جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

احترام التعددية والحقوق الخاصة هي المعيار للرقي الاجتماعي، الثقافي، الأخلاقي ونبذ العنف!!


نبيــل عــودة
17/07/2017

 

 

التعددية بتنوعها الواسع هي الوجه المميز للثقافة المرتبطة بالجماعات العرقية. يمكن أن يحدث هذا التعدد الثقافي عندما يتم إنشاء سلطة قضائية أو توسيعها عن طريق المناطق التي تندمج فيها ثقافتين او أكثر. أو عن طريق الهجرة من دول مختلفة كما هو واقع الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، استراليا، اسرائيل والعديد من الدول الأخرى.

بالطبع تختلف الثقافات والديانات اختلافا واسعا، ورؤيتي ان هذا الاختلاف هو إثراء ثقافي يجب ان لا يقود المجتمعات الى التصادم الثقافي او الديني او الإثني. ولا بد من إقرار نهج يحميه القانون أيضا، يشمل الدعوة إلى احترامٍ متساوٍ لجميع الثقافات والتعدّدات العرقية والديانات المختلفة في المجتمع، وانتهاج سياسة التشجيع للحفاظ على التنوع الثقافي، بحيث تؤثر على المناهج السياسية والقانونية التي تحكم المجتمع، ويجري تطوير خطاب ليبرالي ينسق العلاقات بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة كما هو محدد من قبل المجموعة التي ينتمون إليه، دون تجاوز حق الآخرين او التحريض ضدَّهم لاختلاف هوياتهم وعقائدهم.

ان تعزيز التعددية الثقافية هو أمر إيجابي للحفاظ على التميز الذي يحصل بين الثقافات المتنوعة والذي غالبا ما يختلف مع سياسات الاستيطان عبر نبذ حقوق السكان الشرعيين وعزلهم بطرق مختلفة منها العسكرية ومنها التمييز العرقي وفرض مختلف القوانين التي تعطي حقوقا غير محدودة لطرف ما على حساب طرف آخر، طبعا بالاستناد الى القوة الديموغرافية، الاقتصادية، والعسكرية، بل وتكريس المفاهيم الدينية، بغض النظر عن كونها تاريخاً او أساطيرَ لفرض السيطرة واقتلاع الآخر المختلف من ارضه وبيئته.

طوّرت السياسات والاستراتيجيات الحكومية المختلفة استراتيجيتين مختلفتين وعلى ما يبدو انهما غير متناسقتين ايضا.

التاريخ الإنساني واكب الكثير من المشاهد التي تتعلق بالتعدّدية وأساليب التعامل معها في إطار القانون او التثقيف العام، وهنا نجد اتجاهين استراتيجيين رئيسَين:

1.                                تركِّز الاستراتيجية الاولى عل التفاعل والتواصل بين الثقافات المختلفة، وهذا ما يعرف باسم التفاعل الثقافي.

2.                                تركز الثانية على التنوّع والتفرّد الثقافي الذي يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى التنافس والتصادم بين الثقافات والجماعات العرقية او الدينية المختلفة، وهي حالة العالم العربي وإسرائيل ودول عديدة أخرى، ويمكن القول انه بدل التنافس والمصالحة يتعمق الصدام والتمييز العرقي، ولا يخلو هذا النهج اطلاقا من صدام دموي مأساوي للجانبين.

إشكالية التعددية الثقافية في السياسة العالمية

أثارت إشكالية التعددية الثقافية أو تنوع الثقافات اهتمام العديد من المفكرين والباحثين من مختلف المجالات والتخصصات، كعلم السياسية والانثروبولوجيا* وعلم الاجتماع، بل وحتى النقد الثقافي، بين متفاعل لإيجابية هذه الظاهرة في المجتمع وتأثيرها على العملية السياسية، وبين متمسّك لسلبيتها وتأزيمها للأوضاع الاجتماعية.

*(الانثروبولوجيا- هي علمُ الإنسان. اي الدراسة العلمية للإنسان، في الماضي والحاضر، الذي يُرسم ويُبنَى على المعرفة من العلوم الاجتماعية، وعلوم الحياة، والعلوم الإنسانية. وقد نُحتت الكلمة من كلمتين يونانيتين هما Anthropo ومعناها "الإنسان" و Logy ومعناه "علم" وتعُرّف الأنثروبولوجيا تعريفاتٍ عدة أشهرها: علمُ الإنسان/علمُ الإنسان وأعماله وسلوكه./علمُ الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها./علمُ الإنسان من حيث هو كائنٌ طبيعي واجتماعي وحضاري).

ان تجاهل علم الانسان واستبداله بخرافات موروثة (لا فرق إذا كانت تسمى دينا او تسمى أطماعا او استعمارا) هو اندفاع في هوة لا قعرَ لها، يدفع بها الأبرياء ثمنا رهيبا. السؤال المقلق، هل من نهاية في عالمنا المعاصر، بكل تنوعه الثقافي والإثني والديني لنهاية ظواهر لا تمتّ لمجمل التطور الحضاري لهذا العصر، لكنها تعمق التباعد والعداء والخوف من المختلف، وتدفع عالمنا الى دوامات من العنف المرعب؟

ملاحظة أخيرة: لا أعتقد ان استنكار ما يرتكبه منفّذو العنف والتهديد بمواجهتهم وإبادتهم هو الحل، ما لم تُلغَ القاعدةُ المادية لنشوء الدافع لمئات آلاف الأشخاص، وربما الملايين، الذين وصلت بهم حالات اليأس الى أقصى أساليب العنف.

ما لم يجر البدء بتبنّي حلول عقلانية لا تعطي لمن لا يستحق ما لا يستحقه، ولا تحرم أصحاب الحق من حقوقهم، سيظل عالمنا مرتعا للعنف، وكل حديث عن اقتراب القضاء على تنظيم جعل من العنف أسلوبه، والتسمية لا تهمني هنا، سنجد ان تنظيمات العنف ستواصل النمو مثل الفطاريش وبعضها سيكون سام جدا، وهي ليست ظاهرة محصورة بتنظيمات دينية فقط!!

فقط بالحل العادل يمكن إنهاء ظاهرة العنف او تقليصها الى ادنى المستويات ، تلك الظاهرة التي شاهدنا أكثر أشكالها ألما ودموية، ومن يظن ان قنبلته الذرية هي ضمان مستقبله، يعيش بوهم قاتل!!

 

 nabiloudeh@gmail.com

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=14115