3

:: هل هـي فـسـحـة لـلـتـفـاؤل...؟! ::

   
 

التاريخ : 06/05/2010

الكاتب : حـنّـا نـور الـحـاجّ   عدد القراءات : 1210

 


 

(عـنّا وعـن "الملّـيّ" وَ "المحلّـيّ")

حـنّـا نـور الـحـاجّ

 

 

لطيفٌ بهيٌّ أن تتطابق ثلاثةٌ كثيرًا ما تتباعد وتتضارب: التمنّي والتوقُّع والواقع! في تَباعُدها وابتعادها، هناك هناك منبع الخيبات والإحساس بالقنوط وبالانخذال وبالمرارة.

في ما جرى في عبلّـين قبل نصف عام، تَلاقتْ هذه الثلاثة (التمنّي والتوقُّع والواقع)؛ فكان التـداني وغاب التـنائي. فكما تمنّينا، وكما توقّعنا، جَرَتْ على خير وجهٍ (في تشرين الثاني المنصرم) عمليّةُ انتخاب أعضاء المجلس الملّـيّ الأرثوذكسيّ في عبلّين. جَرَتْ رغم توهُّمِ البعض احتمال أن يَحدث توتُّر أو اضطراب أو احتراب! جَرَتْ بِسِلْم وفهْم وتفهُّم. جَرَتْ كما يليق بنا وكما نستحقّ.

 

تَـقـارُب المـتبـاعِـدِين

مِنْ لَطائفِ ما حدث، خلال يوم الانتخاب ذاك، أنّك كنت تَرى بعض المتباعدين متقاربين؛ أنّك كنت ترى بعض المرشَّحين المختلفين يجلسون أو يقفون في باحة الكنيسة، خلال سير الاقتراع، وفي انتظار صدور النتائج، يتحادثون بتفكُّهٍ وبمداعَبات ظريفة تَفرض كلُّها عليك التبسُّمَ، واحترامَ ما يجري، والتخلّيَ عن تشاؤمك -وإنْ لم يكن ذاك تخلّيًا كاملاً نهائيًّا.

 

أبنـاء العـائلات "الصـغـيرة"

مِن مفاجِئات نتائج هذه الانتخابات أنّه من بين الستّة والعشرين منتخَبًا، هنالك أكثر من عشرة هم أبناء لعائلات غير كبيرة عدديًّا؛ بل إنّ بعضهم ينتمون إلى عائلات ضئيلة العدد على نحوٍ ملحوظ جدًّا. بعض هؤلاء الإخوة حصلوا على عدد عظيم من الأصوات، يفوق بنحو ثلاثين ضعفًا مجموعَ أصوات أفراد عائلتهم البالغين.

أعرف أنّ لطريقة الانتخاب المتّبَعة دَوْرًا حاسمًا في إشاعة هذا الجوّ الراقي الرائق المريح، وفي خلق حالة من الرضا والتآخي، وفي جعل التوتّر حالة شبه غائبة. فإتاحة المجال للناخب أن يختار ستّة وعشرين مرشَّحًا (من بين بضعة وأربعين)، هذه الإتاحة الواسعة تسمح لاختيارات الناخب -أو لبعضها- أن تكون منزَّهة عن الاعتبارات الفئويّة، فلا تكون صلةُ الرحم ولا العلاقةُ الشخصيّةُ مقرِّرًا وحيدًا طاغيًا على اختياراته وقراراته. الكثيرون ممّن صوّتوا لغير أقربائهم وأصدقائهم كان منطلَقهم هو ضرورة انتخاب المناسِبين والقادرين على الخدمة من خلال العمل في هذا الإطار (المجلس الملّـيّ). ومن هنا اعترتْنا آنذاك، حين أدْلَيْنا بأصواتنا، مشاعرُ من الرضا عن الذات لا تُنكَر ولا تُنسى. أحسسنا أنّ "الصلاح" ليس حالة حصريّة لعائلاتنا. أحسسنا أنّ أبناء العائلات الأخرى يصحّ اعتبارهم أبناء لعائلتنا ولكلّ العائلات.

 

رغـم ذلـك... ثـمّة اقـتـراح

رغم كلّ هذا، أرى أنّه من الأفضل تقليص هذا العدد المتاح أمام الناخب، فيقتصر اختياره على نصف هذا العدد (ثلاثة عشر عضوًا)، أو ما يقارب النصف. الثلاثة عشر هم نصف عدد أعضاء هذا المجلس. آملُ ممّن وضعوا دستور المجلس الملّـيّ، إن كان هذا الاقتراح يلقى لديهم استحسانًا، آملُ أن يتبنّوه ويعملوا على إقراره بندًا يُدْرَج في الدستور.

وإن كان لا بدّ من التذكير بأفضليّات هذا الاقتراح/التقليص، فلنذكّر على الأقلّ بأنّ من شأن التقليص أن يساهم في ضمان تمثيل أكثر إنصافًا لبعض الفئات أو المجموعات أو الأفراد، فلا يعاقَبون بأن يختار بعضُ المقترعين غيرَهم نكايةً بهم، فيحصل هذا "الغير" على أصوات هي -في الحقيقة، أو في الأصل- ليست له. بهذا يتقلّص ما قد يصحّ أن يُطلَق عليه: تصويت المكايَدة. تصويت الاقتناع هو المطلوب.

 

مُـفْـرِحـات

ومن المُفْرِحات في هذه الانتخابات نجاحُ سيّدتين اثنتين في أن تكونا من ضمن الأعضاء الستّة والعشرين المنتخَبين. لا أخفي عن أحد أنّه لو تضاعفت نسبة التمثيل النسائيّ بضع مرّات، لَتضاعفت فرحتي. انخراط المرأة في العمل الجماهيريّ ليس مجرَّد مظهر من مظاهر الرقيّ الاجتماعيّ فحسب، بل هو من عوامل هذا الرقيّ. هل من شكّ في أنّ مشارَكة المرأة في مثل هذا العمل مكسبٌ هي لمجتمعها، لكلّ أفراده؟!

ومن المُفْرِحات كذلك نسبةُ المقترِعين العاليةُ، التي بلغت ما يقارب الستّين بالمئة من أصحاب حقّ الاقتراع. تلك نسبةٌ مُفرِحةٌ حقًّا، إذ تكشف -في ما تكشف- عن اهتمام ورغبة حقيقيَّيْن بإتاحة المجال لمن يرغب في الخدمة أن يخدم. تلك نسبة تَفُوق بما يربو على ثلاثة أضعافٍ نسبةَ مَن مارسوا حقّ الاقتراع في الانتخابات السابقة التي جرت قبل نحو ثلاثة عقود (على وجه التحديد: عام 1982)، إذ لم تتجاوز آنذاك نسبة الاقتراع الـ18%. أليسَ الحاضر، في هذا الشأن، أبهى من الماضي؟! وأخيرًا... أخيرًا، وجدْنا في حاضرنا ما نتباهى به أمام ماضينا! ليتنا في آتِـينا كذلك نجد ما نتباهى به!

 

...ومـاذا عـن الانتخـابـات الأُخـرى؟!

هل نتفاءل فنَعتبر ما جرى في انتخابات المجلس الملّـيّ الأرثوذكسيّ العبلّينيّ مؤشّرًا لِـما نتمنّى أن يكون في انتخابات السلطة المحلّـيّة القريبة؟ هل لدى الناخب العبلّـينيّ الرغبةُ (والاستعدادُ والمقدرةُ) في التعاطي مع انتخابات المجلس المحلّـيّ باعتبارها انتخابات لبلد لا لعائلة ولا لطائفة ولا لحارة؟ هل سنرى قوائم غير طائفيّة وغير عائليّة؟ هل ستتشكّل قوائم "مختلطة"؟

في هذا السياق، ما أعنيه بـِ "مختلطة" أنّها قوائمُ عبلّـينيّةٌ؛ أنّها قوائمُ سويّةٌ طبيعيّةٌ؛ أنّها قوائمُ لها قوائمُ؛ أنّها قوائم من مسيحيّين ومسلمين، من إناث وذكور، من أحياء وعائلات شتّى. بالطبع لستُ أقصد، في هذا الصدد، أن يكون "الاختلاط" حالةً شكليّة ديكوريّة تزيينيّة تدفع عن القائمة الانتخابيّة أيَّ اتّهام بالفئويّة. ما أقصده هو أن تكون هناك قائمة واحدة أو اثنتان (على الأقلّ! أو: على الأكثر!) لا تتعاطى مع الموضوع باعتبار السلْطة المحلّيّة سَـلَطة أو كعكة يُبتغَى الْتهامُها، بل باعتبارها أداة تخدم البلد وتضخّ الحياة في عروقها. قائمة واحدة أو اثنتان -على الأقلّ- لا تتعامل مع الواقع بوقوع ورضوخ وتسليم أو استسلام؛ لا تَخضع لإملاءات الواقع المريض، لا تَعتبر أنّ الخضوع للواقع هو البديل الواقعيّ الوحيد عند الفشل في إخضاع الواقع. لا نريد لبذور الرغبة في التغيير الحقيقيّ أن تنام سُباتًا.

أعرف أنّ الفروق كثيرة كبيرة بين ما هنا وما هناك؛ بين انتخابات مجلس ملّـيّ وانتخابات مجلس محلّـيّ. لكن، هل نستكثر على أنفسنا أن نحلم أن تكون انتخاباتُ المجلس المحلّـيّ انتخاباتٍ لعبلّـين، لعبلّـين طائفةً واحدةً لا طوائف؟! هل سيكون العام الممتدّ بين 14/11/2009 وَ 16/11/2010 كافيًا ليتفحّص أهلي العبلـّينيّون ما حدث وما يحدث وما قد يحدث في بلدتهم؟ هل نتفاءل بالخير فنجده حقًّا؟ ليتنا لا نكتفي بهذا! ليتنا نَقْرِنُ التساؤل والتفاؤل بالعملِ والتعاملِ: العملِ الطيّب الخيِِّر، والتعاملِ السَّمْح الليّن.

 

أمـلٌ واتّـهـامٌ!

حين يكثر عدد مَن يحبّون عبلّـين معتبرينها وطنًا مصغَّرًا (مصغَّرًا لا مصغِّرًا ولا مستصغَرًا!)... حين يدرك العبلّـينيّون أنّ واجبهم تجاه عبلّـين (وتجاه شعبهم ومجتمعهم بعامّة) ألاّ يسمحوا لأيّ زعامة وأيّ تزعُّم بجعل هذه البلدة ومجلسها المحلّيّ ملاعبَ للعبث، ولا بعثًا للّعب بمصاير الناس ومَصالحهم العامّة... حينذاك ستغدو هذه البلدة جميلة جميلة، نبيلة نبيلة.

قد يتّهمني بعضهم أنّي أرغب في أن أظهر بمظهر الموفِّق "المصلاح"، أو أنّي كذلك حقًّا. وهذا اتّهام جميل أتمنّى أن يتحقَّق حامِلوه من صحّته، وأتمنّى أن "يعاقبني" عليه المرشَّحون والمنتخَـبون والمنتخِـبون، وذلك بأن يعملوا دومًا على خلق أجواء من الوفاق والعطاء ترقى بعبلّين، وتُعْلي مِن شأنها، فتجعلها بلدة يُشار إليها بالبَنان ومَدعاةً للفخر والاعتزاز. عندذاك، لن نكابد عناء الكتابة في شأنٍ كهذا.

 

تـذكـير لِمـن قـد يتـنـاسـى!

بمقدار ما تَخدم، تكون سيّدًا حقًّا.

مَحبّتنا لا تُحْصَر في مَن يحبّوننا.

أفْضلُ الناس أنْفعُهم للناس.

ألمْ يعلّمنا السيّـدُ المعلِّمُ والمصطفى مثلَ هذا الكلام شبه المقتبَس؟! ألم يعلّمانا إيّاه في دُرَرهما التي تَصْلح لكلّ زمان؟!

 

عـبـلّـيـن – أيّـار 2010

hajhanna@gmail.com

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.