3

:: ما المشكلة من تحديد فترات الرئاسات الثلاث؟ ::

   
 

التاريخ : 13/11/2012

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1524

 


 

 

على ما يظهر أن الكثير من الحكام  والمسؤولين في البلدان العربية لم يستفيدوا من التاريخ وأحكامه العادلة بل يتجاوزونه بداء النسيان أو الغفلة التي يعتمدونها لكي يصوروا لأنفسهم أنهم خالدون أو باقون في مناصبهم إلى الأبد، من هذا المنطلق يقف البعض منهم بالضد من رأي وقناعات المواطنين، بان السلطة أو الكرسي يجب أن يكونا في خدمتهم وخدمة مصالحهم وليس العكس، وهذا ما يحدث غالباً فتكون الكوارث والفواجع التي تهدد السلم الاجتماعي وأمن وسلامة البلاد، هذا التشبث بالكرسي والمركز دليل على مدى الاستبداد والاستئثار وعدم قبول الآخر وحتى التجاوز على الدستور بتبادل السلطة سلمياً، وعلى ما يظهر ولأسباب عديدة في مقدمتها قصر نظرهم يرون في الثورات والانتفاضات التي حدثت في البعض من الدول العربية عبارة عن مرحلة انتهت بنجاحها النسبي ولا يفقهون أن هذه التجربة "البروفة" هي بداية الطريق للتحرك الاجتماعي والسياسي، فعمر الثورات لا تقاس بعدد السنين أو الشهور لأنها عملية ديناميكية تتفاعل داخلياً وخارجياً وتستمر في عمق وجدان الشعوب وعندما تنضج الدعائم تبدأ مرحلة أخرى في التغيير وهكذا وصولاً إلى التغيير التام والعام.

في العراق وبخاصة بعد الولاية الثانية للسيد نوري المالكي ظهر هذا النوع من التعنت والتشبث بالسلطة على الرغم من الفشل أصاب الكثير من مرافق البلاد وفي مقدمتها الخدمات والتضييق على الحريات ولمجرد الحديث عن تبادل السلطة سلمياً أو تشخيص النواقص والأخطاء وضرورة تحديد فترات للرئاسات ينتفض البعض ويصاب بالجنون فيخلط الأوراق بالادعاء وبالاتهامات الجاهزة وفي مقدمتها الاتهام بالتآمر والتبعية وتنفيذ أجندة أجنبية مثلما كان النظام السابق يتهم أية معارضة وطنية أو رأي مخالف، لا نعرف ما المشكلة في تحديد فترات رئاستي الوزراء والمجلس النيابي كما هول الحال لرئاسة الجمهورية في العراق؟ وهل التحديد سوف يحرم السيد نوري المالكي وائتلافه من حلمهم غير المشروع الهادف إلى البقاء أطول فترة ممكنة كرئيس للوزارء والهيمنة على السلطة! هل الفكرة التي تخمرت بأنه الوحيد المخلص والعادل والزعيم والقادر ولا يوجد مثيلاً لهُ؟ لماذا يتطير ائتلاف دولة القانون والسيد نوري المالكي من مناقشة تحديد ولاية رئيس الوزراء أو مجلس النواب أسوة برئيس الجمهورية؟ ولماذا يُعتبر التحديد ذو أهداف سياسية خاصة وكأنها شخصية أيضاً مادام الأمر يخدم تطور العملية السياسية والتخلص من روح التفرد والتحكم بالقرارات الفردية وهي ظاهرة للعيان وملموسة كلمس اليد للنار، فمنذ أن تولى السيد نوري المالكي ولايته الثانية جعل المنصب وكأنه ملك طابو يهيمن عليه، وخير مثال الاحتفاظ بوزارتي الداخلية والدفاع فضلاً عن استحواذات  أخرى شخصية وحزبية على العديد من المراكز في الدولة.

 إن التطير والتصريحات التي أعقبت تصويت اللجنة القانونية في البرلمان على مقترح يقضي بتحديد فترات ولايات الرئاسات الثلاث من قبل ائتلاف دولة القانون دون غيره يشير أن النية لدى ائتلاف دولة القانون والسيد نوري المالكي عازمة في القبض على السلطة إلى ابد الآبدين دون الاعتبار أن مثل هذه الأهداف لا تخدم العملية السياسية وهي بالضد من مصلحة البلاد وتطورها السياسي الديمقراطي اللاحق، ولعل تصريح النائب عن ائتلاف دولة القانون عباس البياتي العجيب والغريب يدل على هذا التوجه بدلاً من اعتماد الشفافية فهو يقول أن "دولة القانون ستلجأ إلى جميع الطرق القانونية في سبيل عدم تمرير هذا القانون لأنه غير دستوري" فإذا كان غير دستوري لماذا ينزعج وغيره ويباشر هجومه على القوى وهي غير قليلة تريد تقليص فترة الولايات الثلاث ولا سيما رئاسة الوزراء والمجلس النيابي، ويستمر البياتي في تصريحه فيؤكد أن"التصويت على  القانون داخل مجلس النواب لن يعني بالنسبة لدولة القانون نهاية الطريق لان القائمة لديها وسائل قانونية تلجأ لها في سبيل إبطاله في حال تشريعه" يعني كما يبان أن لا قيمة للبرلمان كأعلى سلطة تشريعية وهو "خريعة خضرة" ولا يستطيع تشريع أي قانون إذا لم يخدم أو يوافق عليه السيد رئيس الوزراء وائتلاف دولة القانون، ومع ذلك نتمنى أن تكون الوسائل القانونية تتطابق مع روحية الدستور التي تؤكد انتقال السلطة سلمياً وليس عن طريق الإغراءات والضغوط السياسية واستعمال لغة العنف مثلما حدث في العديد من المرات، وللعلم ولوضع النقاط على الحروف أن اللجوء إلى التحالف الطائفي ما بين ائتلاف دولة القانون والمجلس الإسلامي والفضيلة والتيار الصدري هو احد الأسباب الرئيسية التي  فرضت الولاية الثانية لرئاسة الوزراء  والذي شكل الأغلبية في مجلس النواب، والأغلبية لا تعني أنها ستبقى بالمطلق أغلبية لوجود حراك سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي غير خاضع للركود الكلاسيكي بل انه يتطور ويتفاعل مع الأحداث ويستطيع تشخيص علة  القبض على السلطة بيد من حديد وعدم التفريط بها وان كان ذلك باطلاً وبالضد من إرادة المواطنين ، والأغلبية الوضعية  بهذا الشكل ليست نهاية التاريخ ونحن نعرف والكل يعرف بما فيهم السيد نوري المالكي وائتلافه أن اللجوء إلى التحالف الطائفي بهذا الشكل هو الذي جاء به وحزبهِ إلى مركز رئاسة الوزراء، وعندما يستطيع الحراك الجماهيري  تصحيح المسار فنحن واثقون أن الشعب هو الذي سوف يصحح الطريق لان أكثرية المواطنين بالضد من التقسيم والتمايز الطائفي والاستئثار والهيمنة، وبسبب  تجربته مع نظام البعث بقيادة القائد الضرغام صدام حسين!! جعلته يدرك ما معنى التفرد والدكتاتورية.

إن اللجنة القانونية عندما أعدت مشروع تحديد ولاية رئيس الوزراء دفعت به إلى مجلس النواب للتصويت عليه وهي عملية ديمقراطية متبعة لدى الكثير من الدول ولأن اللجنة بالأساس قد صوتت عليه بالأغلبية كما ذُكر فلماذا يفسر ذلك وكأنها سياسة وبالضد من شخص رئيس الوزراء نوري المالكي! أم انه والبعض يعتقد أن إبقاء المنصب حسب المشيئة الذاتية والإرادة الفردية الضيقة وليس الأسس القانونية، وهذه حالة مخالفة للدستور، والا كيف يمكن ذلك وعلى حد قول النائب عن التحالف الكردستاني محسن السعدون "لو كانت مخالفة دستورية أو قانونية لما وقع عليها (133) نائباً من كل الكتل النيابية" ثم لو تم تحكيم أكثرية المواطنين والكثير من القوى السياسية العاملة ضمن العملية السياسية فإنهم سوف لا يطالبون بتشريع تحديد فترة رئاستي الوزراء والبرلمان فحسب بل الذهاب إلى انتخابات مبكرة للتخلص من هذه الحالة المزرية والأزمة المفتعلة التي تخدم بقاء الأوضاع على حالها وفي مقدمتها الفساد الذي ينهش بالاقتصاد والمال العام، فبالإضافة إلى قضايا الفساد الكثيرة والمعروفة ظهر جلياً على الرغم من تكذيب وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي بالوكالة ومؤتمره الصحفي وإشاراته حول عدم وجود قضية فساد... الخ قضية صفقة السلاح الروسي وفتح تحقيق اثر الشبهات بالفساد الذي كثر الحديث عنه وحتى اتهام البعض من أعضاء الوفد الذي رافق نوري المالكي بتوريط واخذ عمولات مالية تبلغ (155) مليون دولار حسبما نشر عن أن الرئيس بوتين هو الذي  ابلغ رئيس الوزراء العراقي عن الأسماء وكمية العمولة إذا تم تنفيذ الصفقة، ثم قيام الرئيس الروسي بإقالة وزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان على خلفية فساد قد تكون مرتبطة بقضية صفقة السلاح، أما قضية شراء "خيوط جراحية هندية الصنع فاشلة بمبلغ (83) مليون دولار من قبل وزارة الصحة فهي فضيحة أخرى تدل على الاستهتار بحياة  الملايين مما أثر بشكل سلبي على حياة المواطنين المرضى، هذا  جزء من فيض في قضايا الفساد، ولحد هذه اللحظة لم نشهد محاكمة حقيقية للفاسدين الكبار الذي يعيثون فساداً في مرافق الدولة، إلا يستحق ذلك القيام بتحديد الجناة وتقديمهم للقانون؟ ثم لماذا الذعر من قضية تحديد فترة الرئاسة والعويل بأنها غير قانونية؟ ألا يعني ذلك الخوف من مجيء من يكشف الخفايا التي بقيت في أروقة البعض من المسؤولين خوفاً من ظهور الأسماء وظلت سدودا للتخلف وعدم إنجاز المشاريع الحيوية وبقاء البنى التحتية في أسوأ حالتها بعدما أنفقت عليها مليارات الدولارات! ألا يعني الخوف من تقديم قضايا الفساد المالي والإداري إلى القضاء ومحاسبته وتجريم من يثبت إدانته فتكون الفضيحة قد وصلت إلى آخر المشوار.

ان قضية تبادل السلطة سلمياً ووفق أحكام الدستور يعتبر معياراً لجميع القوى السياسية التي تدعي الوطنية وخدمة مصالح المواطنين، ومن كان مخلصاً ونزيهاً لا يهمه ولا يخاف من تحديد فترات الرئاسات بل العكس عليه ان يشجعها ثقة بقادة العملية السياسية ووجود وطنيين مخلصين مثلما هو الحال، وليس الوطنية والإخلاص محتكرة على شخص أو حزب أو فئة معينة دون غيرها بل هي جامعة لجميع العراقيين المخلصين.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.