3

:: هل هم أقليات؟ ::

   
 

التاريخ : 06/03/2011

الكاتب : توفيق أبو شومر   عدد القراءات : 1754

 


 

 

كثيرا ما كنتُ أتساءل:

 هل كان تعامل العرب مع فسيفساء المجتمع العربي من غير العرب تعاملاً واعياً ومدروساً، أم أنه كان عشوائياً يخضع لأهواء الأمراء والقادة والمصالح السياسية الحزبية الضيقة؟

إذا عدنا للتاريخ العربي القديم فإننا سنجد بأن عصور الازدهار العربية كانت مرتبطة بظاهرة التلاقح بين الجنس العربي وغيره من الأجناس الأخرى، فقد شهد العصر العباسي والأندلسي قمة الازدهار والتوسع والرفاه، وانتعش في العصرين السابقين الفكرُ الفلسفيُّ والإبداعُ الأدبي كذلك، ولا يعود السبب الرئيس لهذا النبوغ إلى العبقرية العربية وحدها، ولكنه يعود كذلك إلى التلاقح الفكري بين العربي وغير العربي.

 ولم تُشكل الأعراقُ والأجناس والديانات عند العرب عائقاً في طريق التطور والإبداع، بل كانت حافزاً من حوافزه، لذا فإن فسيفساء المجتمع العربي من غير العرب، والتي اعتاد كثيرٌ من المؤرخين أن يسموها مخطئين (الأقليات) كتسمية تدل على التحقير، والتقليل من شأنها، أثْرَتْ الحضارة العربية في كل مجالات الإبداع.

ومن يرجع إلى تفاصيل الدولة العربية في الأندلس تدهشه هذه الحقيقة، والتي لم يقم كثيرٌ من المؤرخين العرب بتحليلها تحليلاً وافياً، وذلك لأن بعضهم ظل يعتقد بأن مناقشة هذه الظاهرة وإبرازها يُضعف سمات الفخر العربية الخالصة، ويُقلل من إبداع العرب أنفسهم، وهذه وجهة نظر غير صائبة، لأن الأجناس غير العربية التي سكنتْ بلاد العرب، أو الطوائف غير العربية التي حكمها المسلمون، تمكنتْ من صنع (المزيج الحضاري العربي) أو الخلطة الحضارية العربية، والتي ساهمت في إثراء المخزون الحضاري العربي في كل المجالات، في الأدب والفلسفة والفن والطب والعلوم، كما أن هذه الفسيفساء من الأجناس والأعراق الأخرى، قدموا أروع الإبداعات عندما قاموا  بدور الوسيط بين حضاراتهم القديمة، وبين الحضارة العربية، فترجموا الفلسفة الإغريقية واليونانية، وترجموا الكتب الدينية والقصص والأساطير والحكايات كما فعل السريان والنساطرة واليهود، وأثْرَوا حتى علوم الفقه واللغة والنحو العربي، وليس أدل على ذلك من مؤسس علم النحو العربي، وهو الفارسي سيبويه (رائحة التفاح) الذي ألّف دستور النحو العربي [الكتاب] وأصبح زعيم مدرسة البصرة النحوية في القرن السابع الميلادي، ولم يحل نَسَبُه دون وصوله إلى أرقى الرُّتب والدرجات!

 وغيره كثيرون، كما أن الفسيفساء غير العربية أسهمت في صياغة نمط الحياة العربية، في اللباس والمأكل والمسكن وشملت أدقَّ تفاصيل الحياة العربية.

حتى أن هذه الفسيفساء غير العربية، أمدّتْ الجيش العربي بخيرة القادة وأشجعهم، من أمثال صلاح الدين الأيوبي، وهو الكردي التكريتي أيضاً، الذي لم تعُقْهُ لغتُهُ وهويتُه وعِرقُ ولادته، عن قيامه بدوره كقائدٍ عربي شجاعٍ مخلص!.

سيظل التراث العالميُ مديناً للعصر العباسي في القرنين الميلاديين، السابع والثامن بتراثٍ كبير من المعارف والفلسفات، التي أنجبها الامتزاجُ الحضاري بين الأعراق والأجناس العربية وغير العربية، وسيظل هذا الملف مفتوحاً للبحث والدراسة، لكي نخرج من مأزق (العنصريات) التي تتفشى اليوم في كل أنحاء العالم.

وأنا أعتقد بأن على المثقفين والواعين دوراً كبيراً في إبراز إيجابيات الامتزاج الحضاري بين الأمم، ويقع على عاتق هؤلاء المثقفين مهمة التبشير بهذا الامتزاج وجعله عنواناً للقرن القادم.

 وأعتقد بأن مراكز الدراسات والأبحاث في الجامعات والدول بحاجة إلى تأسيس بنية أساسية لإبراز دور الامتزاج العرقي في تشكيل الحضارة الإنسانية وتنويعها وتجميلها وإثرائها بمخزونات من العلوم والفنون.

كما أننا محتاجون أيضا إلى مؤسسات فنية قادرة على استحداث بُنية فنية، أساسها الامتزاج الحضاري بين الأجناس والأعراق، في صورة مسلسلات وأفلام مختلفة، لتوثيق الروابط بين الأجناس والأعراق، مما يساهم في محو الأحقاد المتولدة عن نقص الجرعات الثقافية والفنية.

ويمكن لنا أن نقوم بهذه المهمات بدون أن نمارس ديكتاتورية العرق السائدة أي بدون أن نعمد إلى إرغام الفسيفساء العرقية في العالم العربي على ارتداء العباءات العربية المقصبة، وبدون أن نجبرها على محو تراثها وتاريخها، وألا نجعل محو تقاليدها شرطاً لقبولها واستيعابها في إطار حكوماتنا ودولنا، فباستطاعتنا أن نقدِّمَ للفسيفساء العرقية فيتامينات النمو والتطور الذاتي، بدون أن نمسخها لتصبح في صورتنا العربية؛ فلم تعد الحدود الجغرافية فواصل في ألفيتنا الثالثة، ولم تعد اللغات حائلاً دون أن نتمتع بالتواصل والإبداع في كل المجالات، وكذا فإن تنوُّع الديانات والعقائد، لا يُشكل تهديدا للعرب، بل إن هذا التنوعَ طريقهم نحو الحضارة والتقدم والرقي.

 لذا فيجب علينا أن نحترم رغبات هذه الفسيفساء العرقية، وأن نقدم لها العون وأن نحيطها بسياج من المحبة ونرعاها لتتمكن من إثراء حضارتنا!

 وإدراكاً منا بنتائج الأفكار المضللة، التي تسعى لإحداث (التماثل) أو صك الأجناس والأعراق غير العربية في قوالب صك عربية خالصة، فإننا نؤكد بأن السعي لقولبة الأجناس والأعراق في صورة العرب النمطية هو أخطر الممارسات التي تجري في ألفيتنا الثالثة، فنبذ غير المسلمين من بلاد المسلمين، وطرد غير العرب من بلاد العرب، يعتبر جريمة من الجرائم التي لا تدخل في مجال جنحة (اللغو)، بل يجب أن تُشرَّع لها العقوبات الرادعة، فهي جريمة قانونية ودينية.

 كما أن التمييز العرقي والعائلي بين الأجناس العربية وغير العربية، هو أيضا جريمة من الجرائم التي يجب وضع عقوبات رادعة لها في كل الأنظمة والقوانين العربية.

 وإذا كان كثير من المفكرين يُرجعون سبب تخلف العرب عن ركب الحضارة، إلى قلة المخزون الثقافي تارة، وتارة أخرى إلى انتشار الخرافات والأباطيل، وطوراً آخر إلى الجينة العربية الموصوفة بالكسل؛ فإنني أرى بأن سبب تخلف العرب في ألفيتنا يعود بالدرجة الأولى إلى أننا لم ننجح في بلورة سياسة ثقافية نهضوية تستفيد من فسيفساء المجتمع العربي، فسيفسائه العرقية، والدينية، والطبقية والطائفية، فأقصيناها ونفيناها واقعياً ونفسياً، فأصبحت هذه الفسيفساء مشغولة إما بالدفاع عن وجودها في أوطان العرب، وإما أنها تسعى للرحيل عن هذه الأوطان. 

 

 

 
   
 

التعليقات : 1

.

07-03-2011 05:1

nader_yassin@hotmail.com

نادر ياسين

الأقليات أمر واقع وحقيقي  ووجود الأقليات كما ذكرتم مصدر إثراء للمجتمع المتفتح النتمدن  ولا داع ان تكون الأقليات مشكلة  لو ساد التحضر والديموقراطية.

إن التخلف والفساد والتعصب والقلق والخوف والفقر والظلم  والريبةن الأخر تزداد بطريقة مركبة  أي تزيد من بعضها البعض بشكل يؤدي الى المآسي، أليس كذلك؟


 

   
 

.