3

:: مصانع إنتاج البلطجية ::

   
 

التاريخ : 11/06/2011

الكاتب : توفيق أبو شومر   عدد القراءات : 1529

 


 

 

من الآثار الجانبية الخطيرة للأحداث الجارية في العالم العربي، والتي لم تُرصد رصدا مكثفا تحليليا بعد، تَحّوُّلُ جنودِ وشرطة حفظ الأمن في كثير من البلاد العربية التي تشهد انتفاضات في هذه الأيام، إلى عصابات مسلحة تنتهك الأمن، وتُرِّوع المواطنين!.

 مَن هو المسؤول عن دفع الجنود -وهم حماة الوطن-  ليخلعوا أرديتهم العسكرية الطاهرة، ويلبسوا زي رجال العصابات والبلاطجة، ويُغيروا شعارهم من الشرطة في خدمة الشعب إلى الشرطة عدو الشعب، تغتصب النساء وتقتل الأبناء وتنهب الأموال؟!

 هل هم رؤساء العرب الذين قاموا بتربية بودي غارد الوطن، وجنوده المخلصين في دفيئاتهم الخاصة، وساهموا في جعل ولائهم لسادتهم ورؤسائهم مُقدَّما على ولائهم لأهلهم ورسالتهم الوطنية السامية؟

أم أن السبب يعود إلى طبيعة  بلاد العرب، التي ما تزال تعيش في شرنقتها القبلية على الرغم من أختام عصر العولمة على قشورها الخارجية؟

ما الذي يحول الجندي الشريف والشرطي العادل وقوات الأبطال المغاوير، إلى دروع مصفحة يضعها الديكتاتورعلى باب القصر يحتمي بهم من غضبة الشعب الثائر؟!!

أسئلة تشير إلى الخلل، ولكنها لا تعالج الواقع العربي المرير، فكثير من كليات ومعاهد تدريب الجيوش ورجال الأمن عند العرب، هي مصانع تتولى تشذيب أظافر المنتسبين لها، وتقوم بقص كل الزوائد الدودية الوطنية والثقافية منهم، وتستأصل من المنضوين تحت سقفها جينات العزة والإباء والإخلاص والوفاء للوطن، وتستبدل كل تلك الصفات بجينات الرياء، والنفاق، والغش والتدليس والقتل!

ويتولى مراقبون مختصون تابعون لبلاط السلاطين والحكام متابعة الخريجين، ويتحكمون في ترقياتهم ورواتبهم، ولا يرتاحون لهم إلا بعد أن يتأكدوا من تشذيبهم وتطويعهم وتوريطهم وترويضهم!!

 ويكون التوريط بالوسائل التالية، إما بتكليفهم بمهمات لقمع شعوبهم بتنفيذ الاعتقالات أو بالتعذيب في السجون او بالقتل والإبادة، وإما بإغراقهم بالمفاسد بدءا من المفاسد الأخلاقية، وانتهاء بالابتزاز المالي، بحيث يصبح مقياس الشرطي ورجل الأمن الجيد، هو كل من اعتاد أن يأخذ عمولات ورشاوى وتسهيلات، أو كان منافقا كاذبا دسَّاسا!

ولا يحظى بالترقية إلا كل من أعلن براءته من انتمائه الوطني، واعتبر نفسه متعاقدا كخادمٍ للسلطان.

ومن النتائج الكارثية لتدريب الشرطة والجيش في معاهد ومصانع الحكام الديكتاتوريين، أن كل الذين يُختارون منهم للالتحاق في تلك المعاهد، هم من المقربين لرجالات السلطة، أو من أقارب الرئيس وجماعته وأنصاره وأعوانه وقادة أمنه.

 كما أن رجال السلطة وسدنة بلاط الحكام العرب يتنافسون في إدخال أسرهم ومقربيهم إلى الجيش والشرطة، ويستبعدون ويعزلون المخلصين الأكْفاء، فتصير سلالات الخريجين من الجيش والشرطة مصابةً بالعاهات والأمراض، وأبرزها تأليه الحاكم وأتباعه، وإدمان تقديم الولاء لهم لإثبات إخلاصهم، حتى تصير رؤيتهم للأمور كلها بواسطة عين السلطان ومقربيه فقط، ثم ينغلقون على أنفسهم فيتزوجون من بعضهم ، ويتحول جيش وشرطة الوطن إلى (دفيئة إنكشارية) لإنتاج سلالات قامعة للوطن، لا ترى في أبناء الوطن سوى خدمٍ، لا تُسيِّرهم سوى الكرابيج وطلقات الرصاص.

 ويتبارى صفوة القادة من أقارب السلطان وأتباعه في تقسيم الجيش والشرطة إلى (إقطاعات) مستقلة ذات سيادة، لا تخضع إلا لمسؤولها الأول، بغض النظر عن انتمائها للشرطة والجيش الوطني، مثل السرايا، والأمن الداخلي، والقوات الخاصة، والحرس الجمهوري، والأمن الملكي، وجيش البادية والحاضرة، وأمن الوزارات والمؤسسات، وأمن الدولة ، والمخابرات العامة، والاستخبارات العسكرية.... وهكذا إلى  ما لا نهاية له!!

 ولكل قطاعٍ منها ميزانية خاصة، تكون في الغالب من إيرادات عمليات ابتزاز المواطنين، وينتقل رؤساء هذه القطاعات إلى خانة كبار رجال الأعمال، بعد أن يُحوِّلوا كل جنودهم إلى مدمني جمع أموال الابتزاز، ويحولوهم إلى مُطاردين لشعوبهم، وكلما أفلحوا في تعميق توريطهم، يتعزَّز ولاؤهم وسيطرتهم عليهم!!

إذن ليس من المبالغة القول بأن كلَّ مَن يُطلق عليهم لقب  (البلطجية) في الثورات العربية الراهنة، هم خريجو مصانع ( البلطجة) للديكتاتوريات العربية، وهم اليوم في كثير من دول العرب، أخطر بكثير على أمن هذه الدول من كل الأخطار الخارجية المزعومة، التي اعتاد ديكتاتوريو العرب أن يُخوِّفوا بها  شعوبَهم المقهورة!!

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.