3

:: هنري زغيب والنقطة ـ الشمس ::

   
 

التاريخ : 26/03/2010

الكاتب : جوزف أبي ضاهر   عدد القراءات : 1399

 


  

 

 

كما تصل الشمس، وصلت. بدأ فجر جديد، يوم جديد، عمر جديد تكلّل بالعشق.

وصلت «نقطة على الحرف»، سُمع كلام في القلب، في العينين، قبل بدء مشوار على الورق الأبيض، ليصير زهر الصحو... وانبته الشاعر إلى ولادة، في داخله، ترسم اللهفة مثل وشم.

الشمس في منتصف النهار، في منتصف العمر.

وأكمل، لكن، كرمى للزّمن الجديد، كتب، وألغى، وسجّل، وسبق صوته إلى رغبة تنتظر كل ما قال... إلى وقت يتكرّس لعينين تقرآن كل شيء.

وصل الوقت. دخل النّص إلى الكتاب، إلى صباحات وذكريات، وكلام، وتعليقات.

النص؟ بقي ذاته، مكتملاً بذاته، لأن الأسلوب آتٍ من خصوصيّة تميّز الشاعر، عن كل مّن كتب، عن مواضيع ظنّ من سمعها أنها بسيطة... وهي؟ تحمل خلف هذه البساطة ونبرة الصوت رأيًا، والرأي هو مفتاح المدى حيث تتكدّس ثقافات وفنون، وقضايا سياسيّة وروحيّة، وتواصل مدنيّات وذكريات... وكلها، واحدة، من وجوه الحياة.

***

صحيح أن الهمّ اليومي هو «النقطة» التي تُكمل الحرف، تحدّد شخصيته، حضوره، قدرته على التعبير الصوتي، قبل أن يأخذه القلم إلى فرح المعرفة بكلمة، إذا وقعت في مكانها، كتبت لها الديمومة، وإذا لم تأتِ في المكان الصح... تمرّ الريح، والريح امرأة مجنونة تحمل مكنسة، ومسكونة بهاجس النظافة، فتكنسها. وأما المطرح الذي تتجمّع فيه مثيلات لها، فأوسع بكثير من المطرح المكتوب على اسم الحياة.

***

سَمِعت غير مرّة، أن النّص الإذاعي محكوم بالعمر القصير، ولو كانت طلّته حلوة، وتدهش. هو ليس بأكثر من حلم، ما أن تفتح عينيك حتى تنسى التفاصيل، والتفاصيل أبجدية جمال ومضمون.

غير صحيح.

النّص منذ البدء يولد لتكتب الحياة له، وإن ولد مشوهًا، لا تليق به، وإذا غاب فلا يؤسف عليه.

ولا مرّة، منذ 47 سنة، اشتغلت فيها كاتبًا ومذيعًا وصحافيًا، أحسست بفارق بين نصّ لإذاعة، أو نصّ لجريدة.

النّص جزء من تكوين معرفي وثقافي، تُضاف إليه: التجارب، الأسلوب، الصياغة، ليشكّل الجسم اللافت لمضمون يتآخى مع الشكل.

قد يكون لون الحبر، ونبرة الصوت، وعطر المعنى، إضافات، لكنها ليست أكثر من شال حرير، يزيد الجمال جمالاً... على قامة حلوة... ويخسر قيمته إذا استخدم غطاء لبشاعة.

***

النقطة التي اختارها الشاعر هنري زغيب، ولدت كما تولد الشمس. توّج بها كل كتاباته، قبل أن تصير في صوته رفيقة الصباح، وقبل شمس الصباح التي أطلّت، وصارت في الكلمة، في القلب، وربما في العمر.

***

نصّ هذا الشاعر، ولا مرّة أطل ليتباهى بشكله. أطلّ حاملاً همومًا، والشعراء يعرفون بأكثر من هموم الجمال، وبأبعد من هموم الجمال، وأعمق. يشغلهم الإنسان، الحرية، والحق، ويشكّلون وطنًا، إذا سقط أقنوم واحده من هذه الأقانيم، سقط الوطن. وسقط من نلمحهم ونسمعهم، كل يوم.

يسقطون لأنهم أرادوا الوطن مجموعة مصالح، أبخس من التراب.

***

من شباك المساء، ألمح صوته، مرافقًا أصابعه فوق الورق، يعدّ ليوم جديد، لنصّ جديد. قد يكون قصيدة، زهرة بنفسج، تكمل «ايقاعات القلب»، ولا تلغي أي ايقاع آخر.

ما كُتب بزوغة «اللحظة المباركة»، يبقى علامة، ليس مهمًا كيف، ولماذا؟

العلامات في حياتنا هي نقاط على الحروف، تولد من قصائدنا.

***

ويا شمس، يا الشعلة المقدّسة، غلّفي حروف قصائدنا وكتاباتنا، وحياتنا، بالوهج، بالدفء، زيدينا... صرنا، بعدما انتصف النهار، نخاف من لفح البرد.

 

كلمة في ندوة كتاب «نقطة ع الحرف»

للشاعر هنري زغيب. القصر البلدي

زوق مكايل، 26 آذار 2010

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.