جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

حوار مع البروفيسور عبدالله الفيفي


هاجر نصري
20/03/2015

من قلب أوروبا النابض «بيان اليوم»

تحاور الشاعر وعضو مجلس الشورى السعودي

الأستاذ الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيْفي

حاورته ببروكسل: هاجر نصري

 

 

 

نظمت مؤخرًا جمعية ملتقى الفن المغربية ببروكسل حفلًا فنيًّا وثقافيًّا كبيرًا، بدعم من وزارة الثقافة البلجيكية بمناسبة مرور نصف قرن على تواجد الجالية المغربية ببلجيكا، حضره الشاعر البروفيسور عبدالله الفَيْفي عضو مجلس الشورى السعودي كضيف شرف، وكانت مناسبة أجرت فيها معه بيان اليوم حوارًا حول مشاركته وانشغالاته الفكرية، وفيما يلي نص الحوار:   

 

<  أهلًا ومرحبًا بكم  بداية عرّف القارئ المغربي بالدكتور عبدالله الفَيْفي؟

> مرحبًا بكم وشكرًا لكم.  أوَّلًا عبدالله الفَيْفي شاعر، ناقد، أستاذ جامعي، وعضو مجلس شورى. ولدت بمنطقة تسمى جبال فَيْفاء جنوب المملكة العربية السعودية، درست بجامعة الرياض، هي الآن تسمى جامعة الملك سعود.  ثم ذهبت إلى أمريكا وحصلت على شهادة في اللغة الإنجليزية والمهارات الأكاديمية. وأنا أَعُدّ نفسي أيضًا جزءًا من الشعب المغربي لأنني متخصص جزئيًّا في الأدب الأندلسي.


< لديكم عشق كبير للشعر والأدب، هل هو موهبة منذ الصغر؟

> في حالتي الشعر موهبة ووراثة، جدي كان شاعرًا باللهجة العامية، وخالي كان شاعرًا بالفصحى، وهو أستاذي في المرحلة الثانوية.  فهناك جانب وراثي، وهناك طبعًا تخصص علمي في الأدب، ولكن الأصل هو الموهبة.  الشعر لا يمكن أن يتعلمه الإنسان؛ لأن الشعر إحساس وموهبة تولد مع الإنسان.  منذ المرحلة الابتدائية وأنا أكتب الشعر.


< نلاحظ أنكم أستاذ وشاعر وناقد، وعضو مجلس شورى.. كيف توفقون بين كل هذه المهام؟ 

> في الحقيقة الإنسان يمكن أن يكون متكاملًا في نشاطات مختلفة.. ومن العقم، في رأيي، أن يحصر الإنسان نفسه في إطار ضيق.  طبعًا عملي في الشورى هو بترشيح، وأنا أعمل في لجان تتعلق بالثقافة والإعلام، وأهتم بالجانب الاجتماعي والحقوقي.  وهي مهام لا تنفصل عن مجال تخصصي إلا في آليات الاشتغال. وأنا ما زلت أعمل الآن في الجامعة، متعاونًا، وأشرف على رسائل علمية.  وأسهم في عدة منابر، وطنية وعربية وأجنبية، مثل هذه المشاركة ببلجيكا؛ ذلك أنني ممن لا يؤمنون- خاصة في المجال الإنساني- بالتخصص الضيق.


< لنتحدث عن حضوركم ببلجيكا والمشاركة في الحفل بمناسبة مرور خمسين سنة على تواجد الجالية المغربية ببروكسل، كيف جاءت الفكرة في المشاركة في هكذا تظاهرة؟

> حضوري إلى بلجيكا يعود الفضل فيه إلى السيدة الأديبة زهرة زيراوي.  وعلى الرغم من أن وقتي كان مزدحمًا، فقد أبيت إلا أن أحضر، واعتذرت عن عدة فعاليات في السعودية، لحرصي على المشاركة مع الجالية المغربية في هذا الحدث المهم.  الحضور الكريم من الجالية المغربية كان أكثر مما توقعت.  وفوجئت بالفعاليات المغربية ببروكسل، وبثرائها الثقافي والسياسي.  وهذه الجالية حقيقة قد أصبحت جزءًا من المجتمع هنا.  بل فوجئت أكثر بوزراء بلجيكيين من أصل مغربي.  وهذا شيء مفرح جدًّا.. يدلّ على أن هذا بلد متنوع، وفيه قابلية للآخر.  ونحن نتمنى أن يحذو العرب حذو المغرب في هذا النهج.  لأن الإنسان هو الإنسان؛ فإذا كان مبدعًا وملتزمًا بنظام البلد الذي هو فيه، وجب أن يكون له الحق في نيل مكانته.  لذلك أجدني جدّ سعيد بهذه المناسبة. 

ولقد لفتني حجم الجالية المغربية الكبير في بلجيكا.  إذ سبق لي أن زرت بروكسل قبل سنتين، فشعرت كأنني في بلد عربي، وأسعدني ذلك كثيرًا؛ لأن الجالية المغربية ببروكسل تمثل العرب والمسلمين في الغرب تمثيلًا جميلًا، والمغاربة المقيمون هنا ببروكسل إلى ذلك يقومون بأدوار وبمسؤوليات كبيرة، لينقلوا نيابة عنا صورة تفاعلية إنسانية وحضارية رائعة عن العالم العربي. 


< بعين الناقد هل من ملاحظات حول هذا الحدث؟

> ربما فاجأني أن معظم الكلمات في ملتقى الفن كانت تلقى باللغة الفرنسية، وليس هناك ترجمة لمَن كان مثلي لا يحسن الفرنسية.  في حين يترجم النص العربي إلى الفرنسية.  طبعًا أقدّر أن جل الحاضرين قد ولدوا ببلجيكا ولا يتقنون العربية، غير أن ثمة حضورًا لسفراء وأدباء ومفكرين من بلدان عربيّة يتكلمون العربية والإنجليزية فقط. وحضورهم سيكون غير فاعل، أو غير متفاعل، إذا لم تنقل إليهم المعلومات باللغة العربية.  فلقد ألقيت كلمات مهمة بالفرنسية حول تاريخ الجالية المغربية في بلجيكا منذ خمسين عامًا، وكان ينبغي أن تترجم للحاضرين من غير الناطقين بالفرنسية.  هذه هي الملحوظة الوحيدة التي يمكن أن أثيرها هنا، أمّا ماعدا ذلك فهو جيد.  ولعلّ من أكثر ما لفت انتباهي حضور الشباب والشابات بكثافة، والتفاعل مع الأجواء التاريخية والأدبية والفنية باهتمام. 


< بعين الناقد أيضًا، ما رأيك فيمن انتقد الاحتفال بمرور نصف قرن على تواجد الجالية المغربية ببلجيكا، في الظروف الراهنة حيث اعتبروا أن الشعوب العربية تعاني وتمر بفترة حرجة، ومنها أحداث سوريا مثلًا، إذ لا يجوز معها، في رأيهم، تنظيم بعض مظاهر الاحتفال كهذه، لأن الظرفية غير منسابة.. فكيف تردون على هكذا انتقادات تصدر بشكل عفوي من البعض؟

> ربما كان هذا صحيحًا إلى حدٍّ ما. لكن هذا الاحتفال ليس عرسًا، أو ملهى، لكي نقول إنه يتعارض مع هموم الإنسان العربي. بمعنى أن الاحتفال بمرور نصف قرن على تواجد الجالية المغربية ببلجيكا: ليس ترفًا ولا عملًا ترفيهيًّا زائدًا، بل على العكس، هو عمل ثقافي جدي وملتزم.  أنا مثلًا ألقيت في هذه المناسبة قصيدة حول الشام، وشعراء آخرون تحدثوا عن الوضع العربي، وحتى الفعاليات الغنائية والفنية تعبر عن الإنسان وعن همومه وتطلعاته للمستقبل.. بل لقد كان يفترض أن تقام مثل هذه التظاهرات في عالمنا العربي نفسه، وباستمرار، كي تعطي للمبدع مجالًا للتعبير عن موقفه ورأيه، وأيضًا لعل الكلمة تتيح مجالًا للتغيير وإيصال رسائلها التنويرية. 
نحن- على اختلافاتنا، سواء أكنا عربًا أم غير عرب- تجمعنا في النهاية مشتركات، ويجب أن ننظر إليها ونعززها فيما بيننا، ولا نترك الخلافات تفرقنا.  ولنأخذ بلجيكا مثلًا، كنموذج للدولة التي تقبل الاختلافات، وتقبل التداول على السلطة والمنابر.   وعدم التسلط على الشعب أو تسليط بعضه على بعض، وإن اختلفوا في الهوية أو الدين أو الرأي، فالحقوق الإنسانية واحدة.  وهذا النموذج هو ما نتطلع إليه في بلداننا العربية.  للأسف، مثل هذه الحريات في عالمنا العربي تنقص الكثير من المؤسسات والمنابر.  وعندما يأتي مثل هذا الحدث في بلجيكا فإنه أيضًا يعطي رسالة للعرب وللآخر.  فلماذا لا تستقطب في بلداننا العربية مثل هذه المهرجانات، التي تلمّ الشمل، وتترك مجالات للحرية في التعبير؟ بحيث لا تكون مجرد فعاليات شكلية، أو مناشط رسمية، تسوّق إعلاميًّا من أجل السلطة، في حين كان يجب أن تكون وجهًا للحقيقة، وفعلًا للثقافة والإبداع والأدب والفكر، بغض النظر عن الانتماءات المتباينة.  وعندئذٍ ستمثّل دعوة لالتحام الشعب العربي ولمّ شتاته على المشتركات، وحثّه على الإنتاج المعرفي والفني البنّاء.  هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن على المؤسسة الثقافية العربية أن تتعلم بأنها إذا بقيت منحصرة فقط في آلياتها التقليدية والمحدودة والمسيّسة، فإن المثقفين سيذهبون عنها إلى أجواء أكثر حرية ورحابة وإنسانية.  وتلك المؤسسات وأوطانها هي الخاسرة في النهاية، ولن يجديها توظيف الثقافة إعلاميًّا.  إن المثقف العربي إذا لم يجد في بلده الاحتفاء الذي يجده لدى الآخر، سينصرف عنه.  وهذا، مع الأسف، يؤدي إلى هجرات العقول المفكرة والعلماء المستنيرين من العالم العربي، بسبب القيود المفروضة والتضييق الشديد المضروب على الكلمة والرأي.


< نعود للحديث عن أعمالكم ما الجديد لدى الدكتور الفَيْفي؟

> حاليًّا لدي رواية تحت الطبع.


< حول ماذا يدور مضمونها وأحداثها؟

> الرواية تتحدث عن تجربة إنسان يسافر ويهاجر إلى أمريكا، ويمر بصدمات مختلفة وبمقارنات حضاريّة. لكنني لا أريد أن أحرق أوراق الرواية قبل صدورها. 


< طيب وعنوانها؟

> عنوانها كذلك أتركه إلى حينه.  لكنه يتعلق بنوع من الطيور؛ من حيث إن المهاجر يشبه الطائر المهاجر.  وهناك عمل آخر، وهو عمل شعري، يمثّل المجموعة الشعرية الثالثة لي، وهي أيضًا قيد النشر. وكتاب نقدي عن الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية، من مجلدين، سيصدر في هذا الشهر أو الشهر المقبل.  إذن جديدي يتمثل في عمل روائي، وشعري، وآخر نقدي.


< كلمة أخيرة من الدكتور الفَيْفي أو رسالة تريد توجيهها للجالية المغربية ببلجيكا وللعرب عموما؟

> الرسالة الأولى التي أوجهها للجالية المغربية: أنهم يمثلون البعد التاريخي للأندلس، التي مثلث العرب والمسلمين في أوروبا في الماضي، فهم يمثلون العرب والمسلمين في الحاضر بقارة أوروبا.  ورسالتي تنطلق مما أراه ضروريًّا جدًّا الوعي به، وهو الاستمرار على هذا النحو من الحضور والعطاء، ومواصلة هذا النهج الإيجابي الذي أوصلهم إلى هذا المستوى الراقي في نسيج المجتمع البلجيكي.

أما رسالتي إلى العرب عمومًا، فهي: أهميّة الابتعاد عن النظرة الدونية إلى أنفسهم، والاعتقاد أنهم أقل من الآخرين أهليّة إنسانيّة للرقيّ والتطوّر.  إن عليهم أن يثقوا بأنهم إذا عملوا إيجابيًّا، أمكن أن يصلوا إلى ما وصل إليه غيرهم، بل أمكن أن يتفوقوا، لأسباب كثيرة.  إلا أن علينا، في المقابل، أن نقبل الآخر، كما هو؛ بما أن لكل إنسان في هذه الدنيا وجهة هو موليها، وهو يبحث عن مصلحته، ويحاول أن يحقق مكانته، وأن لا يتنازل عن حقوقه.  فإذن لا يعقل أن نطالب الآخرين بما لا نطالب به أنفسنا.  من الضرورة الحتميّة أن نكون إيجابيين وفاعلين، وأن نبتعد عن الشعارات الفارغة التي أدت بنا إلى مهالك وأساءت إلينا في العالم.  نحن الآن- على سبيل المثال- نعاني عندما نسافر إلى بلد أوروبي ما لم نكن نعانيه من قبل. وهذا إنما جاء نتيجة لأعمال بعضنا التي لم تسفر عن شيء، إلا عن تشويه الصورة، والإساءة إلى الإنسان البسيط، الذي لا ذنب له، ولا ناقة ولا جمل في كثير من القضايا التي تحدث، فيقع تبعًا لذلك ضحية تلك الممارسات التي تقوم بها فئات ممن لا يتحملون المسؤولية ولا يقدّرون العواقب.  نتمنى أن نتعلم الدرس، وألا نعيد تلك الحماقات التي بدأت منذ الحادي عشر من سبتمبر الشهير، فجعلت الإنسان العربي يقع، ويتقوقع، في إطار معين.

كما يتعين على المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية العربية أن تلعب أدوارها التحضيرية والتربوية كما ينبغي، وبخاصة في هذه الجوانب المعاصرة، وتكثيف البرامج التوعوية والتثقيفية، لتصحيح الصورة السائدة، في الذهن العربي أولًا، ثم عن الإنسان العربي في العالم. ذلك لأن الطفل عندما ينشأ متشربًا الثقافة كما تربى عليها في مجتمعه، وفي أسرته قبل ذلك، سيكون ضحية ذلك الفساد، وسيصعب إصلاحه من بعد.  لا بد لنا من خوض غمار التغيير على كل الصُّعد- بدءًا من المستوى الأسري، تثقيفيًّا، وتعليميًّا- لكي يتغير الإنسان العربي، مدركًا أنه لا يمكن أن يصل إلى ما يريد بالعنتريات، وبالشعارات الجوفاء، وبالكلام المعسول الذي لا يزال يستدعي الماضي، دون أن يعرف حقائق الواقع وضروريات العصر.


< شكرًا لكم دكتور عبدالله الفَيْفي على وقتكم رغم ضيقه فنحن نعلم أنكم ستغادرون بعد قليل بروكسل، في اتجاه المملكة العربية السعودية، رحلة سعيدة إن شاء الله.

> شكرًا جزيلًا، وأنا سعيد جدًّا بهذا اللقاء مع جريدتكم "بيان اليوم" وباهتمامكم. وأتمنى، إن شاء الله، أن تصل العدوى إلى عالمنا العربي، لنكفّ عن أن ننظر إلى المغرب العربي وإلى المشرق كأنهما جزيرتان مختلفتان، بل نحن شعب واحد، إذا فرقتنا السياسة، فلا بد أن تجمعنا الثقافة.

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=12120