3

:: فتنةُ المسرح الرحباني[1] ::

   
 

التاريخ : 06/12/2010

الكاتب : فاطمة ناعوت   عدد القراءات : 2647

 


 

 

 

 

تعودتُ، وآليتُ على نفسي عهدًا، أن أنشرَ مقالا عن فيروز مع عيد ميلادها في 21 نوفمبر من كل عام. مقالا يحمل من الحب قدر ما منحتني فيروز من بهجة، وطاقة حبّ للحياة، وقوة أواجه بها الواقعَ وعثراته. لم أوفِها حقَّها أبدا. ولن أوفيها. لأن ما منحتني، وتمنحني كل نهار، أكبرُ جدًّا من قدرتي على ردّ الجميل، وإن حاولتُ. هذا العام فكرت على نحو مختلف. لن أكتب مقالا لها، أو عنها، لأن الكثيرَ مما قد يُقال فيها يظلُّ قليلا! لكنني سأكتبُ عن موسوعة جميلة كُتبت حول تجربتها الثرية في المسرح مع رفيقيْ رحلتها الأخوان رحباني.

أما صاحبُ هذه الموسوعة فأحد المفتونين بالإبداع الرحبانيّ الفريد، وما أكثرهم، في أرجاء الوطن العربي والعالم. الرحابنة الذين حصدوا قلوبَ أجيال متعاقبة منذ بدأوا، قبل قرابة النصف قرن، تجربتهم الثريّة من أشعار وأغنيات ومسرحٍ وموسيقا، تلك التجربة التي لا شيء يشبهُها إلا نفسُها. مفيد مسُّوح، كاتب من سورية وبروفيسور في الجيولوجيا، قدّم للمكتبة العربية سِفرا غنيًّا، عنوانه "جماليات الإبداع الرحباني" صدر عن دار "بيسان" في بيروت. تناولت الموسوعة بالتحليل النقديّ الجماليّ المفصّل أحدَ دروب منجزهم الإبداعيّ المتنوع: هو المسرح الرحباني. موسوعة ضخمة تتألف من مجلديْن، يقع كلٌّ منهما في 450 صفحة من القطع المتوسط، تضمُّ السبع عشرة مسرحيةً التي قدمها عاصي ومنصور الرحباني مع درّة عقدهما الفريد: فيروز، عطفا على كلّ من: وديع الصافي، صباح، نصري شمس الدين، وسواهم من رموز الإبداع اللبناني الرفيع، على مدى سبعة عشرة عاما بدءا من 1960 وحتى 1977. المسرحيات بالترتيب الزمني هي: موسم العز(1960)، جسرُ القمر(1962)، الليلُ والقنديل (1963)، بياعُ الخواتم (1964)، دواليبُ الهوا (1965)، أيام فخر الدين (1966)، هالة والملك (1967)، الشَّخص (1968)، جبال الصَّوان(1969)، يعيش يعيش (1970)، صحّ النوم (1971)، ناس من ورق (1972)، ناطورة المفاتيح (1972)، المحطة (1973)، لولو (1974)، مَيْس الريم (1975)، بترا (1977).

يقول الشاعرُ اللبناني "هنري زغيب" في مقدمته تلك الموسوعة، وهو الذي سبق وأصدرَ المجموعةَ المسرحية الرحبانية الكاملة: "لم يكن الحلمُ في تقديم النصِّ المسرحيّ الرحبانيّ، بل في الإضاءة عليه سردًا وتفصيلا وقراءةً نقديةً مُحبّةً، تبرزُ ما فيه من ثنايا وجمالات، وقد جاء مَن تولاها في هذا السِّفر المُعمّق." ثم فنّد زغيب ما يميّز كتابَ مسوّح، عما سبقه من إصدارات عن الرحابنة، من حيث الإطار، والشكل، والمضمون. أما منصور الرحباني فقال عن الكتاب ذاته: "مع مفيد مسُّوح أعدتُ قراءةَ الأعمال الرحبانية بعينَيْ القارئ لا المؤلف، فإذا بها، على قلم هذا الباحث الأمين، إضافةٌ عاليةٌ راقيةٌ إلى الرسالة الرحبانية التي كمْ كنّا، عاصي وأنا، نحلمُ أن تَبلغَ الناسَ كما أردناها لهم."

عملَ مسوَّح على استخلاص النصّ المسرحيّ من سياقاته الغنائية والتمثيلية، ثم تقديمه للقارئ مُجردا كنصّ أدبيّ. كما اهتم بإدراجه كما هو: بلهجته اللبنانية الدارجة الفاتنة، من أجل تكريس فكرة صحيحة يؤمن بها، هي أن ذاك النصَّ يظلُّ، بحقّه الخاص، محتفظا بجماليات إبداعه من خلال نسيجه الأدبي فقط، عابرا الصوتَ، مهما كان عذبا شجيًّا، والموسيقا مهما كانت رفيعة متجددة فاتنة، والأداءَ المسرحيّ مهما كان مُتقنًا. اشتغالُه على النصّ المسرحيّ هو لونٌ من ردّ الاعتبار لتلك الفرائد الأدبية التي ربما تطمرها آلياتُ النسيان والتناسي بسبب ندرة وجودها الآن وبسبب الشهرة الواسعة التي حصّلتها الأغنياتُ التي قُدمت عبر هذه المسرحيات بعدما انسلختْ من سياقاتها، فعُرفت كأغنيات مفردة، بعيدا عن جسدها المسرحيّ الكامل. ونكمل الأسبوع القادم.

 

Fatma_naoot@hotmail.com



[1] - جريدة "الرؤية" سلطنة عُمان- 24/11/2010

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.