3

:: السينما والمدرسة الفنية الرحبانية ::

   
 

التاريخ : 01/09/2010

الكاتب : صلاح الدين الشمّا   عدد القراءات : 3230

 


 

ساهمت المدرسة الفنية الرحبانية بثلاثة أفلام خلال مسيرتها الفنية هي (بياع الخوتم) و(سفر برلك) و(بنت الحارس). وهذه الأفلام هي امتداد للصورة الشاعرية نفسها الواردة في المسرحيات الغنائية، بما تضمنته من أبعاد جمالية وتراث شعبي ومخاطبة عقل الإنسان ومشاعره الداخلية، وكل فلم منها له موضوع مختلف.

لم تخرج هذه الأفلام عن عرض القرية الجميلة المتخيلة، عن شاعريتها وبساطة سكانها، مستفيدين من طبيعة جبال لبنان الجميلة.

نبدأ بفلم بياع الخواتم الذي يوحي اسمه بالفرح والحب، وهو إنتاج عام 1965، وهو نسخة ثانية عن المسرحية المعروفة بالاسم نفسه مع بعض التعديل بشخصية سبع (فيلمون وهبي) من مهندس بلدية إلى بائع طيور، وحذف بعض الجمل اللحنية وبعض الأغاني والحوارات النثرية. وهو من إخراج يوسف شاهين.

 

 

 

وتدور أحداث الفيلم في إحدى القرى الجبلية اللبنانية إبان الحكم التركي، بعد أن يعلن مختار القرية أن هناك قاطع طريق اسمه راجح يعترض من يسلك الطريق في الجبال، وتعرف ريما وهي بنت أخت المختار أن قاطع الطريق ليس سوى شخصية وهمية غير موجودة في الواقع، إنما هي من نسج خيال خالها المختار (نصري شمس الدين) الذي يوحي للأهالي بأنه حريص على أمن سكان القرية. ويرتدي المختار طبعاً الملابس الفلكلورية الشعبية، وهي الشروال والصدرية والطربوش والجزمة الطويلة الحمراء. ويتجمع شباب القرية وبناتها لاختيار  شريك المستقبل في حفلة بحضور المختار. وفجأة يظهر قاطع الطريق راجح بائع الخواتم المتجول من قرية إلى قرية يزرع الفرح بين الشباب والبنات. ومن ضمن أحداث الفيلم عندما يسمع بعض اللصوص في القرية بقصة راجح (المشلّح) - باللهجة اللبنانية، أي قاطع الطريق، يستغلّون هذه الكذبة لأغراضهم الشخصية بالسرقة والنهب وترويع السكان والاستنجاد بالجندرما التركية أي الشاويش (وليم حسواني) بلباسه العسكري التركي.

إنه فيلم غنائي تماماً، فيه العديد من الأغاني الجميلة ومنها (حيَّدو الحلوين، ويا مرسال المراسيل، يا بياع الخواتم، أمي نامت ع بكير، ويا حجل صنين). وقد استخدم الأخوان رحباني الدرامز (مجموعة طبول وصنج) في الدبكة بدلاً من الطبل والمجوز. وقد اشتركت في الفيلم الفنانة هدى حداد بشخصية الفتاة الريفية البريئة التي تنتظر الحب من أحد شباب القرية. وينتهي الفيلم نهاية سعيدة، هي خطبة ريما لابن بياع الخواتم من القرية المجاورة، حتى تكتمل القصة وتغني ريما أغنيتها الأخيرة في الفيلم، وهي (يا بياع الخواتم بالموسم إلي جايه). أيضاً غنت أغنية جميلة اسمها (قالولي كن وأنا رايح جن،) وهي من الأغاني الشعبية في المنطقة الوسطى من سورية.

أما الفيلم الثاني فهو (سفر برلك) من إخراج هنري بركات، إنتاج 1967. تدور أحداث الفيلم في جبل لبنان عام 1914 عندما قطعت تركيا القمح عن الأهالي وصادرت الأرزاق وقادت الشباب إلى الحروب في البلقان والترعة (قناة السويس) وحرب اليمن، ويسود الجوع ويموت الآلاف من السكان جوعاً وتقضي على المقاومة. تنمو قصة حب بين عبدو وعبيلة، إذ يساق عبدو إلى السفر برلك وتبحث عنه عبلة ولا تعرف مكانه. ويسعى أبو أحمد وهو (عاصي الرحباني) للحصول على القمح من دمشق. في هذه الأثناء يحاول عبدو الهرب، لكنه يقتل برصاص الأتراك. نشاهد في الفيلم المختار (نصري شمس الدين) الذي يتستّر على رجال المقاومة بموقعه الوطني المشرف، ويصل القمح إلى جبل لبنان لإنقاذ الأهالي من الموت مع أبي درويش (رفيق سبيعي) على الرغم من المعاناة والحرب والموت جوعاً.

لم يخرج الفيلم من إطار القرية الرومنسية الشاعرية بأبعادها الطبيعية الساحرة بين السهل، والجبل، والبحر والثلج والأنهار، واللباس الشعبي الفلكلوري لسكان القرية واللباس العسكري التركي. وقد قدمت السيدة فيروز في هذا الفيلم (يا طير يا طاير على طراف الدني) وهي أغنية رمزية لأن الطير يوحي بالحرية والسلام، وأغنية عاطفية مثل (علَّموني)، وبعض العتابا والميجنا التي تتحدث عن ظلم الأتراك والجوع وتطارد هؤلاء اللصوص. هنا رئيس البلدية (عاصي الرحباني) يقرر عودة الحراس إلى العمل. ويلاحق الحارسان المعادان إلى العمل (أبو الكفية)، ويطلقان النار عليه، وللمفاجأة يكون أبو الكفية هو ابنة الحارس نصري.

الفيلم لا يخلو من جمالية وشاعرية وبعض المواقف الكوميدية، إنما يصلح أن يكون للأطفال. وقد قدم فيه العديد من الأغاني للأطفال منها يا الله تنام ريما (ابنة عاصي الرحباني في الواقع)، تك تك يا أم سليمان، طيري يا طيارة، وأيضاً يا عاقد الحاجبين، نسَّمْ علينا الهوى.

إن هذا الفيلم لم يخرج من إطار المسرحية الغنائية بالأبعاد الجمالية من جبل إلى سهل إلى بحر، لكن القصة أقل عمقاً، اعتمدت على الصورة والغناء وبعض المواقف الكوميدية.

إن السينما الرحبانية لم تخرج من إطارها الغنائي الجبلي الشاعري، إنما الكاميرا أخذت أبعاداً ذات آفاق أكثر من المسرح من ناحية تصوير الطبيعة جبل، سهل، نهر، بحر وخصوصاً في أغنية طيري يا طيارة، التي امتزج فيها الغناء بالموسيقا وبالطبيعة.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.