3

:: الصيحة الكورية المدوية (غانغام ستايل) ::

   
 

التاريخ : 14/12/2012

الكاتب : هــشـــام النـخلــي   عدد القراءات : 1346

 


 

حطمت أغنية (غانغام ستايل) الأرقام القياسية، وأصبحت الشريط الأكثر مشاهدة على موقع (يوتيوب)، وحقق المغني بارك جاي سانغ ذو الأربع والثلاثين عاما، والملقب فنياً بـ "بساي"، شهرة عالمية. فما أن تدس زر المذياع أو الساتل، حتى تسمع نغماته الصاخبة السريعة وصوته المدوي، وتراه يرقص رقصة الحصان الخفي التي جعلته ظاهرة هاته السنة بامتياز، وحوّلته إلى نجم مفاجئ. فما السر وراء الإعجاب بالأغنية من مختلف زوايا الأرض الخمسة؟ وهل هي بداية غزو ثقافي جديد يكتسح العالم؟ ما هي الدلالات العميقة التي يحملها شكل ومضمون الكليب؟

وجه أبيض، منتفخ ودائري، ذو ملامح شبيهة بكيم جونغ إيل، سمين البنية، أسود الشعر، ملمع ورطب الخصلات باللسيون، حليق الوجه، إنه الفنان الكوري الجنوبي بساي، الذي كان من أشد معارضي الحروب في العالم، وتحول من مدمر لمجسمات الدبابات إلى مفجر لأضخم قنبلة موسيقية احتفالية، تقّمص شخصية ثري من أثرياء حي غانغام، يستمتع بحمام شمس هادئ، فتنعكس على زجاج نظاراته السوداء (التي تخفي بريق عينيه) فتاة عاملة في مسبح الفندق، تقف أمامه تلطف عنه الجو بواسطة مروحة، مرسوم بداخلها شخصية كرتونية، وتمر في السماء طائرة مربوط في مؤخرتها شريط إعلاني يحتوي نفس الوجه الكرتوني، وبجانب الثري مظلة شمسية وردية تدل على الحياة الجميلة، وبجانبه طفل موهوب يقلد الرقصات المتمفصلة لمايكل جاكسون، أما الشاب الثري فيحرك يديه كرقصة فرعونية أو هندية، وفي الخلفية الورائية أطفال يستمتعون بالأراجيح، وامرأة ممسكة بولدها ورائها طبيعة ممتدة خلابة، تطل فوقها ناطحات سحاب كوريا المتحضرة، المتعطشة للمزيد من الرفاهية والتقدم.

يبث الثري لواعجه وحبه إلى فتاة هادئة وخجولة، تخبّىء شعرها الفاحم وراء باروكة رجالية، وتستر جسدها البلوري في لباس أصفر، يرقص لها لكنها تبادله رقصة قصيرة وتركب في سيارتها الحمراء، وتودعه بحركة خفيفة لأطراف أصابعها، لكنها تأتي إلى حي غانغام بمظهر مغاير،، فتبدو له أكثر إثارة من فتاة أخرى متبرجة، تلك الفتاة الخجولة تتحول ليلاً إلى أخرى، ينبض قلبها بالحب والشغف، ويصبح أكثر جمالاً وإشعاعاً. وهو أيضاً يـتأنق نهاراً، جلّ النساء ملك يديه، يحطن به كفراشات بيضاء، ذات اليمين وذات الشمال، لا يهمه كلام جرائد متكومة تذروها الرياح والثلوج، فهو تهمه إنسانة واحدة، يبحث عنها بالمجهر، لعله يجدها.

يجلس على أحد كراسي حمام السونا، وهو يضع رجلاً فوق أخرى، ويبين ملتقى فخذيه إثارة إيروسية، يريح رأسه على رجل بجانبه مرتخي النهدين كأنثى شامبانزي هرمة، وآخر واقف بجانبهما، موشوم الظهر بزخارف طلسمية، يؤدي رقصة من رقصات آشور، بعد ذلك يرتمي الثري في حوض الاستحمام الساخن، ليستمتع بدفئه وينظف نفسه، استعداداً للتأنق، ولقاء الحبيبة الغانغامية. ولما انتهى من الحمام، جلس وسيماً متأنقاً في إحدى حدائق غانغام العمومية، بجواره شيخان يلعبان الشطرنج، فاتهما قطار الشباب، ولم يعودا يفكران في دخول غمار مغامرات شقية منذ زمان، ذلك الرجل الثري يعشق أسلوب الحياة الباذخ، ويقف مذهولاً ويصرخ أمام مؤخرات الفتيات اللواتي يمارسن التمارين الرياضية، ولا يكسر روتين الهدوء القاتل نهاراً إلا في إسطبله، يمرح ويمتطي ظهور خيول الأطفال الخشبية، فداخل كل آدمي ناضج طفل مشاكس ومتمرد، يتدفق نشاطا وحيوية، ويرقص رقصة الحصان الخفي الوثاب.

يواصل بساي غناءه ويقول للفتاة بأنه يقاسمها نفس تصرفاتها: هدوء بالنهار، وصخب بالليل، فهو مثلها يحتسي القهوة اليومية، جدي في معاملاته وعلاقاته النهار، يمارس هواية التنزه بقاربه الفاخر وسط القوارب البجعية، التي تجعل من غانغام سيتي أقرب إلى بلاد العجائب، لكنه يصبح جميلاً ومحبوباً ومثيراً، ويطلق العنان لنفسه باللعب والترفيه، يصف نفسه بأنه شاب رزين ليّن الطباع مسالم ورقيق المشاعر، يعرف كيفية التعامل مع الجنس اللطيف، ويعد حبيبته بأنها ستكتشف شخصاً رائعاً، وسيصلان معا إلى نهاية سعيدة.

يستقل روميو الثري، الباحث عن الحب واللابس زيَّاً شبابياً، مترو الأنفاق فيكتشف فتاة جميلة شقراء في مقتبل العمر، صغيرة الصدر، كحيلة العينين، نحيفة مثل قضيب الرمان، ذات ساقين جبنيتين، تلتف كفراشة مزركشة حول عمود المنيوم الميترو مثل عارضات ستريب تيز، لقد وجدها، اقترب منها، ومد يده برفق إلى شعرها اللاهب، داعبها مداعبة خفيفة، رأى فيها رفيقة ليلته في الملهى، حيث أضواء الليزر الخضراء ترمي شباكها المتأرجحة في كل زوايا المرقص، فيصيبه الحب بحمى السبت، ويصبح جون ترافولتا، ويحرك يديه مثل جناحي نسر آسيوي ينطلق نحو قمم الدنيا، ثم ينزلق تحت الفخذين المرمريتين لرفيقته لأنه افتتن بها وسقط في حبال غرامها، واستطاعت هي بسحرها الأنثوي إحكام قبضتها على قلبه، وستناديه كما تنادي كل فتاة كورية على كهل ثري ثمل بحبها بـ"أوبا".

فعلا، إنه أسلوب الغانغام، طريقة أغنياء سيول المندمجين في وظائفهم ومشاريعهم، البارزين أمام المجتمع بأنهم عقلاء وجادون وقادة نهارا، والذين يتحولون مع حلول الظلام إلى متع قهقهات النساء وليالي الأنس وارتياد الملاهي الحمراء...

هناك تساؤل يطرحه الجميع: ما هي الكيمياء والمغناطيس اللذان استعملهما بساي ليحظى بهذه الشعبية الكونية؟ الأكيد أن الكليب هو فسيفساء من تقنيات هوليود واستعراضات بوليوود، وقطار سريع مزخرف بالألوان والأنغام وقصائد اللوعة التي تبين الإخلاص والصدق والورع والزهد بالنهار، وتكشف في الليل الكذب والنفاق واللهو والانبساط، هذا هو عالم اليوم، متأرجح بين الوجه والقناع... بين الحقيقة والوهم... بين الخيال والواقع... بين الميتوس واللوغوس... كما حافظ الكليب على أخلاقيات عامة وساير سلوك المعجبين المحبين لأسلوب الكليبات النظيفة من عري مخجل وتقبيل فاضح، وانتشار لدخان السجائر وسقي لكؤوس الخمر. هذا هو سر نجاحه جماهيريا، بالإضافة إلى أنه مزيج من موضة الستينات والسبعينات، وخليط توابل من موسيقى بوب وتكنو فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، مما أعاد الحنين لأجيال سابقة...

لقد افتتن العديد من قادة العالم برقصة الحصان الخفي، فقد أداها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، وعمدة بلدية لندن بوريس جونسون. وانتشرت الأغنية في العالم كالنار في الهشيم، لذلك قامت شركة ايسلاند للتسجلات بالتوقيع مع بساي لإدارة بريقه وانتشاره عالميا، وحصل هذا المغني الكوري على جوائز وأوسمة تقديراً لإبداعه الذي سحر الأذان والأعين، فهل- يا ترى- سيحافظ على الريادة،، أم أن بريقه سينطفىء لاحقا مثل ما حدث لظواهر قبله مثل سكات مان، والثنائي لوس ريوس، ولو بيغا، وتاركان، ودكتور ألبان، وديدجي بوبو وغيرهم من المبدعين السابقين...؟

إنها الصيحة الكورية الجنوبية المجلجلة التي زلزلت مزاج جارتها الشمالية وأرغمتها على إطلاق أول قمر اصطناعي في الفضاء، إنها طفرة حديثة ستعرف إقبالا نهما على الأفلام والمسلسلات والكليبات، وكتب المعرفة والأدب التي ستنشر الثقافة والقيم الكورية، وسيتدفق السياح نحو كوريا الجنوبية – وخصوصاً مدينة سيول حيث يوجد حي غانغام- وسيتأثر الأجانب بالمعمار والزي التقليدي، والأطباق الشهية المتنوعة، والتقاليد الكورية الضاربة في عمق التاريخ، صيحة ستبشر بعهد جديد، سيقول فيه السوبر مان الكوري كلمته، وسيدلو بدلوه في مسيرة الإبداع البشري.

هــشـــام النـخلــي

h.nekhli@yahoo.fr

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.