3

:: عرب أثمن الساعات وأرخص الأوقات ::

   
 

التاريخ : 02/02/2010

الكاتب : توفيق أبو شومر   عدد القراءات : 1679

 


  

عرب أثمن الساعات وأرخص الأوقات

بقلم: توفيق أبو شومر

 

 

"إن العرب يلبسون أغلى وأثمن الساعات في العالم، ولكن لا قيمة للوقت عندهم". حفظتُ المقولة السابقة التي وردت على لسان أحد المستشرقين ولم أحفظ قائلها! لم أقتبس تلك المقولة إعجابا بقائلها بقدر إعجابي بدقتها وعمق وصفها لأمة العرب!.

فالعربي لا يلتزم بالمواعيد والأوقات إلا في حالات معينة فقط، وذلك كأن يكون صاحب حاجة، أي أن يكون طالب وظيفةٍ فإنه يصل قبل الموعد المحدد خوفاً على ضياعها، أو أن يكون طالب دَيْنٍ أو سلفة مال، أو أن يكون مريضاً مهموماً من شدة المرض ينتظر طبيباً، أو أن يكون الملتزمُ بالوقت مِن بقايا ذوي الأخلاق، ممن لم تنجح أعاصير النفاق وزوابع الكذب وفيضانات الغش والاحتيال من سحقهم وإبادتهم بعد!

تذكرتُ تلك المقولة وأنا أنظرُ في ساعتي فأجدها الرابعة عصراً إلا دقيقتين بالضبط، وكنتُ مدعواً لحضور حفل زواج سيعقد في الساعة الرابعة، حين أعلن أصحاب الفرح الشروع في مراسم الزواج. قال لي صديقي: إنه الموعدُ المضبوط الوحيد في بلدنا! فقلت له: هل تعرف السبب؟ ولم أنتظر إجابته فقد كانت قسماته تشير إلى تعجبه فقط: إن السبب يعود إلى أن الهدايا المخصصة للضيوف قد نفدت، أو أوشكت على النفاد، فخيرٌ لأهل الفرح أن ينهوه مبكرين قبل الفضيحة، فلو أطالوه دقائق لتدفق المدعوون وغير المدعوين، إذن فإن الالتزام بالوقت في هذه المناسبة نابعٌ فقط من مصلحة أصحاب الفرح! نعم إنها الحاجة هي التي تدفع الناس لاحترام المواعيد، وليس القانون أو الأعراف السائدة! فقد أصبح معتاداً عند أكثر أمة العرب أن نكْثَ المواعيد والإخلال بها هو القاعدة السائدة، أما الشذوذ فهو الالتزام بالأوقات والمواعيد. فالمسؤول الكبير لا يكون كبيراً إذا احترم مواعيده، والعامل ورجل الأعمال أيضاً لا يكون مطلوباً ومرجواً إذا حضر في موعده المضروب! لذلك فلا غرابة أن نرى العرب قد باشروا ضرب مواعيد مطاطية غير محددة حتى يتيحوا لأنفسهم فرصة الهروب، ومن أبرز أمثلة المواعيد المطاطية قولهم: بعد صلاة الظهر، أو بعد صلاة العصر...! أو يوم السبت أو الأحد أو غيرها!.

ولا يمكن أن نجد تفسيراً لعدم التزام كثيرين من أمة العرب بالمواعيد، في عصر يحسب أوقاته بأجزاء من الثانية، إلا إذا فسرناه بأننا ما نزال نعيش خارج الأوقات، وخارج أزمنة العالم، ولا تشملنا التوقيتات العالمية التي نقيس بها حياتنا من خارجها، على الرغم من أن بيوتنا تحوي أحدث ما أنتجته تكنولوجيا (المحافظة على الوقت)! فمعظم دول العرب أحيلت منذ عقود على التقاعد المبكر، وكثير من هذه الدول تصرف مخصصاتها التقاعدية من صناديق البر والإحسان في دول العالم، وكثير من الدول العربية تعيش حالة بطالة مقنَّعة، تظن بأنها غنية بالاعتماد على مخزوناتها من الثروات الطبيعية الخام، وما تزال غافية ولم يصل إلى علمها بعد (ثورة وثروة تكنلوجيا المعلومات) بعد أن أصبحت هذه هي الثروة الحقيقية في عالم اليوم! وصار مألوفاً في الدول التي اعتادت أن تذبح الوقت في مؤسساتها، أن يتعلم موظفوها الكذب في دفاتر التوقيعات وساعات الحضور والانصراف، فهم إما أن يحضروا بأجسادهم فقط في الأوقات الرسمية، ويهربوا من أداء واجباتهم داخل مؤسساتهم بحججٍ شتى، وأما أن يفوضوا آخرين بالتوقيع بالنيابة عنهم، وإما أنهم يقضون ساعات العمل في الثرثرة وفي نظام الإفطار والصلاة اللذيْن أصبحا ضمن ساعات الدوام الرسمي، فمعظم الموظفين في العالم العربي إما أنهم يقضون أهم ساعات ذروة الخدمة لجمهور المراجعين في تجهيز موائد الإفطار، التي تبدأ بإرسال أحد الموظفين لشراء لوازم الإفطار، وتنتهي بترتيب مكاتب العمل لتصبح طاولات للسفرة، وما إن ينتهوا من الإفطار حتى يهربوا من مكاتبهم لإهدار وقت طويل في عمليات الوضوء تمهيدا لأداء الصلوات في مساجد بعيدة، وإما أنهم يعطون المراجعين مواعيد زائفة للمراجعات، ولا يستخدمون تكنولوجيا المعلومات في توفير الوقت، وتوفير نماذج الطلبات على الإنترنت مثلا! وما أزال أتذكر صديقي في ستينيات القرن الماضي حين أهداه عمُّه ساعة ( جوفيال) لامعة جميلة، فلبسها على يده اليسرى فغطاها كُمُّ قميصه، فكان دائم النظر إليها، يشدُّ كمه عنها حتى يجذب أنظارنا، ولكننا لم نبد اهتمامنا بها من منطلق غيرتنا وحسدنا ولؤمنا، وبلغ بنا اللؤم أننا لم نسأله عن الوقت أبدا! ولما فشل في لفت أنظارنا وأنظار الناس قرر أن يربطها فوق كُم قميصه فصارت تلمع من بعيد! هكذا إذن، فالساعة عند أمة العرب (حِلية) من الحلي، وهدية من الهدايا، فهي ليست آلة لقياس الوقت، لأن الوقت لا قيمة له عند أكثر أمة العرب! والحقيقة الساطعة هي؛ إن كل أمة لا تُقدر قيمة الوقت، هي أمةٌ فانية، وإن كان عدد سكانها يحسب بالملايين، يأكلون وينامون ويتنفسون ويتكلمون!.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.