترف به عندما يفاجئنا. |
Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=666 |