3

:: دولة لبنان ودويلة حزب الله - سجعان القزي ::

   
 

التاريخ : 06/01/2012

الكاتب : أجرت المقابلة بولا أسطيح   عدد القراءات : 671

 


 

 

عبارة "استراتيجية دفاعية" لم تعد تنطبق على الواقع، بل

"اتفاق دفاع مشترك"

بين دولة لبنان ودويلة حزب الله.

 

هل تعتقد أن لبنان سيتأثر سنة 2012 بتطور الوضع السوري؟

ليس الانعكاس الأمني وحده ما يقلقني، بل الانعكاس السياسي لأحداث سوريا على لبنان. لقد تعرّض لبنان منذ سنة 1975 لأشرس حرب بسبب صراعات الشرق الأوسط. وتكبد اللبنانيون مختلف أنواع المآسي، لكنهم حافظوا بشكل أو بآخر على وحدة كيان الوطن وإن على حساب وحدة مؤسسات الدولة.

اليوم الوضع مختلف، فالخطر على الكيان قد يكون أكبر من الخطر على الأمن. ففي حال أنقذ السوريون وحدة بلادهم المهددة، من المرجح أن يحافظ لبنان على وحدته. أما إذا تعرّض الكيان السوري للانهيار فمن المستبعد ألا تبلغ عدوى التغيير نفسه الكيان اللبناني، لاسيما وأن قطار التغيير يعمّ الشرق الأوسط كله.

لكن قد يكون اللبنانيون قادرين بعد على إنقاذ لبنان، وسوريا أيضاً، إذا توحدوا وخلقوا ديناميكية وحدوية في الشرق الأوسط كخيار آخر عن ديناميكية التقسيم، وقدموا تجربتهم نموذجاً لتغيير الأنظمة من دون تغيير الكيانات. ولقد سبق للبنانيين أن لعبوا هذا الدور في أوائل القرن الماضي حين نقل السوريون بإشراف فرنسي تجربة الكيان اللبناني الجمهوري التعددي الموحد، بعدما كان الفرنسيون أعلنوا من حلب في 27 حزيران سنة 1922 قيام الفدرالية بين الولايات السورية (حلب، دمشق، جبلُ الدروز واللاذقية). وللتذكير، بعد الحرب العالمية الأولى، نصح الزعيم الإنكليزي ونستون تشرشل صديقه جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا آنذاك بإقامة ملكية في سوريا عوض الجمهورية، لكن الأخير، المؤمن جداً بالنظام الجمهوري، أجابه: لا أقبل بنظام ملكي حتى في سوريا.

 

هل القادة اللبنانيون قادرون فعلاً على القيام بهذا لدور، فيما يرفضون حتى الجلوس إلى طاولة حوار وطني؟

هناك فارق بين التمني والواقع. إن عملية الإنقاذ هذه تتطلب صحوة وطنية شاملة، بل تدخلاً روحياً يوقظ في اللبنانيين، قادة وشعباً، إيماناً وطنياً يتعدى الانقسامات الحالية. في السابق كان اللبنانيون طوائف متحدين في دولة، أما اليوم فقد أصبحت الدولة منقسمة بين طوائف، لا بمفهوم الحصص فقط، بل من حيث المربعات الأمنية أو السياسية الخاصة. وبالتالي، لا أرى في اللحظة الحالية القادة اللبنانيين مستعدين لاتخاذ مثل هذه المبادرة. في السابق كان مصير لبنان ككل مرتبطاً بالصراع العربي / الإسرائيلي، إما اليوم فكل طائفة ومذهب مرتبط بكل صراعات المنطقة وقضاياها. فالشيعة (حزب الله) رهنوا لبنان بمصير الثورة الإيرانية والهلال الشيعي والمواجهة بين الشرق والغرب، والسنة ينتظرون سقوط الهلال الشيعي العلوي وبروز الدور السعودي، والمسيحيون والدروز يتابعون بقلق الثورات العربية وتغيير الأنظمة وإعادة هندسة المنطقة بين الأكثرية والأقليات. وتجاه هذه المخاوف العامة، لا يبدو أي طائفة لبنانية مستعدة أن تتخلى عن أسلحتها أو أوراقها أو مواقعها أو مواقفها أو علاقاتها. وفي ظل هذه المعطيات لا يوجد أمل بنزع سلاح حزب الله، ولا بسقوط 8 و14 آذار. فسلاح حزب الله هو امتداد للسلاح الإيراني، والاصطفاف السياسي بين 8 و14 هو امتداد للاصطفاف الشرق أوسطي. وما لم تتبلور صورة الأحداث وهوية الأنظمة في المنطقة يصعب خلق قوة ثالثة منظمة وذات هيكلية ثابتة.

 

يعني أن انعقاد هيئة الحوار للبحث بالاستراتيجية الدفاعية مؤجل بانتظار كل هذه التطورات؟

بداية إننا نفهم القلق الوطني الذي يشعر به فخامة الرئيس ميشال سليمان والذي يدفعه إلى إيجاد الظرف الملائم لإطلاق حوار وطني جديد. ففي ظل الأوضاع الحرجة، طبيعي أن يسعى رئيس الجمهورية لدرء الأخطار بالوسائل التي تتيحها له صلاحياته المحدودة. لكن المفاجأة هي أن فريق 8 آذار الذي دعا إلى الحوار لدعم وجود حكومته، تحفّـظ عنه حين علم بجدول أعماله. فحزب الله يريد الحوار لتشريع سلاحه بينما المطلوب حوار لإنهاء ظاهرة سلاحه.

 

وبصراحة، نعتقد أن عبارة "استراتيجية دفاعية" لم تعد تنطبق على الواقع، ويُستحسن استعمال عبارة "اتفاق دفاع مشترك" بين دولة لبنان ودويلة حزب الله. فلم يعد حزب الله حزباً بل أصبح دولة، ولم يعد سلاحه مقاومة بل أصبح جيشاً. وفي هذا السياق كلمة حوار سقطت أيضاً ويجب أبدالها بكلمة مفاوضات. ويفترض بالدولة اللبنانية الرسمية، وليس الأطراف السياسيون، أن تجري هذه المفاوضات مع حزب الله.

لكن هناك حواراً آخر يمكن أن يحصل. وهو لقاء وطني سريع بين الأطراف اللبنانيين لتحييد لبنان عن الصراع القائم بين الأنظمة العربية والشعوب العربية. فبقدر ما نؤيد مشروع التغيير والإصلاح في العالم العربي، وندعم حاجة الشعوب للعيش في ظل أنظمة ديمقراطية ومدنية بالفعل، لا نعتقد أن لبنان قادر على تحمّل الانحياز العملاني لهذا الفريق أو ذاك. لا نقول ذلك عن جبن أو انهزام أو تخل عن دور، إنما لأن دور لبنان مختلف عن دور تركيا وعن دور حلف شمالي الأطلسي، وبخاصة تجاه سوريا.

 

لكن ألا يجدر بالشعب اللبناني أن يدعم بقوة نضال الشعوب ضد الأنظمة الديكتاتورية ومن أجل الديمقراطية؟

لو كان الشعب اللبناني موحَّداً حيال هذا الموضوع، ما كانت مشكلة التحييد لتطُرح، ذلك أن انقسام اللبنانيين يخيفني أكثر من أحداث سوريا. إذ أن كل الصراعات العربية والإقليمية والدولية دخلت إلى لبنان بسبب هذا الانقسام المزمن. من جهة أخرى، بقدر ما أعتبر أن الديمقراطية هي النظام المثالي، مشكلة لبنان مع محيطه ليست ناتجة عن طبيعة النظام الدستوري القائم فيها فقط، بل عن وجود أطماع توسعية لهذه الدول في لبنان، أكان نظامها ديمقراطياً أم ديكتاتورياً. صحيح أن الأنظمة الديمقراطية العربية تخلق بيئة تحصّن الديمقراطية اللبنانية، ولكن لا ديمقراطية في العالم العربي من دون ديمقراطيين.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.