3

:: لبنان الاول في الوعي والاخير في القدرة على التقدّم ::

   
 

التاريخ : 15/03/2011

الكاتب : بطرس عنداري   عدد القراءات : 1423

 



طرح زميلنا شوقي مسلماني الصوت داعياً اللبنانيين بطلائعهم الفكرية والمستنيرة الى انتفاضة ضدّ النظام الطائفي المتخلّف المتشبّث برقاب وعقول اللبنانيين منذ قيام دولة لبنان عام 1920

 

ولا شك ان دعوة الزميل شوقي وتمنياته انبثقت عما شاهده من ثورات شعبية حقيقية في حوالي عشرة بلدان عربية أدت الى الإطاحة السريعة بنظام دولتين واهتزاز الارض تحت أكثرية الأنظمة العربية.

لقد هزت المفاجأة - الصدمة وعي الانسان العربي الذي أمضى قرناً ونصف القرن مصلوباً بين الأمل واليأس الى ان تغلّب اليأس في مطلع الألفية الثالثة وتم الاستسلام للذلّ بعد الهزائم المتكررة وضياع فلسطين واجتياح وتدمير العراق وسط صمت عربي شامل وتشرذم المقاومة الفلسطينية وتطويق المقاومة اللبنانية عربياً وعالمياً ولم يعد للإنسان العربي اي تطلّع الى آفاق التفاؤل وأصبح انتظار الأسوأ جزءاً من الحياة اليومية كالماء والهواء.

ومع بزوغ بشائر الثورات العربية التي بدأت من تونس كثرت التحاليل وتهافت المفكرون الى إعطاء آرائهم وتوقعاتهم وقد تذكر الكثيرون قول الفيلسوف اللبناني المعاصر نسيم طالب في كتابه «البجعة السوداء» الصادر عام 2007 حيث يقول:

«ان عنصر المجهول في التاريخ هو أكبر بكثير من الأمور المرتقبة. اي انه يمكن تفسير التاريخ بعد حصوله».

وهكذا بدأ عصر عربي حديث بعد 25 كانون الثاني يناير 2011 وأجمع منظرو الأمة على انّ العرب كانوا من أهل الكهف قبل هذا التاريخ. لقد تحرك الشباب من أدغال موريتانيا الى رمال حضرموت وظفار والبحرين مروراً ببلدان المغرب والمشرق ووادي النيل. وهنا ازدحمت ساحة المفكرين بالإقبال على تفسير الأسباب التي فجرت الساحات لتصحّ نظرية نسيم طالب.

ولكن الذي يؤسف له هو إجماع كبار أهل الفكر في لبنان على ان الوطن الصغير بحجمه وشعبه والكبير بوعي أبنائه سيكون آخر الأقطار العربية في مجال التغيير نحو الأفضل. هذه آراء المفكرّين غسان سلامه وجورج كرم. اما الصحافي البارز نصري الصايغ يقول في مقال عنوان: العالم يتغيّر.. الاّ نحن ما يلي: «الفساد في لبنان منتشر، دين السياسة اللبنانية مؤلف من أقانيم الفساد والطائفية والوراثة، من يتجرأ على المساس بهذه الأقانيم الثلاثة؟».

لقد تحرّك قسم من اللبنانيين ورفعوا أصواتهم مطالبين بإلغاء الطائفية ولكنهم ضدّ اعتماد العلمنة، وهذا مثل ان تكون شيوعياً وتلعن ماركس ولينين. وتحرّك قسم آخر معلناً ان «ثورة الارز» هي ام الثورات وقد تعلّم أهل تونس ومصر منها كيف يثورون ويجابهون دون أية إشارة الى ان حسني مبارك كان الحليف الداعم لهذه الثورة مع خادم الحرمين الشريفين.

هل هذه الادعاءات او هذه التناقضات تصلح ان تكون مثالاً يحتذى به ام ان انتخابات الملياري دولار حفّذت «التوانسة» على ثورة الياسمين وحرضت بهيّة على استقدام طوفان النيل؟..

ان التركيبة الطائفية الاستغلالية للمجتمع اللبناني أخضعت أهم نخبه فريسة الغريزة الى حدّ حوّل إمكانية التغيير أمراً مستحيلاً. هذه التركيبة الطائفية النادرة لا تعطي لزعماء الطوائف الروحيين وزناً يوازي نفوذ السياسيين الى حدّ نكاد فيه لا نشعر بأي أهمية لرجال الدين وربما تكون هذه الأهمية ثانوية في أفضل الأحوال.

ان المحاصصة الطائفية في لبنان يتناتشها الزعماء السياسيون ولا دور او حصّة لأي زعيم ديني في تشكيل اي حكومة او اختيار النواب والمرشحين.. وهذا يعني ان الفساد او العلّة المزمنة تكمن في الطبقة السياسية التي تحتمي بالغطاء الطائفي وتستغلّ اسم الطائفة متذرعة بالغيرة على مصالحها وحجم تمثيلها.

هل سمعنا مرة او قرأنا عن زعيم طائفة دينية في لبنان رفع صوته رافضاً تركيبة حكومية؟ هل تمت استشارة اي بطريرك او إامام في أمر تشكيل حكومة او تعيين موظف درجة اولى؟... السياسيون هم أسياد الطوائف والمتاجرون باسمها ورجال الدين يساندون هذا او ينتقدون ذاك وفق المصالح والمزاجات.

لقد كتب على اللبنانيين ان يكونوا النخبة في الوعي القومي والوطني ولكن حرّم عليهم ان يتذوقوا طعم الانتصارات وان يحتفلوا بنجاح الانتفاضات لأسباب التشابك الطائفي مع الفساد السياسي. وقد يكون تحوّل لبنان الى منابر إعلامية للدول العربية لتصدر الصحف والمجلات وتطلق الفضائيات لحماية أنظمتها ترك ثقافة عامة هي ثقافة الارتزاق وهذا ما حرم لبنان من طاقات فكرية وثقافية حجبها الغبار المادي.

اننا لا نحاول ان نقول للزميل شوقي ان الأمل بعيد وعلينا ان نستسلم لأننا لا نقدر ان نستبعد وننفي نظرية طالب عن ان العنصر المجهول في التاريخ هو أكبر بكثير من الأمور المرتقبة.. ونحن تحدثنا فقط عن الأمور المرتقبة ولسنا ندري ما يحمل لنا الغيب في وطن التناقضات متمنين ان يداهمنا «المجهول» كما نحلم ونبتغي.

 

 

 
   
 

التعليقات : 1

.

16-03-2011 05:0

dr.bishara@hotmail.com

د. روفائيل بشارة

لبنان بلد كبير بمفكريه، لكنه صغير بحجمه وسياسييه


 

   
 

.