3

:: أَغَبيٌّ، أنا، أم صَبور!؟ (3) ::

   
 

التاريخ : 04/10/2012

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1906

 


 

 

          فعْلًا: أأنا، أعني المواطنَ اللّبنانيَّ العاديّ المسالِم المسكين... المواطن اللّبنانيّ القانع الصّالح السّاكت... غبيّ، أم صَبور!؟

          لست لأستحي بهذا التّساؤل! فأنا، منذ زمن، بتّ لا أعرف نفسي. لا أعرفني. أحاول. أحاول كلّ يوم، وكثيرًا من المرّات، ولا أنجح في الإجابة. ففي "عِلْمي" أنّني أكون قد "فهمت"، أو "عرفت"، فيتبدّى لي، بعد قليل، أو بعد كثيرــ قليل، أنّه "تهيّأ" لي أنّني... ولا أكون!

          أتصفّح جريدةً يوميّة "أطّلع" فيها على خبر بعينِه، ولمزيد من "الفُضول العلميّ"، كما أدرّس طلّابي، "أطّلع" على الخبر نفسِه في يوميّة أخرى، فيبدو لي أنّ "فهمي" قد طاش! كلُّ جريدةٍ تَسوقُ الخبر من "زاوية" محدَّدة، من "مصلحة" بذاتِها، من "رؤية" مُغايرة. فأيٌّ منها تنقل الخبر "الصّحيح" الموضوعيّ المجرَّد؟ أيٌّ منها تضعه في إطاره الحقيقيّ، بعيدًا من أيّة "غاية"!؟ "ألغاية"! وما أدراك ما "الغاية"! دينيّة، طائفيّة، مذهبيّة، حزبيّة، عقائديّة، وطنيّة، أُمَميّة، أميركيّة، إسرائيليّة، بريطانيّة، فرنسيّة، سعوديّة، قطريّة، مصريّة... إيرانيّة، سوريّة، روسيّة، صينيّة... وتركيّة... فأسأل نفسي: لِم ليس لبنانيّة، أو حقيقيّة، أو واقعيّة، موضوعيّة، علميّة، عقليّة... وهلمّ!

          و"يقتتل" النّاس. كلٌّ يؤكّد أنّ خبر "جريدته" هو، هو "الصّحّ"، والباقي، كلُّه، "غلط بغلط"! ويخرجون، هذا إلى دولابه، وذاك إلى سلاحه، وآخر إلى عصاه، وآخر إلى حجارته... و"يختلط الحابل بالنّابل"، فتضيع الحقيقة، ويَعْمَه الجميع، ويخترب الوطن! أهو وطنٌ، هذا "اللّبنان"، أم ممرّ، أم جسر عبور، أم طريق إلى... بالنّسبة إلى هؤلاء "الهؤلاء"!؟

          "أحضر" نشرات الأخبار على شاشات قنوات التّلفزة، كلّ ليلةٍ، فـ"أرى" الخبرَ عينَه، و"أسمعُه"، هو بذاته، على كلّ محطّة، بـ"لَونٍ"، بـ"طَعم"، بـ"رائحة". فكيف يُعقَل!؟ بل، كيف لا يُعقَل في هذه "المَقْتَلة" المُسَمّاة: "لبنان"!؟

          فنحن عندنا، بفخر، بانتشاء، بعناية، لكلّ حقيقة غيرُ وجه، غير اتّجاه، غير هدف، غير حقيقة! إي! فنحن قومٌ "خَلّاقون"! نسفح دماءنا من أجل "الحقيقة"، "الحقيقة" الّتي "نريد"، الّتي "نناضل" من أجلها، من أجل صَونها، إعلائها، الإعلان عنها، ورفعها شعاراتٍ تتبدّل، تتلوّن، تختزن الأحقاد كلَّها، والنّميمة كلَّها، والكذب كلَّه، والخبث كلَّه، والرّياءَ كلَّه... إلّا "الحقيقة"!

          نكون في مكان محدَّد، في ساعة بذاتها، ويحصُل أمامنا أمرٌ ما، واحد أحَد، فنروح نروي حدثًا يُشبه ما حدث، لا ما حدث بالذّات. فيصبح الحدث الواحد أحداثًا، وقد لا تشبه الأصل. نحن خَلّاقون! نسمع الخطبة نفسَها، باللّهجة ذاتِها، بالانفعال عينِه، فـ"نفهم"، كلٌّ على "ليلاه"، على مِزاجه، على ما يُريد أو يوحى إليه. فتصبح الخطبة خطبًا، وقد لا تشبه الأصل. نحن خَلّاقون! نقود سيّارتنا، ولو في الطّرقات العريضة، بما فيها من "جُوَر" و"مطبّات"، وما إلى جانبها من محالّ، وما فيها من مفارق، محاولين الالتزام بالقانون والذّوق وآداب القيادة وأخلاقها، فيطلع عليك "عتريس" ما، بزندين مفتولتين، وشاربَين يحطّ عليهما "أبو زريق" و"يزرق"، يُـ"جَومِسُ" وسط الطّريق، ويومئ إليك بإلزاميّة العودة إلى الوراء... يريد أن يمرّ ولو هو "عكس السّير"! خَلّاق!.. ويقطع سكينتك، في لحظة ما، في غفلة ما، "موكبٌ" ما، بما فيه من "مُصَفَّحات مُصَفِّحة"، تُطِلُّ منها أشباهُ رؤوس ميؤوس من فكرها، بما يشبه الوجوه، عابسة جائرة معتمة ظلاميّة تتحدّاك في عزّتك والكرامة، "تبخّ" بوجهك "كلمات ليست كالكلمات"، تتهدّدك تُهينك تُذِلُّك تُشير إليك كأنّك حيوانها الأليف السّاذج... وعليك أن "تختلق" لها الأعذار. فـ"الرّيّس" منشغِل بأمور البلاد، يعمل من أجل العِباد، والـ"زّعيم" على عجلة من أمره، يريد ألّا يتأخّر عن الاجتماع، يريد إعلاء صوته، فهو "منّا" و"لنا" و"يعمل" من أجلنا!

          ... مظاهر مظاهر... ظواهر ظواهر... حالات حالات... وأنت أنت! تبتسم تعبس، تضحك تبكي، تأمل تيأس، تبارك تلعن... تُصَلّي تشتم... تعرف تمامًا، أنت، أنّك لا تستطيع شيئًا، فأنت لا أحد، أنت لا شيء. أللّا أحد لا هُويّة له. إذًا فهو غير موجود. ألِغير الموجود رأي!؟ واللّا شيء نكرة. إذًا فهو تفاهة. ألِلتّفاهة احترام!؟

          وتستمرّ، أنت تستمرّ، "تفكّر"، تستمرّ "تعاين"، "تسمع"، "تشعر"، "تتذوّق"، "تتلمّس"، "تشمّ"... تحلم بأنّك "كائن" حيّ! بأنّك في بال "زعيمك"، أو "ريّسك"، أو "مسؤولك"، أو... صغيرًا كان، أم كبيرًا! تريد ألّا "تكتشف" صَغارتَك عنده. ألّا "تكتشف" كونك لست إلّا "صوتًا" انتخابيًّا ترفعه على كتفيك، يُعَفّر جبينَك بالذّلّ... وتظلّ تتبع! أستظلّ!؟

          حقًّا، يا أنا، أأنا غبيٌّ، أم صَبور!؟

4/7/2012

 

                                  

أَغَبيٌّ، أنا، أم صَبور!؟

(2)

إيلي مارون خليل

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.