3

:: قراءة في "رسالات" أنطوان السبعلاني ::

   
 

التاريخ : 03/05/2011

الكاتب : جماليا- بيروت   عدد القراءات : 2402

 


"رسالات حب كثار" عنوان واحد في كتابين من الحجم المتوسط، للنقيب أنطوان السبعلاني؛ أما المحتوى، فمجموعة من الأنواع الأدبية المختلفة، من الرسالة الى السيرة الذاتية، فالمقالة، فالقصة، وتحمل كلها هموما أدبية، وفكرية، وإنسانية مشتركة، ويتنوع فيها الأسلوب ويتموج بتنوع الأغراض وتموجها.
عبثا تفتش في "رسالات حب كثار" عن رسالة حب واحدة، كما لن تجد في كل من يراسلهم اسم امرأة واحدة؛ فالحب في الكتاب ليس العشق كما عند سواه من شعراء الغزل، إنه أسمى، وأعمق وأشمل. إنه شعور إنساني، يخرج الكاتب من نفسه ليتحول صدى لمشكلات الناس يحنو عليها بعطف، ويرق للشكوى، ويضمد جراح المعذبين، يؤاسي المحزونين، يفرح لأفراح الناس ويثور في وجه جلاّديهم، مدافعا عن حقوقهم.
إن شبكة المخاطبين في كتابي السبعلاني واسعة جدا. تذهلك كثرة الأسماء واختلاف المشارب، والمذاهب والمقامات. يكتب للوطن كما يكتب للمهجر، يراسل القريب كما يراسل البعيد، وأمامك تمر أسماء طلابه، وزملائه، كما يمر الشعراء والكتاب والصحافيون والمحامون، ويراسل رجال السياسة، وتنتقل من "بوسطجي الضيعة" لتصل الى شارل مالك فسليم الحص فعبد الناصر، لا فرق، كأن الكاتب وتر بل مجموعة أوتار مشدودة تؤالفها ريشة العازف الفنان.
أما المواضيع التي يكتب عنها، فرهن بمن يكاتب. إن حدّث نقابياً حدّثه عن النقابة، وعن الجهاد الذي كان يجمع بينهما. وإن توجّه الى أحد تلامذته القدامى، ملقيا الضوء على كتاب له أو رسالة، راح يناقشه بعمق ودماثة بعيداً من أي فوقية، أو ادعاء، متابعاً رسالة تربوية كان قد بدأها معه أيام المدرسة
رسائل السبعلاني كثيرة كثيرة، وهي، الا في ما ندر، أحادية الإتجاه، متنوعة المرامي والأهداف، ويجمعها الحب لا العشق، بأنبل معانيه وأسماها. إلا أن الرسالة ليست الغرض الأدبي الوحيد في الكتاب، بل هنالك أيضا المقالة التي تأتي تارة بقالب علمي، وطوراً بقالب أدبي شعري، ومرةً بقالب قصصي ومسرحي.
للمقالة أيضا لونها الخاص عند السبعلاني، فهو عقل منفتح على الأحداث، لا سيما الأدبية منها، بعيد كل البعد عن الأحداث السياسية؛ له في الشعر رأي وتساؤلات؛ وفي النقد الأدبي منهج ومذهب. ولا بد من الإشارة الى براعة الكاتب في إخضاع اللغة الى شتى أنواع البلاغة والبيان. أنه يجلد الكلمة ليخرجها من رحم المعاناة، مشحونة بدفق من الشعور العميق، والإحساس المرهف. التشابيه والاستعارات وكذلك الإيقاع، كلها عنده طريفة، مغناج، خالية من الصور المحنطة، والقوالب البالية.
مقالات السبعلاني لا تخلو من روح النكتة الظريفة، والفكاهة الذكية البريئة. هي قطع أدبية، موشحة بأبيات من عيون الشعر العربي، وثقافة انسانية واسعة، وتنوع في المواضيع؛ واتقان لأساليب البلاغة، تبكيك بغنائيتها، وتضحكك بظرفها. في الكتاب تفاصيل كثيرة ارتبطت بحياة الكاتب الشخصية، إلا أنه لا يرويها متتالية بل يلقيها مبعثرة، هنا وهناك، وما ذكرته منها كان ضروريا، لتفسير مواقفه، ومبادئه وملامح شخصيته.
في آخر كل من الكتابين بعض قصائد رثاء رائعة، يقطر الحزن بين أحرفها ليصل شغاف القلب من دون نواح أو ابتذال. قصائد رثاء، بل مناجاة تشبه الصلاة وترتدي عباءة الأسى العميق. لكنني لم أقاربها لإيماني انها تستحق دراسة خاصة بها حتى تستوفي حقها، النابع من أهميتها المتفجرة منها، ولأهمية هذا الفن الأدبي على صعيد الأدب العربي
أخيرا للنقيب الأديب أن يعنون كتابه كما يشاء، وهذا شأنه، إلا أن هذا العنوان لا يحيط بكل جوانب الكتاب، فهو ليس مجموعة رسائل فقط، وليس فيه رسالة عشق كما يوحي العنوان، إنه مجموعة من الأنواع الأدبية المتنوعة في كتاب واحد، فيه الرسالة والمقالة، القصة والمسرحية، والسيرة الذاتية، ولكل نوع من هذه الأنواع اسلوب يختلف عن الآخر: في الرسالة يخاطب المسؤولين لا الزعماء، من دون تزلف، شعورا منه بالمسؤولية، ويخاطب الأدباء والشعراء، كما يخاطب الأصحاب والأصدقاء برقة ومحبة ووفاء. في القصة يمسك عليك أنفاسك، ويضحكك ويبكيك في آن واحد
أما المسرحية فوسيلة اعتزاز شاعر بصحبه الشعراء، يحفظ عنهم شعرهم، ويرويه، بطلاوة الشاعر، وسحر الراوي. والمقالة مسرحه لإبداء الرأي والنقد، في الفكر والأدب والشعر، وفي السيرة الذاتية حنين الى الماضي، ووفاء، وشوق مضن لا يغرق في فنون البلاغة والبيان والمألوف من الصور. تتجلى قدرته الأدبية في جمع ألوان الأدب المتعددة في لوحة فنية متكاملة، تزدان بذاتية وجدانية، وخاصية طريفة، توقع أعماله بتناغم لا تشذ فيه نغمة.
لقد حققت "رسالات حب كثار" الغاية المنشودة من الأديب، في ارتقاء العاطفة وصفاء الوجدان والانغماس في عمل أدبي نقي. هذا عمل أدبي يستحق أن تزدان به خزانة الأدب العربي في مطلع هذا العصر.

جوزف حالوت  


نقلاً عن جريدة النهار البيروتية 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.