ألصّدقُ فَيْضُ النّعمة فيك، يغسلك بالقِيَم، يُلْبِسُك النّور، يجعلك تفيض، بدورك، طُمأنينة خلاّقة، سكينةً إشراقيّة، تعصفان، فيك، تجعلانك اشتعالَ التّوق الى الكمال.
أن تفيضَ النّعمةُ فيك، هو أن يزهو الخير بك، يرتديك، فتغرقَ في التّواضع، وترتفع في الإدراك. تَواضُعُ النّعمة، إدراكٌ جوهريّ لجوهر الإنسان، إنتباهةٌ حافلةٌ بأنّك في طريق الحقّ والخير والجمال. ألإرتفاعُ في الإدراك، معرفةٌ خصبةٌ بالمعارف الّلطيفة، الشّفيفة، الثّرّة، المُثرية. فتشمخ قامة - نِعْمة.
أن تغسلك القِيَمُ، هو أن تتخلّى عن لعبة الحواسّ المُغرية، فتنتفضَ على ذاتك، بهيًّا، مسالمًا، نظيفًا، مُطِلاّ. ألخير إرادتُك وعزمُك. ألحقّ رغبتُك وشوقُك. ألجمالُ لعبتُك المثيرة، الغنيّة، القدّوسة. وأنت... أن تنتصبَ حيًّا، ناضجًا، بالسّلام النّفسيّ نابضًا، خفّاقًا، دفّاقا.
أن تلبَس النّور، هو أن ترميَ، عنك، جسدانيّتك الشّبِقة إلى المادّة، تتعرّى من حواسّك، تأتلقَ شفوفيّة، صفاءَ ذهنٍ، نقاءَ نوايا، تتأصّلَ في تربة جذورِك المباركة، عاليًا كالكرامة، صريحًا كالنّداء، واضحًا كالمحبّة... فترتدي روحَك مُشِعّةً كالرّجاء، كريمةً كالهواء، طوباويّة كالقداسة.
هنا تبدأ قداستُك. ألصّدقُ خطوتُك الأولى في طريقك إليها. خطوتُك الواثقةُ الأولى.
صادقٌ أنت ؟ فأنت شمسُ ذاتِك. سِواك ؟ بكَ يتمثّل. يحاول. معًا تنجحان. فالنّجاحُ عملٌ جَماعيّ. وحده، الإنسانُ، لا ينجح. ولا يسعَد. تريد تنجح ؟ عاوِن أخاك على الصّدق. ساعِدْه في اكتساب جرأة الصّدق. ألصّادقُ ناضج. ألصّادقُ حرّ.
ألصّادقُ، إذًا، جريء، قويّ، ناضج، حرّ. فهو، إذًا، ناجح وسعيد.
ألجرأةُ ثقةٌ. ثقةُ الشّخصيّةِ بذاتها. ألواثقُ ثابتٌ على الحقّ وفيه. ألقوّةُ إقدامٌ. إقدام الإنسان عزمٌ، حزمٌ، ثبات على الحقّ. ألنّضجُ اكتمال. محاولةُ اكتمال. ألنّضجُ محاولاتٌ مستمرّةٌ للوصول إلى ما يداني الكمال، ولا كمال. لكنّها محاولاتٌ فرِحةٌ، ولا يأس. ألحرّيّةُ نورٌ. نورٌ من الذّات، إليها، وعليها. ألحرّيّةُ لباسُ النّفسِ الجريئةِ، الواثقةِ، القويّةِ، المقدامةِ، النّاضجةِ، المحاولةِ، دومًا، الإرتقاءَ إلى الجوهر.
... وأن تطمئنّ نفسُكَ، هو أن تزهدَ بما لا يزيدُك نعمةً. ألحبّ نعمةُ النِّعَم. هو انفتاح،ٌ فلا اكتفاء. وهو ثمرةُ الصّدق،ِ فلا مراوغة. واندفاعةُ النّفس، فلا تَرَدُّد. وسعادةُ الرّوحِ، فرجاءٌ خلاّقٌ دائم.
... وأن تستغرقَ، مطمئنًّا، في السّكينة الإشراقيّة، هو أن تستشرفَ الأبعادَ بوداعة الأنبياء، بزهد النّسّاك، بتأمُّل المتصوّفين، بخشوع المؤمنين، المُنْخَطِفين، العاشقين. فمعرفةٌ ولا ادّعاء. إمتلاءٌ ولا اكتفاء. تَوَحُّدٌ ولا امّحاء. إشعاعٌ ولا احتواء.
وهكذا، فإنّ الصّدقَ حبٌّ شموليٌّ، غنيّ، قويّ، عميق، للذّات وللآخر.
إن تكنْ صادقًا، بحقّ، راودتْك النّعَم، أكسبتْك القِيَم، سموتَ شجرةً تَوافَدَ إلى أغصانها المثقَلَة طيورٌ كثيرة، وإلى ظلالها النّديّة متعَبون مُشتاقون، وعطاشٌ مُتَلَهِّفون.
ألصّدقُ طريقُ النّعْمةِ.
نِعْمَةٌ أن تُحِبَّ. نِعْمَةٌٌ أن يُحِبَّكَ الآخرون!
الأربعاء/28 شباط/2007