3

:: ألتّربية ::

   
 

التاريخ : 25/07/2009

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1579

 


 

ألتّربية

إيلي مارون خليل

 

 

مَنْ لا يَحلُمُ بالمستحيل، لا يكون ابنَ الحياة!

 

ومَنْ لا يحلُمُ بالمستحيل، لا يحيا الحياة!

 

ومَنْ لا يحلُم بالمستحيل، لا يستطيعُ تحقيقَ المُمكن! بل إنّه يعجَز عن تحقيقه، إن حاول. فالحلمُ  زهرةُ المُمكن، ودهشةُ تحقيقِه. والإمكانيّةُ ليست صِدْفةً. ليستْ عَشْوائيّةً. ليستْ عفَويّةً. ألإمكانيّةُ تخطيطٌ واعٍ، مسؤولٌ، لِحُلمٍ/أحلامٍ بُني لحظةً في إثْر لحظة، يومًا في إثْر يوم، منذ وعْيِ الإنسانِ ذاتَه.

 

متى يعي الإنسانُ ذاتَه، هذه الذّاتَ العميقةَ، الشّاملةَ، القَصيَّةَ، المُتَشابِكةَ، المُتَناثِرةَ في كلِّ اتِّجاه؟ وهل يَحْصُلُ ذلك؟ كيف؟ وماذا يَتَحَقّقُ حينئذٍ؟

 

يعي الإنسانُ ذاتَه بالإرادة. إنّها أساس. بها تُبْنى النّفسُ، تُصْقَلُ، تُجَوهَرُ، تُصاغ. فيحصُلُ الوعْيُ خَلاّقًا، رائيًا، يُحَدِّدُ المستقبَلَ، ويَنْشَطُ في سبيلِ تحقيقِه. ألإرادةُ المُقترِنةُ بالعملِ، جوهرُ الإنتاجِ المُبدِع البديع. ألإرادةُ صفاءُ الرّوحِ، العملُ صياغةُ هذا الصَّفاءِ.

 

ويعي الإنسانُ ذاتَه بالثّقافة. ألثّقافةُ، في وجهٍ من وجوهِها، تَحَدٍّ للذّاتِ في مَداراتِها كلِّها : ألمَدارِ ِالاجتماعيِّ، النّفسيِّ، الجُغرافيِّ، التّاريخيِّّ، البيئيِّ، الدّينيِّ، الاقتصاديِّ، السِّياسيِّ.. وأيِّ مَدار.. تَتَحَدّى نفسَك : فيها ما لا يُعجِبُك. ما لا تُطيقُه يكونُ فيها. تُريدُ تَتَخَلّى عنه، تُريدُ تَكتسِب الجديدَ المُفيدَ، الرّاقي المُرَقّي. تُريدُ نفسَك جديدةً، ساميةً، وادِعةً، مُسالِمةً، مُطْمَئنّة.

 

ويَعي الإنسانُ ذاتَه بالإيمان. يَسكُبُ الإيمانُ،على المؤمنِ، الثِّقةَ، القوّةَ، الطُّمَأنينةَ. يَسْكُبُ عليه الوعيَ، الإدراكَ، الفرح. هذه، تجعلُ الذّاتَ مُدرِكَةً نفسَها. تجعلُها مُخْتَمِرةً بالمعرفة، نابِضةً بالفَهمِ، حيَّةً بالقِيَم.

 

وبالتّربيةِ يعي الإنسانُ ذاتَه. إنّها خالِقةُ الإرادة، مُقَوْلِبَتُها، مُطلِقتُها. والتّربيةُ تَبني الذّاتَ المُثَقَّفَة. فالثَّقافَةُ بِناءٌ يوميٌّ. بِناءٌ مَتينٌ، يُمَكِّنُ المرءَ من ذاتِه، في ذاتِه، ومن أجلِها، في مُحيطِها. في كلّ مُحيط. هذا التَّمَكُّنُ وعيٌ يَغْرِفُ الحياةَ غَرفًا. وكذلك الإيمانُ. إنّه امتِلاءُ النَّفسِ، فَيْضُها، سعادتُها الغامِرة.

 

*******

 

وما لا شَكَّ فيه، أنَّ التَّربيةَ إيمانٌ بالقِيَم، غَرْسٌ، لها، في النُّفوسِ، وعملٌ، بها، دَؤوبٌ، في كلِّ زمانٍ ومكان.

 

ألإيمانُ بالأمرِ، نِصْفُ الطَّريقِ إليه، بِفرح ٍ، فرحٍ شفيفٍ، مُستنير، مُنير. والغرْسُ في النُّفوسِ، انتقالٌ، إليها، بِعَزْمٍ، بِإرادة. هي إرادةُ الوعْيِ الجميلِ، الغنيِّ، الخَصيب. والعملُ تَواصُلٌ، مع الآخر، بِمسؤوليّة. هي مسؤوليَّةُ التَّحَدّي الأخّاذ.

 

ألفرحُ وعيُ الرِّسالةِ، تضحيةٌ، تَوَهُّجُ نُبْل. والإرادةُ انطِلاقُ الوعيِ، لا إلى  تَراجُع. والمسؤوليَّةُ تَصَفّي الذّاتِ، وانْصِبابُها من أجْلِ السِّوى.

 

هذا فَيْضٌ! صحيح. وأيُّ فَيْض! إنّه فَيْضُ الّلهِ على الأصْفياءِ، الأنقياءِ، المُفْرَغينَ من ذاتِهم، وبالغيرِ هم ممتلئون.

 

كيف؟

 

هؤلاءِ همُ المُنْصَبّونَ فرحًا، وعيًا، نُبْلا. هؤلاءِ همُ المُنْدَفِقونَ إرادةً، حَزْمًا، عَزْمًا. هؤلاءِ همُ النّابِضونَ مسؤوليَّةً ناضِجةً، يَلتهِبونَ و..يُلهِبون!.. إلى مِثلِهِم تَنْهَدُ البشريّةُ، لئلاّ يَظَلَّ أبناؤها "في كلِّ وادٍ يَهيمون"!

 

وبَعْدُ

 

حَقًّا إنّ التَّربيةَ فَنٌّ! وأيُّ فَنّ!

 

إنّها فَنُّ إيصالِ الثَّقافةِ، لا المعرفةِ، فَحَسْبُ. وفَنُّ صَقْلِ النُّفوسِ قِيَمًا. وفَنُّ نَحْتِ الأذواقِ جَمالا. وفَنُّ بِناءِ الشَّخصيّاتِ والنَّفسيّاتِ مَسؤوليّةً. وفَنُّ تَخَطّي الصِّعابِ تَحَدِّيات. وفَنُّ السِّباقِ مع الأحلامِ، واستباقِها. إنَّها فَنُّ "هَندسةِ" الإنسانِ، وصِيانتِه : جسدًا، وذِهنًا؛ عاطفةً وروحا..

 

إنّ التّربيةَ إنتاجٌ حقيقيٌّ للإنسان. للإنسانِ النّاجح. إنّها فَنُّ التّدريبِ على تَحقيقِ المستحيلِ.. وتَحطيمِه، لِصالِح الفَرْدِ والجَماعة.. إلى الأبد!

26/9/2008

 

         

           

 

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 1

.

26/07/2009

سوزان ضوّ

فالحلمُ  زهرةُ المُمكن، ودهشةُ تحقيقِه

ماذا يمكن أن أضيف؟ وبماذا أعلّق أو أناقش؟

التربيّة هي التي ( وللأسف ) لقلّة حضورها في غالبية المجتمعات، صارت وحدها الحلم والدهشة

 


 

   
 

.