جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

كُلُّه جايِزْ.. في ثقافة الجَوايز!


د. أحمد الخميسي
17/06/2016


 

دعنا نتّفق بدايةً على أن كلَّ الجوائز وليس فقط جوائز الدولة المصرية شابتها ولازمتها شبهاتُ التحيُّز وترجيح كفّة الولاء السياسي، كما أن معظم الجوائز يستخدم لاستمالة الأدباء وتوجيه الحركة الأدبية. ليس أدلَّ على ذلك من نوبل، كبرى الجوائز التي – لسبب ما - تجاهلت عام 1901 عملاقا روائيا هو ليف تولستوي، وأيضا مارسيل بروست الفرنسي، وفرجينيا وولف. ولهذ رفضها البعض مثل برناردشو الذي قبل التكريم عام 1925 ورفض الجائزة المالية قائلا: "إنها مثل طوق نجاة يلقون به للشخص بعد بلوغه الشاطئ". رفضها أيضا الروسي بوريس باسترناك عام 1958، وجان بول سارتر عام 1964. أيضا فإن الجوائز لم تصنع كاتبا قط وإن كانت تساعد في تحسين أوضاعه الأدبية والمالية وترويج أعماله. وقد نقبل أو نرفض انحياز الجوائز سياسيا وفكريا على ضوء أن من يدفع النقود يستهدف إعلاء شأن وجهة نظره، وليس وجهات نظر الآخرين. بعد ذلك تراعي الجوائز كلها عدة قواعد بديهية ومفهومة من دونها تهبط قيمة الجائزة والفائزين بها إلى أسفل درك، وتفقد تأثيرها. من تلك القواعد- مثلا- ألا يتم منح الجائزة لمرشّح ورد اسمه في فضيحة رشوة مدوية! كما حدث في جوائز الدولة هذا العام بفوز د. ليلى تكلا أرملة نائب وزير داخلية سابق، أستاذة القانون، بجائزة النيل في العلوم الاجتماعية رغم استبعادها من قبل حين كانت نائبة في البرلمان بسبب فضيحة تورطها في تلقّي رشوة من شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية مقابل التوسّط لدى الحكومة لشراء طائرات من إنتاج الشركة! وقد نُشرت بذلك الصّدد عدة وثائق أمريكية!

أستطيع على مضض أن أتفهّم انحياز الدولة السياسي لكتّابها إن كانوا كتّابا، وعلمائها إن كانوا علماء، لكن هل نفدت أسماء الأوفياء فلم يبق سوى شخص متّهم بتقاضي رشوة؟. هناك أيضا قواعد أخرى بديهية منها عدم تفصيل شروط الفوز على مقاس كاتب بعينه! وإلا تحولت الجوائز إلى محلات تفصيل والمحكّمون ترزية. من البديهي أيضا، ألا يكون الفائز هو الحَكَم على عمله الأدبي! أي ألا يكون عضوا في اللجنة التي ترشّحه للفوز ثم عضوا في اللجنة التي تختاره!!

أتحدث عن جائزة القصة القصيرة التي بدأت بإعلان غريب في سبتمبر 2014 عن تخصيص فرع القصة لما يسمى "القصة القصيرة جدا"! في حينه لم نفهم السرّ في تخصيص المجلس الأعلى جائزته لشكل واحد من أشكال القصة في ظلّ تنوع أشكالها؟! خاصة إن كان شكلا فنيا مازال تحت الاختبار. لم نفهم في حينه التخصيص، إلى أن فاز بالجائزة أ. منير عتيبة عن مجموعته "روح الحكاية". المدهش أن عتيبة عضوٌ بلجنة القصة التي تختار المحكِّمين والفائز! فكأن عتيبة منح عتيبة جائزة أدبية! جدير بالذكر أن لعتيبة أعمالا أدبية أخرى منها "يافراخ العالم اتحدوا".

السؤال الآن هو: هل يمكن لأحد أن يحترم جوائز ينالها متورّطون في رشوة؟ هل يمكن لأحد أن يحترم جوائز يمنحها الحكام في اللجان لأنفسهم بأنفسهم؟ أم أن "كلُّه جايزْ في ثقافة الجوايز"؟.

يمكن للمؤسسات الثقافية أن تفعل ما تشاء، لكن عليها وهي تفعل ذلك أن تحترم عقولنا فتقدم إلينا الأكاذيب منمّقة. لكن كثير علينا أن يضاف إلى التزوير قلّة احترام عقولنا. 

د. أحمد الخميسي. كاتب مصري

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=13376