3

:: قضية مأساوية ::

   
 

التاريخ : 04/11/2010

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 1595

 


 قضية مأساوية... مؤجلة

 

القضية شديدة المأساوية، وعدد الضحايا استثنائي، لقد وصل جنون القتل إلى مستويات غير مسبوقة، وليست طريقة تعامل الحكومة العراقية القائمة مع عملية احتجاز الرهائن أوالطريقة التي أعلن بها أوباما (القائد العام لأقوى قوات عسكرية في عصرنا وربما في التاريخ) شخصياً عن اكتشاف الطرود "المشبوهة" ورسالة ابن لادن أو تهديداته في وقت كان فيه نظام ساركوزي يهتز تحت تصاعد الحركة الشعبية في الشارع، إلاّ أدلة على أن الإرهاب والاستبداد يتكاملان، إنهما إذ "يتصارعان" فإنهما يفعلان ذلك على اللحم المذبوح للضحايا. إن جنون القتل الذي استبد بالأصوليين لا يضعف من قبضة دائرة الاستبداد المغلقة حول البشر العاديين بل يقوّيها ويشرعنها ويعزّزها ويساعد فاشية الاحتكارات الرأسمالية في أن تصبح أكثر همجية وشمولية هي أيضا في عدوانها على البشر العاديين، إن نظام فاسد ووقح في عدائه للفقراء وفي محاباته للمليارديرات وأصحاب رأس المال وفاشي في عدائه للأجانب كنظام ساركوزي استمد أخيرا شيئا من الشرعية المزيفة فقط نتيجة رسالة ابن لادن تلك، لأن الشيء الأخير المتاح لهذه الأنظمة هوأن تزعم أن أجهزة القمع والموت والملاحقة والعقاب التي تشكلها وتدربها ضرورية، ليس فقط لقمع العمال والطلاب الرافضين لسياساتها، بل أيضا "لحمايتهم" كما تزعم من هجمات كالتي جرت باستخدام تلك الطرود "المشبوهة"، نظام أوباما لم يجد في الوقت المستقطع قبل انتخابات التجديد سوى تلك الطرود ليحاول أن ينسي الناخب الأمريكي أنه اقتطع من لقمة عيشه ومن ثمن علاجه واضطره ليبيع بيته كي ينفق على الإدارات الفاسدة للشركات الرأسمالية تريليونات الدولارات التي أنتجها هؤلاء أوسينتجونها حتى سنوات طويلة قادمة. لا أعرف كم تستطيع عبوة حبر في طابعة أن تستوعب من "مواد متفجرة"، لكن لنحاول فهم الموضوع، تستخدم الطائرات المقاتلة في التدريب قنابل زنة 6 كغ، وهي قنابل محدودة التأثير جدا، أما في العمليات القتالية فإنها تستخدم قنابل زنة 250، 500 كغ وحتى طن فما أكثر، قنابل الطن هذه هي تلك التي استخدمتها الطائرات الأمريكية في قصفها لمدن أفغانستان والعراق في حربيها الأخيرتين هناك، هذا لا يعني أن موت إنسان، أيا كان، هوأفضل، أويفضل، على موت ألف أومائة، لا توجد قوة في العالم، سلطة، جهاز عقاب أوقمع أوإكراه أورجل دين أومؤسسة دينية أوإيديولوجية، يحق لها قتل أي إنسان أيا يكن، لم يمنح أي من هؤلاء البشر حياتهم ولا يحق لأي منهم أيضا أن يلغيها، ناهيك عن أن يستغلها أويمارس ضدهم أي نوع من القمع أوالقهر أوالاستغلال أوالإكراه أوحتى المراقبة. تصوروا ذلك المنطق في أخذ عراقيين رهائن في بلدهم، في عقر بلدهم، لإطلاق سراح سجناء ما لدى الحكومة العراقية القائمة، تصوروا هذا المنطق المعادي للإنسانية في مثل هذا العمل وفظاعة وهمجية مثل هذا المنطق، وتصوروا منطق أن يهددك أحد ما وأنت في بيتك، في دار عبادتك، في وطنك، كما فعل الأصوليون مع مسيحيي مصر بعد العراق، فقط لأنك مختلف، هذه قمة الهوس الديني التي لا تنتج إلا همجية ووحشية غير اعتيادية وجنونا منفلتا ضد الآخر، وكما هوطبيعي، لجأت حكومة المحاصصة للمزاودة بدماء الضحايا، بدماء أكثر من خمسين "رهينة"، في بلدهم وعلى أرضهم، كيلا نقول على الأرض التي وهبتهم الحياة كما وهبتها لمن احتجزهم وقرر أن ينهي حياتهم وكأنه من طينة أخرى غير طينة هذه الأرض، فقط بسبب الهوس الديني وجنون إلغاء الآخر، أوحتى لمن أصدر الأمر بتنفيذ اقتحام دموي على هذا الشكل، إن دماء الضحايا اتهام للجميع، إن مجانين إلغاء الآخر سواء أولئك الذين في السلطة أوفي الميليشيات أوفي التنظيمات الأصولية المهووسين بدماء الآخر جميعهم متهمون ومدانون، يجب ألا يمر ما جرى في كنيسة النجاة، ويجب أن يكون مفهوما أنه إن لم يكن إخاء الجماهير العراقية، الفقراء العراقيون، من كل الأديان والطوائف والمذاهب، وتضامنهم وإصرارهم على انتزاع حريتهم ممن يسلبهم إياها، هوالحامي الحقيقي للمسيحيين والشيعة والسنة والكلدانيين والآشوريين والصابئة المندائيين وأي عراقي، فلن تحميهم أية سلطة مشغولة بمصالحها واقتسام خيرات العراق أوأي جيش من المرتزقة يقوم بتسليحه وتدريبه ويدفع له قتلة الشعوب وناهبي خيراتها وبالتأكيد لن تحميهم ميليشيات الهوس الديني والطائفي والمذهبي، التي لا تعرف إلا قتل الآخر وقهر الفقراء من ذات الطائفة ومصادرة حريتهم وحياتهم بنفس السلاح الذي تقتل به الآخر، لم تكترث الحكومة القائمة بدماء العراقيين وكما استخدمهم مهووسو إلغاء الآخر "رهائن" استخدمتهم تلك الحكومة أيضا في المزاودة على الإرهاب، وكذلك يستخدمهم من يريد أن يبرر نهب ميزانية بلده لسنوات قادمة لصالح كبرى الاحتكارات بعبوات مشبوهة من أنصاف الكيلوغرامات، وبرسائل الكراهية التي يحركها الهوس الديني والطائفي والمذهبي. كما أن ساركوزي لا يستطيع إخفاء حقيقة سياساته المعادية للجماهير إلا برسائل ابن لادن فإن حكومة العراق القائمة ونخبته السياسية والإكليروسية الدينية لا تستطيع أن تقنع أحدا بأن وجود حكومة فعلية يعني الخير للعراقيين الفقراء وليس لجيوبها هي إلا بمثل هذه المجازر الدموية، ليس هناك اليوم من شك في أن الإرهاب والاستبداد يكملان بعضهما البعض ويؤدي كل منهما إلى الآخر، وإلى حلقة جهنمية من الموت والموت المضاد الذي لا يسقط ضحية له إلا الفقراء من كل المذاهب والأديان، إن القضاء على إرهاب المهووسين دينيا وطائفيا لا يكون عبر المزيد من الأجهزة القمعية التي لا تقمع إلا من يزعج سادتها، والتي لا تبالي لدماء العراقيين البسطاء من أي طائفة، وبالتأكيد ليس من خلال المزيد من سجون الظلام والمزيد من انتهاك حقوق الإنسان على يد تلك الأجهزة، إن هذا الإرهاب السلطوي وإرهاب الميليشيات المرتبطة بالنخبة السياسية والإكليروسية الحاكمة هوالمبرر الأساسي لإرهاب الأصوليين المهووسين بقتل الآخر على أنه المصدر الوحيد لحماية الجماهير السنية وككرة الثلج يصبح الموت المجاني للفقراء من كل الأديان والطوائف على موائد القتلة والمهووسين هوالنتيجة الحتمية، إذا لم تأخذ الجماهير مصيرها بيدها وتنتزعه من أيدي طغاتها ومن يريد أن يسلبها، ليس فقط خيرات بلدها وعملها هي بالذات، بل وحتى حقها في الحياة بكل همجية ووحشية، فلن تكون أبدا بمنأى عن هؤلاء القتلة ولن يحميها أحد من هذا الجنون المنفلت سوى نضالها هي بالذات إلى جانب كل ضحايا الطغاة الآخرين من كل الأديان والمذاهب....


 mazen2190@gmail.com

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.