جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

لماذا لم يخرج من الإخوان أديب أو فنان؟


د. أحمد الخميسي
03/10/2017

 

 

لم يبرز أديب أو فنان أو موسيقي واحد من الإخوان المسلمين منذ نشوء الحركة الأدبية والفنية الحديثة في مصر مطلع القرن العشرين، أي منذ ظهور أول رواية مصرية "زينب" هيكل، وأول قصة قصيرة "في القطار" محمد تيمور، واشتداد عود المسرح والموسيقا بسيد درويش. حقيقةُ أن تاريخ الأدب لم يشتمل على اسم إخواني ليست نتاج عوامل طارئة إن تلاشت برز فنان إخواني، كلا، المشكلة ليست في ظرف اجتماعي أو تاريخي لكن في منهج الإخوان الذي استحال معه ظهور أديب من بينهم رغم وجود رابطة "الأدب الإسلامي العالمية". وقد حاول الإخوان أن يظهروا في الأدب والفن وأن يقوموا بدور في ذلك المجال، حتى أن حسن البنّا، مؤسّس الجماعة، كلّف شقيقه عبد الرحمن بالإشراف على نشاط مسرحي وكوّن عددا من الفرق المسرحية كان أشهرها "فرقة القاهرة". وعندما التقى حسن البنّا بالممثل أنور وجدي بالمصادفة في أحد البنوك عام1945 قال له وجدي: "طبعا أنتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي؟". فقال له البنّا: "يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عُصاة، فالتمثيل ليس حرامّا في حدّ ذاته، ولكنه حرامٌ إذا كان موضوعُه حرامًا. وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدّموا خدمة عظمى للإسلام إذا عملتم على إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعو إلى مكارم الأخلاق".

الإخوان يدركون أهمية الفنون لكنهم يعجزون عن أن يكونوا منها. وقد تبدّى هذا الإدراك مرة أخرى عندما فكّر حسين صدقي، وكانت علاقته قوية بالإخوان، في هجرة التمثيل، واستشار في ذلك سيد قطب، فقال له قطب: "إن الحركة الاسلامية محتاجة لفنٍّ إسلاميّ، وإنني أكتب عشرات المقالات.. وبفيلم واحد تستطيع أنت أن تنهي على ما فعلتُه أنا أو تقوّيه. أنصحك أن تستمر لكن بأفلام هادفة". رغم ذلك اعتزل صدقي السينما في الستينات وأوصى أبناءه بحرق ما تصل إليه أياديهم من أفلامه التي وصل عددها إلى 32 فيلما قام ببطولتها، وسهّل إحراق الأفلام أنها كانت من إنتاج شركة حسين صدقي!

الإخوان يدركون أهمية الفن والأدب وطالما أرادوا القيام بدور في ذلك المجال، حتى أن عبد الرحمن البنّا، العضو القيادي في جماعة الإخوان، وشقيق حسن مؤسّس الجماعة، كتب مسرحية "جميل وبثينة" وعرضتها فرقة الأخوان المسرحية عام 1934، وكان أخوهما الثالث عبد الباسط البنّا مؤلّفا لعدد من الأوبريتات تناولت قضايا تاريخية منها "مجد العروبة"، و"نشيد المبرّة" وغير ذلك من الهراء الذي لا يدوم.

سيد قطب بدأ ناقدا وكان أول من كتب عن نجيب محفوظ وروايته "كفاح طيبة"، ثم عن "القاهرة الجديدة"، وكان نجيب محفوظ على علاقة به، وحين خرج قطب من المعتقل عام 1965 زاره نجيب محفوظ وفاءً للصداقة القديمة لكنه صدم وكتب يقول: "تحدّثنا في الأدب ومشاكله، ثم تطرق الحديث إلى الدين والمرأة والحياة.. ورأيت أمامي إنسانا آخر.. حادّ الفكر.. متطرّف الرأي.. يرى أن المجتمع كافرٌ لابدّ من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقا من فكرة الحاكمية.. وماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلي تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصّب؟". اعتزل قطب النقد الأدبي، وأحرق حسين صدقي أفلامه، وكفّ عبد الرحمن البنّا عن كتابة الهراء المسرحي، ولم يظهر فنانٌ أو أديبٌ من بين الإخوان. هم أرادوا أدبا شرطَ أن يكون "أدبا إسلاميا"، وأرادوا فنًّا شرطَ أن يكون "فنا إسلاميا"، بينما لم تكن وظيفة الأدب في يوم من الأيام وظيفة دينية، لأن ما يهمُّ الأدب هو سلوك البشر الإنساني والوطني وليس انتماؤهم الديني في الأساس. أيضا لم يكن دور الفن هو الدعوة إلى "مكارم الأخلاق" كما أراد حسن البنّا، لأن الفنّ تصوير للحياة بأكملها وليست الحياة كلها "مكارم أخلاق" بل فيها الخطايا والذنوب والخمور والتائبين وغير ذلك من نقاط الضعف البشري.

يفهم الأخوان الدين من منظورٍ ضيّق جدًّا خاصٍّ بهم، ويقودهم ذلك إلى تصوّر الأدب والفن من منظور أشدّ ضيقا، لذلك يجدون أنفسهم أعداءً للفنون عامة ولا يبدعون فيها. وتنطوي الأديان السماوية دومًا على رسائل تشتمل على عظةٍ أخلاقية، ويريد الإخوان أن ينقلوا ذلك إلى الفن بحيث يحتوي على موعظة تربوية مثل الدين، لكن الفنّ لا يعرف الوعظ،، لأن له طريقا آخر للتأثير، أن ينقل إليك الحالة ويدع لك استخلاص الفكرة. لهذا يفشلون. والدين دعوة أخلاقية أما الفن فهو تشريح للأخلاق ولأسباب تدهورها أو تساميها، والدين خزانة القيم الانسانية العامة التي جعلت عامة لتصلح لكل العصور وكل البشر، أما الفن فإنه يعالج قيمًا بشرية محدّدة في ظرف اجتماعي وتاريخي محدّد.

مشكلة أخرى تعوق ظهور فنان أو أديب أخواني، أن الإخوان لا يرون الدين إلا من منظور الماضي، أحداث الماضي، ونماذجه، وبطولاته، بينما يعد استشراف المستقبل من صميم دور الأدب. أضف إلى ذلك كلّه أن التعصّب الديني يحجب عن الإخوان إمكانية الانفتاح على التراث الأدبي الانساني. والسبب الرئيسي في اختفاء أدباء الأخوان أن منهجهم يتعارض بحكم أدواته مع المناهج الابداعية، ومن ثم فإنه مهما عظمت موهبة أحدهم فإنه يعجز عن أن يكون فنانا، لأن الفن يستلزم رؤية أخرى غير التي تحكم تلك العقول المعتمة.  

 

د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=14251