3

:: الانتفاضة العربية والمؤامرة ::

   
 

التاريخ : 28/04/2011

الكاتب : توفيق أبو شومر   عدد القراءات : 1824

 


أصبحت التحليلات السياسية طبقاً شعبياً شائعاً في أوساط الجمهور العربي، بعد أن تمكنتْ القنواتُ  الإخبارية العربية من فرض سطوتها علينا!

ونظراً لهذا الطغيان الإعلامي، فقد انتفتْ المفاجآت، ولم يعد بوسع أحد أن يفاجئ غيره بأي خبر، فالكل يتابعون أولاً بأول كلَّ ما يحدث.

وكثُر ظهور المنجمين السياسيين، وتعددَّتْ فئاتُ المحللين وفقهاء السياسة، فيما يحدث من تغييرات في العالم العربي.

 فمنهم من ينسب الأحداث الجارية اليوم في العالم العربي إلى رغبة العالم العربي المقهور المظلوم في التغيير، وحقه في الحصول على حكامٍ آخرين أوفياء صادقين مخلصين، لا يعتنون ببناء السجون ومراكز المخابرات أكثر من عنايتهم ببناء مؤسسات الرفاه والفنون.

ومنهم من يُرجِع الأحداث في العالم العربي إلى طبيعة المجتمع العربي، طبيعته كمجتمع قبلي ديني، يُرسِّخ الطاعة العمياء لكبار السن والشيوخ والأئمة والمخاتير بغض النظر عن مقدار وعيهم، وما يتبع ذلك من التقصير في حق الشباب وإهمالهم.

ومنهم من يُرجع السبب إلى حالة الوعي التي أنجبتها وسائل الاتصال الحديثة، وجعلت التواصل بين أي فرد في بلادنا وآخرين في بلاد أوروبا، أقربَ من التواصل بين الشاب وأبيه وأمه في منزلهما!

 ومنهم من يشير إلى أن السبب الرئيس يعود إلى الفقر والفاقة، فالدول العربية غنية بمواردها الطبيعية والجغرافية،أما الشعوب العربية فهي فقيرة، وحكام العرب من أغنى أغنياء العالم، أما شعوبهم فهي الأفقر.

أما من يرغبون في أن يكونوا مميَّزين في مجال التحليل السياسي، فإنهم يقومون برفض كل التحليلات السابقة، فيُرجِعونَ أسباب الانتفاضات العربية إلى (نظرية المؤامرة) فيشيرون بإصبع الاتهام لأكثر المتهمين في العالم القديم والحديث شرا وإفسادا (الموساد)، ويسردون قدرات هذا (الغول) على قلب كل أنظمة العالم لخدمة اليهود اقتصادياً وتجارياً!

إن كل التحليلات السابقة قابلة للتصديق، لأن السياسة هو العلم الوحيد المتغيّر، غير القابل للتأطير بسبب قدراته الهائلة على الانتقال السريع من النقيض إلى النقيض، فهو مجموعة من الخطط والألعاب، وهو أقرب إلى الرياضات، منه إلى العلوم الأكاديمية المعروفة!

            والحقيقة إن ما يجري اليوم في العالم العربي، هو بداية صحوة شعبية عربية، بعد أن تمكنتْ الديكتاتوريات العربية خلال عقود طويلة من تكميم أفواه الشعوب العربية، بالقمع والحصار والقهر، ونقلتْ الشعوبَ من معركة خاسرة إلى معركة خاسرة أخرى، في الوقت الذي ينعم فيه الحكامُ وأبناؤهم بثروات البلاد وخيراتها.

الحقيقة أن الشعوبُ العربية قد استيقظتْ من سباتها الطويل واستعادتْ قدراتها على التغيير بفعل التواصل الإعلامي، وأصبحت قادرة على أن تُقارنَ أحوالها بأحوال الأمم المحيطة بها، وأصبحت ترى صورتها في مرآة إعلامية واسعة، تضم كل دول العالم، فقد رأت شحوب وجهها وضيق حالها، بينما يسعد الآخرون ويَهْنَئون ويعيشون حياة الرفاهية على الرغم من قلة الموارد عندهم إذا قورنت بمخزون الموارد الهائل في العالم العربي.

 واهتدتْ الشعوبُ العربية إلى أن ثروات الشعوب والأمم لم تعد تُقاس بمساحات البلدان الجغرافية، بل هي الثروات الكامنة في طاقاتها البشرية الشبابية، وأن نهضة الدول تُقاس بمقدار استغلال عقول وإبداعات الشباب والاستفادة من مواهبهم، وتوظيف قدراتهم وإبداعاتهم لركوب قطار المستقبل.

 فالرهان في عالم اليوم ليس على المخزونات الإستراتيجية من المعادن والنفط، ولا على مخزوناتها من شعر الفخر والمدح والحماسة، بل إن الرهان الأساس هو رهان يقاس بموازين أخرى، منها ميزان الإسهام في إغناء الحضارة بالأفكار والنظريات والمنظومات الشعبية المختصة بالتثقيف، والإسهام في إبداع مفاهيم جديدة للحياة بتطويع منظومة التراث والعادات والتقاليد لتوافق الثورة التكنولوجية، مع الاحتفاظ بالأصالة.

ولا يمكن أن نربح الرهان إلا بالتمرد على المقررات المدرسية الحشوية الجامدة، وكل ذلك أيضا لا يمكن إنجازُه إلا في بيئة ديمقراطية، تحترم الإنسان، ولا تعتبره كَمَّا زائدا عن الحاجة.


 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.