3

:: جامعة عربية في الناصرة مشروع نهضوي حضاري سيغير وجه مجتمعنا ::

   
 

التاريخ : 08/11/2010

الكاتب : نبيل عودة   عدد القراءات : 1875

 


 

لماذا جامعة عربية في الناصرة؟!

مع بداية تشكيل جبهة الناصرة الديمقراطية، وبالأساس، تمت إقامة أهم هيئة بالجبهة في الناصرة، رابطة الأكاديميين أبناء الناصرة، وذلك في بداية 1973 كما أذكر. هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه في فترة نشاطه البلدي والثقافي إلى 600 عضو على الأقل. وقد انخرط هذا التنظيم في قضايا الناصرة البلدية، في فترة الإهمال والقصور الذي ساد الخدمات البلدية في الناصرة، إلى جانب فرع الحزب الشيوعي في الناصرة، النشاط  المكثف لهذه الهيئة مع قيادة فرع الناصرة للحزب الشيوعي، قاد إلى إسقاط الإدارة السابقة للبلدية، وتعيين لجنة معينة من وزارة الداخلية لتدير شؤون البلدية، وتواصل النضال من أجل إجراء انتخابات جديدة وتغيير واقع البلدية، وإنهاء إهمال السلطة لأكبر مدينة عربية، والحصول على الحقوق الأولية والشروط التي لا يمكن القبول باستمرارها، في مدينة تنتفض ضد كل المعوقات، وتمتلئ بأجيال جديدة، مثقفة أكاديمية، الأمر الذي افتقدناه في العقدين الأوّلين بعد إقامة الدولة، أجيال لم يعد من الممكن سوقها بأساليب بالية، وإهمال يتجاوز كل حدود المنطق، الأمر الذي طرح نفسه تلقائياً أيضاً، إلى جانب الوعي المتنامي، السياسي والخدماتي والوطني.

رابطة الأكاديميين في الناصرة، التي اندمجت في النضال البلدي، إلى جانب نشاطات ثقافية متنوعة، طرحت منذ بداية تشكيلها، فكرة إقامة جامعة عربية في الناصرة، المدينة التي وصل عدد أكاديمييها وطلابها الجامعيين إلى الآلاف، وبالتالي أضحت الناصرة تعبيراً عن التحولات الاجتماعية والثقافية والعلمية التي نقلت المجتمع العربي في إسرائيل، من واقع سيطرة طغيان الحكم العسكري وعملاء السلطة، إلى واقع خروج المارد العربي الغاضب من الحصار اللاإنساني، الذي طال أمده، حتى تهاوى كأوراق الخريف في أول مواجهة سياسية مع شعب وحّد صفوفه في إطار سياسي، هو جبهة الناصرة الديمقراطية، التي قلبت كل الواقع السياسي للجماهير العربية في إسرائيل، محدثة تحولاً لا عودة عنه في تاريخ الأقلية العربية وعلاقتها مع السلطة.

الجيل الجديد لا يعرف إلا من بعض الكتابات المعاناة التي كانت من نصيب شعبه، منذ العام 1948 حتى صعود فجر الجبهة في الناصرة، لذلك يبدو أحياناً، أن من يكتب او يخطب ظاناً أن التاريخ الوطني بدأ به، يعيش في انقطاع تاريخي وثقافي وسياسي عن واقعه الاجتماعي والسياسي.

في تلك الأيام المليئة بالنشاط والتحدي، طرح موضوع جامعة عربية في الناصرة، والسبب بسيط، ولكنها رؤية مستقبلية تشكل الحاضنة لشعب ومجتمع يتحرر من قيوده، ويكسر حصاره الثقافي، ويصحو من صدمة النكبة، وينتفض ضد جرائم السلطة التي تجسدت بجريمة كفرقاسم، ويعيد بناء صفوفه، ويبني مجتمعه برؤية حضارية. ويفهم أن الجامعة العربية هي ركن من أركان بناء المجتمع العصري القائم على الفكر المتطور، وأن التعليم الجامعي مع كل أهميته، له أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية ووطنية، ذات تأثير مطلق على صياغة شخصيته ومستقبلة وكينونته الاجتماعية.

التعويق الذي كان، بسبب سياسة السلطة، ضد البدء فوراً بإنشاء جامعة عربية ألحق بمجتمعنا أضراراً خطيرةً، سنعاني منها طويلاً في السنوات القادمة. وهناك تفاصيل عدة سنقدمها لاحقاً للقراء لطرح هذا الموضوع البالغ الأهمية على الرأي العام العربي واليهودي داخل إسرائيل. ولكني أقول ان الأوساط اليمينية العنصرية في السلطة، ممثلة أساساً بوزيرة التعليم السابقة ليمور ليفنات،  كانت مرعوبة من فكرة جامعة عربية وعطلت المشروع لسنوات طويلة، بعد ان حصل المشروع على دعم وموافقة وزير تعليم أسبق هو يوسي سريد، ولكن تغير السلطة أعاد عجلة الجامعة العربية سنواتٍ طويلة الى الوراء. وهذا لوحده يعطي رؤية لأهمية جامعة عربية في بناء الشخصية العربية الحضارية الواعية في إسرائيل، الى جانب القيمة الاجتماعية والاقتصادية لمؤسسة جامعية عربية.

إن فكرة الجامعة، ليست مجرد بنداً يضاف للخدمات، بل هو الجذر الذي نعمّق به وعينا ومعارفنا وقوتنا الثقافية، وهويتنا الوطنية، ونقل مجتمعنا نقلة نوعية كبيرة جداً، من مجتمع على هامش الواقع الإسرائيلي، إلى مجتمع يخترق هذا الواقع، يؤثر عليه إيجابياً أيضاً، في مختلف القضايا المطروحة.

إن مجتمعاً فقيراً في مستواه العلمي، لن تساعده الشعارات السياسية على التقدم. هل بالصدفة إن المشروع الصهيوني طرح فكرة إقامة جامعة عبرية في فلسطين في اجتماعه الأول عام (1897)؟!

لا يمكن أن نتجاهل أن الحركة الصهيونية، كانت حركة سوبر مثقفين، وأعدت مشاريع واسعة جداً للسيطرة على الأرض والموارد وبناء المجتمع اليهودي تمهيداً للمشروع الصهيوني بإقامة دولة لليهود. وكانت فكرة الجامعة، فكرة جوهرية لخلق هوية قومية، وصهر المهاجرين ثقافياً واجتماعياً في إطار أكاديمي ثقافي.

المؤتمر الصهيوني الحادي عشر عام (1913)، اتخذ قراراً بإقامة الجامعة، بعد أن اشترى أرضاً في جبل المشارف في القدس من زوجين بريطانيين، ولكن فقط بعد أن سقطت الدولة العثمانية واحتل الإنكليز فلسطين، بدأ بتنفيذ مشروع الجامعة العبرية (1918) وفي عام (1925) افتتحت الجامعة للدراسة.

وكانت أول جامعة في فلسطين وثاني أكاديمية في فلسطين.

يمكن الحديث كثيراً عن الجانب السياسي ونكبة شعبنا، ولكن ليس هذا ما أطرحه الآن، إنما محاولة متواضعة لإعطاء رؤية لأهمية قيام جامعة لأي شعب كان، الجامعة هي البوتقة القومية والاجتماعية لصهر مجموعة سكانية ثقافياً وعلمياً وترسيخ هويتها الثقافية والعلمية والفلسفية والسياسية والوطنية.

من هنا العراقيل أمام إقامة جامعة عربية في الناصرة، والمؤسف أن تبدأ العراقيل من أوساط عربية أيضا، لأسباب دعائية أو شخصية.

حقاً توجد جامعات مختلفة في إسرائيل، توجد جامعات في مختلف أنحاء العالم. إمكانيات الدراسة فيها متوفرة، ولكن جامعة عربية، هي بوتقة لصهر فكري ومجتمعي وهذا ما نفتقده، إلى جانب أن الجامعة في الناصرة تفتح المجال أمام تقديم دراسات ومشاريع عديدة نحن بأمس الحاجة لها. وتعطي لشعبنا جذوراً علمية وارتباطاً أكثر بالوطن والمجتمع.

معروف أن نسبة كبيرة من الدارسين في الجامعات الأجنبية، يظلون حيث درسوا.. لأسباب أهمها غياب مجالات العمل الأكاديمية في وطنهم.. والحصول على فرص عمل وأبحاث غير متوفرة في أوطانهم.

إن الربط بين جامعة عربية، وعشرات الأكاديميين العرب في إسرائيل، هو مهمة سوبر وطنية، ولا أعني المجال السياسي تحديداً، إنما المجال الاجتماعي، التربوي، الثقافي، الأخلاقي والتعليمي.

من هنا يجب أن تصب الجهود المخلصة والمتجردة من الذاتية المفرطة، نحو بناء هذا الصرح الوطني، وأنا على ثقة أن المشروع سينطلق، والجيل القادم سيجعل من يوم افتتاح أبواب هذا الحرم الجامعي، عيدا وطنياً للعلم والتقدم الحضاري.

 

nabiloudeh@gmail.com

www.almsaa.net

 

 

 

 

  

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.