3

:: ألتّساؤلُ والحَيرة ::

   
 

التاريخ : 13/12/2009

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1767

 


 

ألتّساؤلُ والحَيرة

إيلي مارون خليل

 

       لا شكَّ في أنّ الإنسانَ، بالمطلَق، كائنٌ عاقلٌ، مفكِّرٌ، طَموحٌ... وفي الآن نفسِه، هو كائنٌ عاطفيٌّ، حالِمٌ، حائر... لَكأنّه نقيضُ ذاتِه! فهل، في هذا "التّناقضِ"، غِنًى أم فَقر؟ تَكامُلٌ أم تَناقُض؟ عفويّةٌ أم غَرابة؟

       أن يكونَ الإنسانُ عاقلا، أيَعني أن يكونَ هادئًا، مُتَّزِنًا؟ أن يكون واقعيًّا، راضيًا؟ ألا يَعني، حين يكون الإنسانُ عاقلا، أن يكونَ، كذلك، مفكِّرًا، محَلِّلا، رائيا؟ وأن يكون، أبدًا، ذا إرادةٍ، ثقةٍ، وتَطَلُّعات؟

وأن يكون الإنسانُ عاطفيًّا، أيَعني أن يكونَ وِجدانيًّا، مرهَفا؟ أن يكون حَسّاسًا شَفيفا؟ ألا يَعني، حين يكون الإنسانُ عاطفيًّا، أن يكونَ، كذلك، رقيقًا، خجولا، صافيا؟ وأن يكون، أبدًا، ذا عزمٍ، جرأة، وإقدام؟

وتاليًا: ألا يكون، ألا يبدو الإنسانُ، نَقيضَ ذاتِه!؟   

يتساءل المرءُ، حائرًا، ويحار، مُتَسائلا: أهذه مُعضِلة، أحجية، لُغز؟ أم هي طِلَسْم، سرّ، إبهام؟ إنّها لَغرابةٌ أن يكون الإنسانُ نقيضَ ذاتِه! أن يكون، هكذا، مبنيًّا على مبدأ التّضادّ، التّناقض! فأين طُمأنينتُه، سكينتُه، سلامُه الدّاخليُّ الحميم؟ أليس الإنسانُ كائنَ الذّاتِ المبنيّةِ على التّناغُم، التّآلف، الإشراق؟ أليس الإنسانُ كائنَ الانجذاب إلى الأعلى؟ التّواصُلِ معه وفيه وحوله، نهودًا واضحًا، متساميًا إليه؟

ليس هذا تناقضًا، ولا غرابةً، ولا غربةً، في الذّات الإنسانيّة. إنَّ ذلك فِتنةُ الغِنى، خِصبُ الجَمال، غِوى الابتكار. ألإنسانُ غنيّ بِتَنَوُّعه. جميلٌ بِخِصبه. إبتكاريٌّ في حالاته جميعًا. وهي، هذه، في تَنَوُّعاتها، إطلالاتها والتَّوَجُّهات، كينونةُ الكائنِ الحيِّ، الحُرِّ، الأصيل. ألإنسانُ كائنُ "الجَمع". يجمع، في ذاته، غيرَ ذات، يجمع كلَّ ذات. فيه العاقلُ وفيه الحائر. فيه الهادىءُ وفيه الثّائر. فيه المفكّرُ وفيه العاطفيّ. فيه الدَّيِّنُ وفيه الكافر. فيه الجِدّيُّ وفيه الهازل. فيه المُحِبُّ وفيه المُبغِض. فيه الفَرِحُ وفيه الكئيب. فيه المبارِكُ وفيه اللاعن. فيه المُسامِحُ وفيه النّاقم. فيه النَّضِرُ وفيه الذّابل. فيه المُغتبِطُ الرّافِلُ ائتلاقًا، وفيه الحَسودُ الحَقودُ الدّائمُ الاغتياظ. وفي الوقت نفسِه.

وأنت؟ أنتَ الفَردُ المُتَسائلُ الحائر!؟ أن "تختارَ"، من شريكِكَ الآخر، وجهَه النّقيَّ، النّبيلَ، "النّظيفَ"، فتتعاملُ معه على هذا الأساس. أن تتعاملَ معه على أنّه جامعُ الصّفات الحسنةِ المُستَحَبَّةِ كلِّها. ينسى وجهَه الآخر. معًا تأتلِقان.

إنّ الأمرَ لَصعبٌ. إنّ العملَ لَشاقٌّ. صحيح. مَن يقولُ إنَّ الإشراقَ سهل؟ مَن يحكم بأنَّ البطولةَ إجراءٌ بسيط؟ لكنّك، كإنسانٍ عاقلٍ، حُرٍّ، أصيلٍ، كائنُ الصّعوبات. كائنُ تذويبِ الصّعوبات. كائنُ التَّحَدّي الخَلاّق!

ألتَّحَدّي صَلابةُ مواجَهة. عزْمُ إرادة. شجاعةُ ثقة. من دون هذه، يكون الإنسانُ في حالة استسلام. كلُّ استسلامٍ ضعفٌ. ألشّجاعةُ الحقيقيّةُ تتطلّبُ عزمًا. ألعزْمُ الواضِحُ يتطلّبُ تَحَدّيًا. ألتَّحَدّي تصميمٌ ثابتٌ ناهدٌ، دومًا، إلى الأفضل. يعرفُ، الإنسانُ، أنْ عليه     عدمُ الرّاحة. ألرّاحةُ تُناقِضُ بُركانيّةَ الذّات. ألذّاتُ تُحِبُّ بُركانيّتَها. بركانيّتُها تَفَجُّرُ جوهرِها، يتشظّى في أيّ اتّجاه. والذّاتُ إلى اقتحامات.

ألاقتحاماتُ دليلُ وقوفٍ في قلب العواصف. ألعواصفُ لا تترك الإنسانَ يستقرّ، يطمئنّ، يسالم. تجعلُه، العواصفُ، في قلقٍ دائم. في نَزَقٍ دائم. حربٍ دائمة. وفي هذا، عَودٌ إلى العقل، الوِجدان، الهدوء، الثّورة، الطُّمأنينة، القلق... ما يعني هذا؟ ألغنى، لا الفَقر. ألتَّكامُلَ لا التَّناقُضَ، ألعفويّةَ لا الغرابة.                 

وبعدُ؟ ألا يبدو الإنسانُ، إذًا، نَقيضَ ذاتِه؟ ألا يبدو متناقِضًا؟ متناثرًا مع كلّ ريح؟ فلمَ الأسئلةُ؟ لمَ التّساؤلاتُ؟ لمَ الحَيرةُ؟ القلقُ؟ وأينَ السّلامُ، الطُّمأنينة، السّعادة؟ أين الغايةُ الكبرى، الأهمُّ، الأعَمُّ،... أين تكون الحياة؟ 

وتاليًا: ما قيمةُ التّساؤل؟ قيمتُه في ما يوحي إليه من حَيرة. في ما يُشير إليه من فَضاء.

ما قيمةُ الحَيرة؟ قيمتُها في ما توحي إليه من تساؤل. في ما تُشير إليه من مَدى.

ليست قيمةُ الأمر الحضاريّ في ما أنتج، وحقّق، وقدّم، فحسب. قيمتُه الأبرز، قيمتُه الحقيقيّةُ، في ما يوحي إليه، أو يُشير. في ما يعِدُ به. والنّاسُ، إليه، انطلاقُ روحٍ، وبهجةُ حَواسّ؛ لا الرّوح تنطفىءُ، ولا الحَواسُّ تخمُد. والحقيقةُ الأكيدةُ، الثّابتةُ، الوحيدةُ، أنّ الإنسانَ اشتعالٌ أبديّ. يستمرُّ أبديًّا، بعد أن كان أزليًّا! وهذا الاشتعالُ الأزليُّ/الأبديُّ، هُويّةُ الكائنِ الحيِّ، الحُرِّ، الأصيل... وهذا الاشتعالُ الأبديُّ/الأزليُّ، يُحرقُ، يُدمي، يؤلِمُ أبدًا. لكنّه، لهذا يُعشَق... يا الألمُ الحارقُ اللذيذ! يا الإنسانُ القَيِّمُ، مَن قيمتُه في ما يتوق إليه، في ما يحلُمُ به!

... وتبقى الحَيرةُ... يبقى السّؤال... مَن يقولُ إنّ الإنسانَ ليس السّؤالَ الكبير!؟ أوَليس غِناهُ في كَونه ذاك السّؤالَ ألكبير؟ أمِن أجوبةٍ عن الأسئلة الكبيرة!؟ وإن وُجِدتِ الإجاباتُ، أتكونُ ، حقًّا، هي الإجاباتُ الكبيرةُ، الحقيقيّةُ؟ فإنْ نعم، أتكون هي المنتظَرة؟ ولكن، ولكن، أمِن إجاباتٍ حقيقيّةٍ، ثابتةٍ؟  

لهذا تُحَبُّ الأسئلةُ، تُستدعى... تُعْشَق الأجوبةُ، تُنتظَر! و... تُرجى الحَيرة!

ألسّبت 28/11/2009

 

 

 
   
 

التعليقات : 5

.

23/12/2009

إيلي مارون خليل

أشكر ذوقك، فهو دليل ثقافة ومحبّة.

وأشكر لك "معايدتك"، لي ولـ(جماليا) وللجميع.

"ينعاد" عليك


.

22/12/2009

Amal N

أستاذنا العزيز

يليق بك أن تكون المفرَد المتفرّد، فمقالاتك ضوع إلى ضوع، ونبض إلى نبض، وإيحاء إلى إيحاء... وهذه: "التساؤل والحيرة" تحفة جديدة، مضموناً وأسلوباً

ينعاد بالخير عليك وعلى (جماليا) وقرّائها، أينما هم.


.

15/12/2009

إيلي مارون خليل

ألأديبة سوزانّ:

لعلّ هذين التّساؤل والحَيرة، دافعان، لنا، أبدًا، في طريق التّفكير من أجل أسئلة جديدة... فحَيرة... فأسئلة...

 أوَليس العمر والزّمن هما السّؤلان الأبديّان!؟


.

14/12/2009

سوزان ضوّ صايغ

وها أنت توقعنا في فخّ الحيرة والتساؤلات..

تحتجزنا في عشقنا لانتظار الأجوبة..

وفي محكمة القراءة نستدعي، بإيعاز من الأوراق، و بإرادتنا، الأسئلة المحيّرة.

سلمت يداك


.

14/12/2009

إيلي

ولمثل هده المقالة، أنتظر أسبوعيّا.

سلمت عيناك، ويداك، وقلبك والقكر.

محبّتي لك ول(جماليا)...

تحيّات


 

   
 

.