ألرّغبةُ هي تَدفُّق نفْسٍ في إثر أحلامها. وتَوثُّبُ نفَسٍ في إثر تَوَهجه الإشراقيّ.
وهي صلاةُ الروح الوثّابة نحو الأسمى؛ وبَلسمُها الشّفيف، النورانيّ، في طريقها إلى الأبهى، وعلى كلّ صعيد. ذلك أنّ غايةَ غايات الرغبة، هي تَحَقُّقُ الذّات، مثاليّة، صافية، مُنتشِية.
أيَتَحقّقُ هذا؟ لا! فلِمَ التّفكيرُ فيه، والحلمُ به؟ وتاليًا: فما قيمةُ هذا الطُّموح؟
نعم!؟ فكيف؟ وتاليًا: فما قيمةُ هذا التَّحَقُّق؟
ليس كلُّ ما نفكِّر فيه يتحقّق. نفكّر في الأمر لنعيشَه، فكريّا، على الأقلّ. مثلُ هذا العيش، ترويحٌ عن الواقع البائس، السّاذج، الموحِل. ألواقعُ البائس، "يُبئس" الروح، يسدُّ مَنافذها إلى الضّوء. والواقع السّاذج، "يُسَذِّج" النّفس، يُغلق، عنها، معابرَ الوحي. والواقع الموحِل، "يوحل" الذّات، يجعلها "طينيّةَ" الارتباك، "تَعلق" في مادّيّتها، "تَلعق" الذّلَّ العاري، هوانَها المفجوع، المُفجِع.فماذا نفعل؟
نَتوق إلى الحلم، أو "نقع" فيه، أوعليه، أو حواليه. أو هو، منّا يَنبثق، أو فينا، يعصِف، يتفجّر. ألتّوق إلى الحلم، أو "الوقوع" فيه، عليه، حواليه؛ أو "انبثاقُه" منّا، فينا، أخّاذٌ. نفّاذٌ. يُنعِش الحياة فينا، وتاليا: منّا وحوالينا. ألتَّوق الدّائم إلى الحلم، أو... "الوقوع" فيه، أو عليه، أو حواليه، ألمُنبثِق منّا، أو فينا، يُطلِق، في كِيانِنا، الرّغبةَ، الشَّغَف، ممتلئين عزما، مُتَجَلِّيَين إرادةً، زاهيَين رجاء. ألتَّوقُ الدّائم يحيي الجسدَ: خِصْبا، غنيّا، مُلَوَّنا؛ ويَسمو بالنّفس: راقية، شفيفة، رؤيويّة. يُصَفّيهما: تائقَين إلى الكمال، غائصَين في الذّات الكونيّة، عائشين نشوةً مُبتكرة، كلّ آن، جديدة، تتجدّد. فإن تحقّق ما فيه نُفكّر، كلُّه، "يَبِس" الإنسانُ، فينا، "انطفأ"، بات بلا رجاء. ألرّجاءُ قيمة قيّمة، ثروة ثريّة، مُثرية. إلّم يحقِّق الإنسانُ أحلامَه كلَّها، تعبَ عليها، من جديد، "هَندسَها"، حاول من جديد، شقيَ، عزمَ، في هذا فرحٌ يُلامس حدودَ السّعادة، الغبطة.
قيمةُ هذا الطّموح، في كونه "يَعجِن" الإنسان: كِيانا واحدا أحدا: جسدا ونفسا، خصبَين أحلاما ورؤى. ما يجعل الإنسان "إرتقائيًّا"، يقود ذاتَه في درب "نورانيّته المادّيّة": تَخَلُّصا من شوائبها، التزاما بالمِثال الحيّ، المُحيي، الخلاّق. في هذا المِعراج، كينونةُ الكائن، خيّرة، مُطمئنّة، وادعة، مُحِبّة، مُسالِمة.
وتاليا: يتحقّق ذلك، نعم. ألأمر غريب، غرائبيّ. عجيب، عجائبيّ. كيف يتحقّق ما إليه نَصبو، كلُّه، ونتوق؟ ما فيه، كلّه، نفكِّر، وبه نحلُم؟ "حُلميّا" يتحقّق. "فكريّا". هذا يسمو بالكائن. يجعله أكثر اقترابا من "رغبته"، أبعد مدًى، أسمى حياة، أعمق نشوة. والإنسان لهذه "النَّشوة".
قد تكون الرّغبةُ شغَف النّفس، فائضا بذاته على الذّات، على السِّوى، على الكائنات،على الأشياء، المَجَرّات، الفضاء، الكون... ارتقاءً بها، جميعا، إلى الذّوَبان في الرّغبة، في الشَّغَف، في النّشوة. ألذّوَبانُ، في الأمر، تّوحّدٌ به، إقامةٌ خلاّقة. ألرّغبةُ ذَوَبان في "المرغوب" فيه، تَوَحُّد، إقامة خلاّقة. والشَّغَفُ، كذلك، والنّشوة. ألإقامة الخلاّقةُ تُفَجِّر الذّات، وفي نفسها تَعصِف، تُنتج ألرّغبةَ الجديدة الدّائمة، الشَّغَفَ الجديد المستمرّ، النّشوةَ الكلّيّة، الانخطافَ الخالص. وصولٌ تلقائيّ إلى الذّات/الحُلم. ما إليه نَنهد.
إنَّ الرّغبةَ عصيرُ الإرادة الواعية، الذّاهلة، المُنخطِفة الخاطِفة. والشَّغَفُ عصيرُ القلب الصّادق، النَّضِر، المُتَألِّق، "المُؤلِّق". كلاهما، معا، ذّوْبُ الفكر والوِجدان. إنصهارهما في وحدة فرديّة جَماعيّة، في مسيرة الكائن الخَلاصيّة: نفسيّا واجتماعيّا، فنّيّا وثقافيّا، سياسيّا ودينيّا... أوَليس هكذا تكون، أو يجب أن تكون، الحالة الإنسانيّة الأكثر تألُّقا، الأغنى إشراقا، الأعمق رؤى!؟
ما لا شكّ فيه، أنّ الرّغبةَ اعتمالٌ داخليّ، حميم، بركانيّ عاصف، يُفضي إلى شَغَف داخليّ حميم، بدوره، يَدفِق منّا، يُقلق، يُغوي، يَجرُفنا إلى نَشوة، هي "الحالةُ" الّتي، إليها، نتألّم.
ألنَّشْوةُ... أن "تَتَصَفّى" من "جسدانيّتِك"، من جسدك... أن تجعلَه نورانيّا، روحانيّا، منه "يَنبثِقُ" الألَق...
أن تجعل، من النَّشْوة، يا هذا، بيتَك المُطْمَئنّ، المُطَمْئن، يُطَمْئنُك، وتَنسكب فيه انسكابا لائقا حتّى الرَّمَقِ الأخير، هي المسألة. إنّها، هذه، رغبةُ "الذّات الكبرى"... فلْتكن رغبتُك هذه، طريقَك إلى "النَّشْوةِ" النّعيميّة "الخالصة".